عالم رياضيات بريطاني يعتقد أنه حلَّ لغزاً بقيمة مليون دولار

4 دقائق
ورقة عمل بخط يد ريمان، 1859.

ظلت فرضية ريمان منذ 160 عاماً تقريباً واحدة من أشهر المسائل الرياضية العالقة التي تنتظر مَن يجد حلاً لها، وبين الحين والآخر يظهر رياضياتيٌّ جديد يقول إنه قام بإعداد برهان عملي للفرضية، ولكن لم ينجح أحد حتى الآن في صياغة حل مقبول على نطاق واسع.

لكن منافسنا الأخير ليس مجرد مبتدئ يحاول اكتساب الشهرة؛ ففي الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي، ألقى السير مايكل فرنسيس عطية -وهو عالم رياضيات متقاعد ومشهور، من الولايات المتحدة- محاضرةً في منتدى هايدلبرغ لورييت، عرض فيها بإيجاز ما ادَّعى أنه برهان لفرضية ريمان، وإذا اتَّضح من خلال التدقيق صحة العمل الذي قام به عطية، فسيكون استنتاجاً رائعاً وغير متوقع يمكِّنه من الحصول على مليون دولار من أموال الجائزة.

ولسوء الحظ، فإن هذا الأمر يمثل موضع شكٍّ كبير.

حيث تشتهر فرضية ريمان بما يمكن أن تعنيه للأعداد الأولية؛ والعدد الأولي هو كل عدد طبيعي أكبر من 1 ولا يمكن أن ينتج عن ضرب عددين طبيعيين أصغر منه، وبالتالي فهو لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو على 1، وتتضمن الأعداد الأولية أعداداً مثل 2، 3، 5، 7، 11، 13، 17 19، 23... وهكذا دواليك، وعندما تُواصل التقدم عبر سلسلة الأعداد هذه، يصبح العثور على الأعداد الطبيعية أقل ظهوراً بكثير، وبمجالات أكبر بكثير تفصل بينها.

ولسوء الحظ فإن الأعداد الأولية لا تتبع نمطاً منتظماً يسمح لك أن تكتشف العدد التالي بسهولة، وإن معرفتك بأن 23 عددٌ أوليٌّ لا تكفي لكي تنبِّئك تلقائياً بأن 29 هو عددٌ أولي أيضاً، أو بأن العدد الأولي التالي هو 31؛ إذ ليس هناك صلة واضحة تربط بين هذه الأعداد.

وقد توصَّل برنارد ريمان (عالم الرياضيات الألماني) في العام 1859 إلى "فرضية ريمان"؛ وهي تفترض أن المعادلة التي تُعرف باسم "دالَّة زيتا لريمان" يمكنها الانطلاق بدقة من عدد عُقَديٍّ معين (العدد العقدي مركَّب من عدد حقيقي، وآخر تخيُّلي) لتعطي عدداً آخر؛ حيث افترض ريمان أن الدالة زيتا يمكنها أن تنعدم (تأخذ القيمة 0) بشروط معينة فقط، كأن يتم تطبيقها على الأعداد الصحيحة الزوجية السالبة، أو على الأعداد العقدية التي يكون جزؤها الحقيقي يساوي 1\2 (0.5).

وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فمن الممكن للدالة زيتا عندئذ أن تحدِّد بشكل أساسي توزيعَ جميع الأعداد الأولية إلى ما لا نهاية، وبرغم أن هذه الدالة تبحث عن أول 10 تريليون من الأعداد الأولية إلا أن المسألة تبقى عالقة؛ حيث يتعين عليك تحديد الأعداد الأولية أولاً، ثم تعكس سرد الأمور لكي تثبت أن دالة زيتا صحيحة.

وإن التوصل إلى إثبات صحة فرضية ريمان سيكون بمنزلة الخريطة التي تقود الرياضيين إلى مدينة الإلدورادو الخاصة بعالم الرياضيات، إذا اعتبرنا أن الأعداد الأولية تمثل الذهب في حالتنا هذه.

ومن المفيد بالطبع أن تتضمن الحوافز لحل مسألة فرضية ريمان جائزة قدرها مليون دولار يتم منحها في إطار يعرف بمسائل القرن الواحد والعشرين؛ وهي مسابقة لإيجاد حل لأحد ألغاز الرياضيات السبعة الكبرى، وذلك برعاية معهد كلاي للرياضيات.

ولا يشارك الناس في هذه المسابقة بهدف التفاخر والتباهي بإنجازاتهم، ويقول عطية خلال محاضرته: "لا أحد يصدِّق أي إثبات يتم تقديمه لفرضية ريمان؛ لأنها صعبة للغاية، ولم يتمكن أحد من إثباتها، فلماذا ينبغي لأحدٍ ما أن يتمكن من إثباتها الآن؟ إلا إذا كان لديك بالطبع فكرة جديدة تماماً".

