اسمح لطفلك بالتعرض لبعض القاذورات حفاظاً على صحته

4 دقائق
هناك أمر واحد واضح بالتأكيد؛ وهو أن الأطفال في حاجة إلى جرعة سليمة من الأوساخ والقاذورات.

تشير الكثير من الأبحاث في هذه الأيام إلى أننا قد ابتعدنا كثيراً في سعينا للقضاء على الجراثيم، وأن الأطفال يمكنهم أن يتعاملوا مع القليل من الأوساخ والقاذورات لتحسين صحتهم، وهذه الفكرة تؤكِّدها دراسة جديدة نشرت مؤخراً في مجلة الجمعية الطبية الكندية (Canadian Medical Association Journal)؛ حيث تشير إلى أن تعرض الأطفال الصغار للمنظفات المنزلية الشائعة يمكن أن يؤدي إلى السمنة في وقت لاحق من الحياة، ويعود كل ذلك إلى أحد الهواجس المفضَّلة والجديدة للطب الحديث؛ وهو الميكروبات المتعايشة في الأمعاء.

يقول جيمس سكوت (وهو مؤلف مشارك في الدراسة، وباحث يقوم بدراسة الصحة البيئية في جامعة تورنتو): "لديك هذه المجموعة من الميكروبات في أمعائك، والتي تعتمد عليها في عدد كبير من الأشياء التي تعدُّها أموراً مسَلَّماً بها، ومن المثير للاهتمام أن نرى أنها معرَّضة للتأثيرات البيئية بطرق لم يُسبق التفكير فيها أبداً".

ولم يتأكَّد بعد كيف أن البكتيريا المعوية يمكنها فعلاً أن تؤدي إلى السمنة أو تحافظ على النحافة، لكن الدليل على أن العوامل البيئية يمكنها أن تؤثر على زيادة الوزن موجودٌ بالفعل، وإذا كانت البكتيريا المعوية تلعب دوراً فعلياً في طريقة حرق الدهون والحفاظ على الوزن، فإن الأمر يستحق دراسة أنواع العوامل الخارجية التي تتوسط هذه العلاقة.

ويقول سكوت: "إن التجمُّعات الميكروبية المعوية التي تستقر داخلنا مهمة للغاية في تنظيم كيفية استخدامنا للأطعمة التي نتناولها؛ فنحن عندما نتناول الطعام نعتقد أننا نغذِّي أنفسنا، ولكننا غالباً نغذي الميكروبات، وما تقوم به هذه الميكروبات هو ما يمكنه أن يجعلنا نستخدم الطاقة بطريقة مختلفة"؛ مما يؤثر على كيفية تخزيننا للدهون ومدى فعالية عملية الاستقلاب الغذائي.

ويتفاقم هذا الأمر بسبب كون الميكروبات المتعايشة الفتيَّة أكثر عرضة للتغيرات؛ يقول سكوت: "لا يكون هناك الكثير من التجمُّعات البكتيرية في أمعاء الطفل عندما يولد"، بل إن الأمر قد يستغرق عاماً كاملاً حتى تستقر هذه البكتيريا وتتخذ من أمعائنا موطناً لها، وتتأثر هذه العملية بكل شيء بدءاً من المرض والعلاج بالمضادات الحيوية إلى الرضاعة الطبيعية أو باستخدام الحليب الاصطناعي.

كما يقول سكوت: "عندما تصبح لديك ميكروبات متعايشة بالغة، فإنها تكون دائمة ومستقرة إلى حدٍّ كبير"، ولكن يمكن -من الناحية النسبية- أن تتسبب البيئة وتغيراتُ النظام الغذائي في حدوث تغيرات حتى عند هذه الميكروبات البالغة، ويضيف: "لكنها تكون هشَّة للغاية خلال السنة الأولى من الحياة، ولا سيما في الأيام المئة الأولى"، وكان سكوت وزملاؤه مهتمين بالمنظفات المنزلية -التي غالباً ما تكون مضادة للبكتيريا- وقياس مدى إمكانية أن يكون لها تأثيرٌ ملموس على الميكروبات المتعايشة في الأمعاء، والتي تعيش داخلنا خلال هذه الفترة الحساسة.

وهذه النتائج الأخيرة هي في الواقع جزءٌ من مشروع بحثي أكثر شمولاً، يركِّز على مجموعة الولادات للدراسة الكندية للتطور الطولي للرُّضَّع الأصحاء (CHILD)، وهي قاعدة للبيانات الصحية والطبية والسلوكية المأخوذة من أكثر من 3500 طفل كندي بدءاً من مرحلة الجنين؛ وذلك أصلاً لتحديد العوامل البيئية التي تؤدي إلى الربو والحساسية عند الأطفال، ويبلغ عمر هذه الدراسة 10 أعوام، وتضم أكثر من 40 باحثاً، وقد تطورت خلال هذه السنين بشكل كبير في نطاقها؛ مما أوجد فرصة لدراسة السمنة في مرحلة الطفولة.

