كوفيد طويل الأمد وضبابية الدماغ: هل تمكن العلماء من حل اللغز أخيراً؟

2 دقيقة
shutterstock.com/tilialucida

يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من "كوفيد طويل الأمد"، وهي حالة تتميز بأعراض تستمر لما بعد الشفاء من كوفيد-19 فترات طويلة، وخاصة حالة "ضبابية الدماغ"، التي تترافق بضعف التركيز والذاكرة ومعالجة المعلومات. وقد سلطت دراستان حديثتان الضوء على الآليات البيولوجية المحتملة لمث…

بعد مرور أكثر من أربع سنوات على انتشار جائحة كوفيد-19، لا يزال العلماء يواجهون تحديات كبيرة في فهم الآثار الطويلة الأمد للفيروس التي يطلق عليها "كوفيد طويل الأمد"، وهو حالة مزمنة أصابت بعض المرضى بعد تعافيهم من العدوى الأولية، وتسببت في مجموعة من الأعراض المستمرة التي تؤثر في جودة حياتهم.

أحد أكثر هذه الأعراض شيوعاً هو "ضبابية الدماغ"، وهو اضطراب إدراكي يتسبب في مجموعة من المشكلات المعرفية، مثل صعوبة التركيز وبطء التفكير وهفوات الذاكرة قصيرة المدى.

اليوم، يعاني أكثر من 400 مليون شخص من أعراض كوفيد طويل الأمد، وعلى الرغم من الجهود البحثية المكثفة، لا تزال الأسباب الجزيئية لهذا الخلل الإدراكي غير مفهومة بالكامل. فبينما كشفت بعض الدراسات عن تغيرات في بنية الدماغ، لم تفسر نتائجها كيف تؤثر العدوى في التواصل العصبي. لكن دراسات جديدة ساعدت على التقدم نحو الأمام في فهم أعمق لضبابية الدماغ المرتبط بكوفيد طويل الأمد.

أسباب ضبابية الدماغ واضطراب كوفيد طويل الأمد

كشفت دراسة حديثة نشرت نتائجها في دورية اتصالات الدماغ، وأجراها باحثون من جامعة يوكوهاما سيتي في اليابان، أن المصابين بكوفيد طويل الأمد يعانون خللاً في الدماغ يتمثل بزيادة مفرطة في مستقبلات (AMPA)، وهي نوع من مستقبلات الغلوتامات في الدماغ، وتؤدي دوراً أساسياً في نقل الإشارات العصبية المرتبطة بالتعلم والذاكرة.

شملت الدراسة 30 مريضاً يعانون ضعفاً إدراكياً مزمناً بعد الإصابة بكوفيد-19، ثم قارنهم الباحثون مع 80 شخصاً سليماً من الفئة العمرية نفسها. استخدم الباحثون تقنية تصوير متقدمة تدعى التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، مع مادة كيميائية مشعة طورها فريق البحث خصيصاً، تستطيع الارتباط بمستقبلات (AMPA) على سطح الخلايا العصبية، ما يسمح بقياس كثافتها بدقة في مناطق الدماغ المختلفة، وتحديد التغيرات العصبية الدقيقة في الدماغ.

بعد المقارنة توصل الباحثون إلى ما يلي:

  • أظهرت الصور زيادة واضحة في كثافة مستقبلات (AMPA) في معظم مناطق الدماغ لدى المرضى مقارنة بالأصحاء.
  • ارتبطت هذه الزيادة بانخفاض في اختبارات الذاكرة والانتباه؛ فقد ترافق الارتفاع في هذه المستقبلات مع تدهور إدراكي واضح.
  • وجد ارتباط بين ارتفاع مستويات بعض علامات الالتهاب وزيادة مستقبلات (AMPA)، ما يشير إلى أن الالتهاب المزمن قد يكون سبباً محتملاً في الخلل العصبي.

الشيخوخة الخلوية الوعائية: الرابط الخفي بين العدوى الفيروسية ومتلازمة كوفيد طويل الأمد

قدم فريق بحثي من جامعات ستيلينبوش بجنوب إفريقيا، وأكسفورد البريطانية، وجامعة أمستردام الحرة الهولندية، وليفربول البريطانية فرضية جديدة أخرى حول سبب ضبابية الدماغ المرتبطة بمتلازمة كوفيد-19.

في المراجعة الحديثة التي نشرت في موقع المخطوطات الأولية، يرى الباحثون أن العدوى الفيروسية لا تنتهي بالشفاء الظاهري، بل تترك أثراً عميقاً في بطانة الأوعية الدموية يعرف باسم الشيخوخة الخلوية الوعائية، وهي حالة تجعل الخلايا الوعائية "تشيخ" مبكراً وتفقد قدرتها على أداء وظائفها، ما يؤدي إلى أعراض طويلة الأمد مثل التعب المزمن وضبابية الدماغ واضطرابات الجهاز الهضمي وضعف التحمل الجسدي.

في الأوعية الدموية، تمثل هذه الحالة خطراً مضاعفاً، لأن بطانة الأوعية مسؤولة عن تنظيم تدفق الدم، وتوزيع الأوكسجين، ومنع التجلط.

لا تتوقف القصة عند الشيخوخة الوعائية فحسب، بل تمتد إلى الجهاز المناعي الذي يفترض به إزالة هذه الخلايا التالفة. تشير الدراسة إلى أن مرضى كوفيد طويل الأمد ومتلازمة التعب المزمن، يعانون ضعفاً واضحاً في فعالية الخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا التائية ومنظومة المتممة، وهي أدوات الجسم في تنظيف الخلايا المريضة أو الهرمة.

نتيجة هذا الضعف، تتراكم الخلايا الوعائية الهرمة وتستمر في إفرازها الالتهابي فترات طويلة، مولدة حالة مزمنة من الالتهاب المنخفض الدرجة تؤدي إلى أعراض متعددة، أهمها:

  • تراجع تدفق الدم الدماغي، وهو المسبب لضبابية الدماغ وصعوبة التركيز.
  • ضعف تروية العضلات ما يؤدي إلى التعب بعد الجهد أو ما يعرف بـ "الإنهاك التالي للإجهاد".
  • تسرب الأمعاء نتيجة خلل بطانة الأوعية في الجهاز الهضمي، مسبباً اضطرابات هضمية ومناعية إضافية.

التبعات العلاجية

تفتح هذه الفرضيات الباب أمام فئة جديدة من العلاجات، أهمها:

  • السنوليتكس: هي أدوية أو مركبات طبيعية تستهدف الخلايا الهرمة لتدميرها أو تثبيط نشاطها الالتهابي، مثل الكيرسيتين والفيستين وبعض مشتقات الداساتينيب، وقد أظهرت تجارب أولية على نماذج حيوانية قدرتها على تقليل الالتهاب وتحسين البقاء بعد العدوى الفيروسية.
  • بيرامبانيل: هو دواء معروف في علاج الصرع، وهو مضاد غير تنافسي لمستقبلات (AMPA)، أي أنه يخفف نشاطها المفرط دون أن يعطلها كلياً.

 

المحتوى محمي