دليلك العملي لمواجهة الاحتراق الوظيفي بالرياضة والتغذية

4 دقيقة
دليلك العملي لمواجهة الاحتراق الوظيفي بالرياضة والتغذية
حقوق الصورة: بوبيولار ساينس العربية. تصميم: عبدالله بليد.

تؤدي ضغوط العمل المتواصلة إلى ما يعرف بـ "الاحتراق الوظيفي"، وهي حالة مزمنة من الإرهاق النفسي والجسدي، تنعكس سلباً على الأداء والمزاج والصحة العامة. وللحد من هذه الحالة أو الوقاية منها، يمكن اعتماد بعض الاستراتيجيات الرياضية والغذائية التي تسهم في تحسين المزاج وتقليل ال…

في ظل الضغوط المتزايدة التي تفرضها بيئات العمل الحديثة، أصبح الاحتراق الوظيفي مشكلة شائعة تمس شريحة واسعة من الموظفين. فالإرهاق المستمر وفقدان الحافز والتوتر المزمن ليست مجرد أعراض عابرة، بل مؤشرات تنذر بضرورة التدخل بإجراءات إسعافية. ومن هذه الإجراءات التي قد تساعد على الوقاية من الاحتراق الوظيفي وتخفيف حدته، بعض الممارسات الرياضية والغذائية التي قد تغفل عنها في زحمة يومك. إليك أهمها.

ما هو الاحتراق الوظيفي؟

الاحتراق الوظيفي هو حالة من الإرهاق البدني والنفسي والذهني، تنتج عن ضغوط العمل المستمرة أو التي لم تتمكن من إدارتها بنجاح؛ فعلى عكس الضغوط اليومية، التي قد تزول بزوال الضغط، يتراكم تأثير الاحتراق الوظيفي تدريجياً، حتى تجد نفسك تكافح مع أبسط المهام، وتشعر بالإحباط بسهولة مع زملائك في العمل أو أحبائك، وكأنك لا تستطيع القيام بأي شيء على نحو جيد.

بعبارة أخرى، إنه ليس مجرد "أسبوع سيئ"، بل هو حالة مزمنة يمكن أن تستمر أشهراً أو حتى سنوات إذا لم تعالجها، فتشعر بالاستنزاف والانفصال عن عملك وانخفاض الحافز والإنتاجية.

غالباً ما يصنف الباحثون الاحتراق الوظيفي ضمن ثلاثة أبعاد:

  • الشعور باستنزاف الطاقة أو الإرهاق.
  • زيادة البعد الذهني للفرد عن العمل والأنشطة.
  • انخفاض الكفاءة المهنية أو الشعور بالإنجاز.

الآلية الكامنة وراء ذلك هي محور (الوطاء-الغدة النخامية-الكظرية)، وهو نظام الاستجابة المركزية للتوتر في الجسم.

عندما تتأخر عن موعد إنجاز المهمة النهائي، أو تتحدث أمام جمهور، أو تتعرض للسرقة أو لصدمة ما، يشعر الجسم بالتهديد والخطر، ما يثير فيه استجابة تعرف باسم استجابة الكر والفر. تؤدي هذه الاستجابة إلى تنشيط المحور وتحفيز الغدد على إفراز هرمونات التوتر، الكورتيزول والأدرينالين.

اقرأ أيضاً: لماذا تسبب رسائل البريد الإلكتروني المتأخرة الاحتراق الوظيفي المبكر؟

في البداية، يبقيك ارتفاع الكورتيزول في حالة تأهب، لمساعدتك على مواجهة ما يجد فيه خطراً. لكن مع مرور الوقت، وعندما يكون التوتر متواصلاً، قد يصاب الجسم بالإرهاق، فيغمر جسمك بهرمونات التوتر، وتبقى استجابة الكر والفر في حالة تنشيط منخفضة المستوى. بدورها ترتبط حالة التنشيط هذه بمشكلات صحية خطيرة، أهمها:

  • تعطيل دورات النوم.
  • تثبيط وظيفة المناعة.
  • تلف الأوعية الدموية والشرايين، بسبب الارتفاع المستمر في الإيبينيفرين.
  • زيادة ضغط الدم وخطر الإصابة بالنوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
  • زيادة تراكم الأنسجة الدهنية وبالتالي زيادة الوزن، لأنه يزيد الشهية.

بمرور الوقت، قد يصبح الجسم أقل استجابة للكورتيزول، قد يفقد الجسم حساسيته للكورتيزول، فيظهر ما يشبه نقص الكورتيزول الوظيفي. عندها يصبح الشخص أكثر عرضة للتعب المستمر والالتهاب وزيادة التعرض للمرض.

اقرأ أيضاً: الاحتراق الوظيفي حقيقي وهكذا تكتشفه وتتعافى منه

كيف تحمي نفسك من الاحتراق الوظيفي؟

يمكن لبعض الاستراتيجيات الرياضية والغذائية أن تقيك من الآثار السلبية للاحتراق الوظيفي:

كيف تحمي الرياضة من الاحتراق الوظيفي؟

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة سونج كيون كوان في كوريا الجنوبية أن النشاط البدني اليومي يرتبط بانخفاض احتمالية الاحتراق الوظيفي بين الموظفين. شملت الدراسة 7,973 موظفاً تتراوح أعمارهم بين 19-65 عاماً في كوريا، حيث قاس الباحثون مستويات نشاطهم البدني باستخدام استبيان معتمد ومقارنة ذلك بدرجاتهم على مقياس الاحتراق الوظيفي، وتوصلوا إلى ما يلي:

  • ارتبطت ممارسة نشاط بدني أعلى (من حيث الجرعة والمدة) بانخفاض واضح في احتمالية الاحتراق الوظيفي.
  • كانت أقل نسبة احتراق ظهرت عند من جمعوا بين 25 دقيقة على الأقل يومياً من نشاط متوسط إلى قوي (مثل الجري أو ركوب الدراجة) و30-60 دقيقة من النشاط الخفيف (مثل المشي).
  • نسبة الموظفين المصابين بالاحتراق بلغت 15.8%، وكانت أكثر بين الشباب والنساء والعزاب، ما يشير إلى وجود عوامل اجتماعية مؤثرة بجانب النشاط البدني.