يعتمد إثبات عطية على مفهوم فيزيائي يبدو أنه غير ذي صلة؛ وهو ثابت البنية الدقيقة الذي يصف تفاعل القوى الكهرطيسية بين جسيمين، ومعنى هذا أن عطية يقدِّم حلاً لفرضية ريمان (أي أنه يُبرهنها) بالاعتماد على "التناقض"؛ وهو نوع من أساليب الإثبات ينطوي على افتراض أن المسألة التي يتم تناولها غير صحيحة، ثم تجري محاولة إثباتها من خلال إظهار أن هذه الافتراضات نفسها مستحيلة.

ويتحفَّظ العديد من علماء الرياضيات على برهان عطية، ويعود ذلك لأسباب متعددة؛ إذ ليس هناك أي خطأ جوهري في أسلوب "التناقض"، ولكنه لا يوحي بأقصى درجات الثقة.

وهناك بعض الأدلة على أن ثابت البنية الدقيقة يمكنه أن يتغير في شروط معينة، وإذا كان هذا "الثابت" غير متَّسق، فمن غير المناسب تماماً أن يتم استخدامه كجزء من البرهان، بالإضافة إلى أن مقاربة عطية تبدو كأنها تحاول أن تقرن بين أجزاء من فيزياء الجسيمات والرياضيات بطرقٍ قد لا تكون متوافقة بالضرورة، كما أن المقال الذي يتضمن برهان عطية (من 5 صفحات) يعتمد بشكل كبير على بحث نظري سبق أن أُرسل إلى دورية "وقائع الجمعية الملكية" من السلسلة A، ولكنه لم يُنشر بعد، مما يجعل من الصعب على الخبراء الآخرين أن يُجروا تقييماً له.

ويُضاف إلى ذلك حقيقة أن عطية قد قدَّم إثباتات رياضية أخرى خلال السنوات القليلة الماضية لم تتمكن من الصمود أمام المزيد من عمليات التدقيق؛ مما يثير القلق من أن برهانه الأخير بشأن فرضية ريمان هو -فقط- أحدث محاولة مضلِّلة لديه.

ويبدو أن عطية -الذي فاز بكلٍّ من ميدالية فيلدز المرموقة وجائزة آبيل- ليس مندهشاً تماماً من هذه الانتقادات؛ حيث يقول خلال محاضرته: "لقد تم إثبات صحة فرضية ريمان، إلا إذا كنت من الذين لا يؤمنون بالبراهين المبنية على التناقض"، ويضيف: "عادةً ما يقبل الناس البراهين المبنية على التناقض، لذلك أودُّ أن أدافع بالتأكيد عن وجهة نظري في استحقاقي للجائزة"، ولم يرد عطية على الطلبات التي وُجِّهت له من أجل الإدلاء بتعليقات مباشرة.

كما أن نيكولاس جاكسون (عالم الرياضيات في جامعة وارويك في المملكة المتحدة) يقول إنه "حَذِر  في الوقت الحالي"؛ نظراً لعدم خضوع عمل عطية لاستعراض صارم من الأقران حتى الآن، وعلى الرغم من اعترافه بأن عطية "رياضيٌّ بارع ومرموق للغاية"، إلا أن جاكسون يؤكِّد على أن فرضية ريمان "مسألة صعبة للغاية، وأنها بقيت عصية على الحل لأكثر من 150 عاماً، وقد اقترب عدد آخر من ألمع الرياضيين البارزين من إثباتها على مدى العقود الخمسة عشر الماضية، إلا أنهم فشلوا فقط لأن براهينهم تضمَّنت عيوباً غير ملحوظة، ولكنها كانت فادحة. وهناك قصيدة صغيرة -أو لنَقُل: حكمة شعرية- تعود لعالم الرياضيات الدنماركي بيت هاين، تقول: (المشاكل الجديرة بالهجوم تُثبت قيمتها من خلال القتال)، وهذا ينطبق بالتأكيد على فرضية ريمان".

علاوة على ذلك فإن هناك ما يجعلنا نشكِّك في أن سقف الرهانات مرتفع؛ حيث إذا كان برهان عطية صحيحاً فعلاً، فسيكون إنجازاً جديراً بالثناء، ولكن ليس بالضرورة أن يعني الشيء الكثير بالنسبة لسائر مجتمع الرياضيين؛ حيث يقول كينيث ريبت (عالم الرياضيات في جامعة كاليفورنيا في بيركلي): "إن فرضية ريمان بحد ذاتها -كما أشار الكثير من الأشخاص- ليس لها نتائج مذهلة".

ومع ذلك فهناك عدد من أنظة التشفير الحديثة تستخدم توزيعات الأعداد الأولية لتأمين اتصالات الإنترنت، ولكن إيجاد حل للفرضية يمثِّل أكثر من مجرد هاجس يخصُّ مجال الرياضيات دوناً عن أي مجال آخر.

يقول جاكسون: "لا نعرف في الوقت الحالي ما يكفي من التفاصيل حقيقةً عن عمل عطية حتى نتخذ قراراً مدروساً بحق؛ لذا أعتقد أن من الطبيعي أن نتخذ موقفاً متشككاً كخطوة مبدئية، فالرياضيات تعتمد بشكل كُلِّي على البراهين الصارمة والرسمية، وكل خطوة يتم اتخاذها أثناء طرح الحجة يجب أن تكون آمنة وسليمة ومتينة، وإلا فسينهار كل شيء".

المحتوى محمي