وقد قام سكوت وفريقه -من أجل هذه الدراسة تحديداً- بجمع عينات البراز وتحليلها من 757 رضيعاً مشاركاً في الدراسة عندما كانوا في سن 3 إلى 4 أشهر؛ وذلك لتحديد الميكروبات المتعايشة في أمعاء كل طفل. كما جرَّد الفريق منزلَ كل رضيع منهم بحثاً عن منتجات التنظيف؛ وذلك لقياس مدى تعرُّض هؤلاء الأطفال للمطهِّرات والمواد الكيميائية متعددة الأغراض، وكذلك لقياس مؤشر كتلة الجسم (BMI) بعمر سنة واحدة و3 سنوات كمقياس للسمنة.

ووجد الفريق بشكل عام أن الأطفال الذين كانوا يعيشون في منازل تُستخدم فيها المنتجات المضادة للميكروبات -أسبوعياً على الأقل خلال مرحلة الطفولة- كان لديهم قيمة أعلى لمؤشر كتلة الجسم بعمر 3 سنوات، بالمقارنة مع الأطفال الذين كانوا يعيشون في منازل أقل استخداماً للمطهِّرات، وفي حين يتم وصف منتجات التنظيف بأنها "صديقة للبيئة" (أي غير مضادة للبكتيريا)، كان هؤلاء الرضع -ذوو المؤشر المرتفع لكتلة الجسم- يمتلكون أنماطاً من البكتيريا المتعايشة التي يبدو أنها تتوافق مع النتائج، بما فيها انخفاض مستويات بكتيريا الأمعاء الشائعة مثل المستدمية والمِطَثِّيَّة.

وقد دُهش الباحثون بشكل خاص من حقيقة أن الأطفال الذين تعرَّضوا لمزيد من المطهِّرات كانوا أكثر احتمالاً بمرتين لأن يمتلكوا كميات أكبر من بكتيريا لاكنوسبيريسي (Lachnospiraceae)؛ وهي البكتيريا المرتبطة بارتفاع معدلات الدهون في الجسم ومقاومة الأنسولين في الدراسات الحيوانية، ويقول سكوت: "نحن نعرف أنها عامل مهم بالنسبة لما ستبدو عليه الميكروبات المتعايشة الناضجة"، وعلى الرغم من وجود مئات الأنواع من البكتيريا التي تعيش في أمعائنا، إلا أن سكوت يقول إن مجموعة صغيرة فقط هي التي تملك التأثير الأكبر على شكل البكتيريا المتعايشة في النهاية.

ولكن لا تتسرع في التخلص من منتجات التنظيف والمناديل المبللة، فهناك الكثير من الأسباب للنظر إلى النتائج ببعض الحذر؛ حيث يقول سكوت: "إحدى عيوب دراستنا هي أننا لم نقم بإجراء قياسات فيزيائية للبقايا الكيميائية، سواءً في البيئة المنزلية من خلال تحليل بعض الأشياء مثل عيِّنات الغبار، أو داخل الجسم من خلال دراسة عينات الدم أو البول"، بل تعتمد الدراسة على افتراض أن منتجات التنظيف في المنزل كانت تستخدم بانتظام، ولكن دون تحديد إلى أي مدى كانت تستخدم هذه المنتجات، ويضيف: "قد يكون هناك مجموعة فرعية من الأفراد الذين أسأنا تصنيفهم، ممن لديهم المنتجات ولكنهم لا يستخدمونها"، كما أنه لم يتم التمييز بين مكونات محددة، باستثناء كونها مضادة للبكتيريا أو لا.

بالإضافة إلى أن البيانات لا تشمل العوامل الأخرى المؤثرة على أنماط البكتيريا المعوية؛ مثل النظام الغذائي، واستخدام المضادات الحيوية، وزيادة وزن الأم قبل الحمل، وغير ذلك.

ويعترف سكوت نفسه بأن النتائج "لا تدلُّ بأي حال من الأحوال على وجود علاقة" بين منتجات التنظيف والسمنة، فببساطة ليس هناك ما يكفي من الفهم حول الآليات البيولوجية التي تشجع أو تثبِّط البكتيريا المتعايشة في الأمعاء مثل لاكنوسبيريسي، كما يضيف: "بقدرٍ ما يمكننا أن نقول إن التأثير ضعيف إلى حدٍّ ما، ورغم أن العلاقة كبيرة إلا أنني لا أقول إنها ذات أهمية كبيرة، وهذه الأهمية لا تخبرنا بأي شيء عن طبيعة هذه العلاقة".

ويعتقد سكوت -بدلاً من ذلك- أن "النتائج تعطينا حقاً بعض الأفكار المثيرة حول ما يحدث، وتُثير أسئلة قادمة ومثيرة للاهتمام فعلاً، ومن المهم لنا أن نعود ونستكشف الآليات"، وهو يعتقد أن الاستقصاءات الجارية مع بيانات دراسة (CHILD) تمهِّد الطريق للباحثين من أجل المضي قُدُماً في دراسات المتابعة.

وفي النهاية -وحتى تتوافر المزيد من البيانات للاعتماد عليها- يجب أن تلتزم بنفس النوع من ممارسات التنظيف التي يروِّج لها معظم الخبراء؛ وذلك بتطهير الأشياء حسب الحاجة، ولكن مع الامتناع عن الإفراط في ذلك وعدم محاولة تحويل منزلك إلى مكان معقَّم بالكامل؛ فليس من السيئ أبداً للأطفال الصغار والرُّضَّع أن يتعرَّضوا للقليل من الأوساخ من حين لآخر.

المحتوى محمي