تساعد التمارين الرياضية على تخفيف التعب والإرهاق المرافق للاحتراق الوظيفي من خلال آليات فيزيولوجية متعددة، من أهمها:

  • زيادة تدفق الدم وتوصيل الأوكسجين إلى أنحاء الجسم والدماغ، ما يدعم إنتاج الطاقة الضرورية لوظيفة الخلايا، ويقلل التعب العام.​
  • تعزيز مستويات الهرمونات مثل السيروتونين والإندروفين "هرمونات السعادة"، التي تحسن الحالة المزاجية والوظيفة الإدراكية والدافع وترفع مستويات الطاقة الجسدية والذهنية، وتقلل التوتر والشعور بالتعب.
  • تحسين جودة النوم من خلال تنظيم دورة النوم والاستيقاظ، ما يساعد الجسم على استعادة طاقته لليوم التالي ويقلل الإرهاق عند الاستيقاظ.​
  • تقليل التوتر عبر خفض هرمونات التوتر (الكورتيزول).

اقرأ أيضاً: ما هي الأعراض الجسدية المصاحبة للاحتراق الوظيفي؟

تمارين مكتبية بسيطة لكسر حلقة الاحتراق الوظيفي

يعد دمج بعض التمارين المكتبية السهلة والعملية ضمن يوم العمل وسيلة فعالة للحد من الإرهاق وتعزيز الإنتاجية، وتخفيف إجهاد الجلوس فترات طويلة، مثل:

  • تمارين السكوات على الكرسي: قف أمام كرسيك، وأنزل جسمك كما لو كنت جالساً، ثم عد إلى وضع الوقوف. كرر التمرين 10 مرات.
  • تمارين الضغط على المكتب: ضع يديك على حافة مكتبك، ثم تراجع إلى وضعية "اللوح الخشبي"، وابدأ تمارين الضغط.
  • رفع الساق في أثناء الجلوس: في أثناء الجلوس، مد ساقاً واحدة وحافظ عليها ممدودة عدة ثوان، ثم بدل الجانبين. كرر 10-15 تكراراً لكل ساق.
  • تدوير الكتفين وتمديد الرقبة: حرك كتفيك بشكل دائري أو أمل رأسك برفق من جانب إلى آخر.
  • وضعية القطة: ضع يديك على ركبتيك وقوس ظهرك، ثم أدر ظهرك لتتخذ وضعية القطة. كرر ذلك من 8 إلى 10 مرات.
  • المشي حول المكتب: تمش قليلاً حول المكتب أو اصعد السلالم. حتى استراحة حركة مدة 5 دقائق كل ساعة تخفف التعب وتنعش الذهن.
  • الوقوف في أثناء الاجتماعات: قف قدر الإمكان في أثناء الاجتماعات أو عند الرد على المكالمات للحد من الآثار الجسدية للجلوس وتعزيز اليقظة الذهنية.

اقرأ أيضاً: 20 عادة صحية على المدراء التكيف معها واعتمادها

استراتيجيات غذائية لمقاومة الاحتراق الوظيفي

يسهم الغذاء الصحي في خفض مستويات الاحتراق الوظيفي عبر آليات مباشرة تؤثر في طاقة الجسم وكيمياء الدماغ واستجابته للتوتر، ومنها:

  • وجبة الإفطار: يزود الإفطار الدماغ بالغلوكوز اللازم لوضوح الذهن واستقرار المزاج، لذا فإن تخطيه يؤدي إلى تقلبات سكر الدم التي تضعف التركيز وترهق الموظف ذهنياً، وتسبب ضبابية الدماغ.
  •  الحفاظ على الترطيب: يؤدي الجفاف، حتى البسيط منه، إلى تراجع الأداء الإدراكي والمزاج والتركيز. علاوة على ذلك، تختل إشارات الجوع، حيث يبقى هرمون الجوع (الغريلين) مرتفعاً، فيسيء دماغك تفسير الإشارات، ويؤدي إلى الشعور بالجوع بدلاً من إدراك حاجة الجسم للماء، ما يرفع التوتر ويزيد احتمالية اللجوء لخيارات غذائية غير صحية.
  • قلل تناول السكريات المصنعة والمكررة: تسبب السكريات المكررة، كما في الحلويات، ارتفاعاً حاداً في سكر الدم، ما يحفز إفراز الإنسولين لتنظيم مستويات السكر، فيتبعه انهيار سريع يعرف بـ "انهيار السكر"، ويسبب شعوراً بالتعب والخمول. بالإضافة إلى ذلك، تخفض السكريات الأوريكسينات، وهي مواد كيميائية مسؤولة عن اليقظة. لهذا، يساعد اختيار الأطعمة منخفضة المؤشر الغلايسيمي على توفير طاقة ثابتة تدعم التركيز طوال اليوم.
  • تنظيم علاقة العقل بالطعام: فالأكل في أثناء العمل يعطل الوعي بإشارات الجوع والشبع، ويضعف الهضم تحت ضغط المهام، ما يقلل امتصاص العناصر الغذائية ويرفع مستويات التوتر. وبذلك، ينبغي تخصيص وقت هادئ لتناول الطعام، ولو دقائق، للحد من المشكلات الهضمية، وفصل الدماغ عن العمل لإعادة شحن طاقته.

المحتوى محمي