هل كنت تعلم أن “الصِفر” لم يكن موجوداً قبل 1500 عام؟

2 دقائق
البدء من الصفر.

لم يكن هناك شيء قبل أن يتواجد الصفر. ويبدو من المستحيل أن تتخيل الحياة من دون الصفر المتواجد حالياً في كل مكان. فهو الرمز الذي يمنع حدوث المشاكل في الرياضيات والعلوم والإنترنت، ولكنه لم يكن موجوداً منذ الأزل.

تعدّ المحاسبة مهنة قديمة. فالحضارة السومرية -وهي أقدم حضارة معروفة في بلاد الرافدين- كان لديها نظام ترقيم موضعي، ولذلك لم تكن هناك حاجة للأصفار. ولكن كان لدى إمبراطورية بابل اللاحقة مطالب مختلفة، حيث اعتمد حساب الأرقام فيها على اثنين من الأوتاد الفارغة لتمثيل رقم مثل 507. وفي أنحاء مختلفة من العالم، جاءت حضارة المايا بحلّها الخاص لمشكلة مماثلة، حيث وضعت قوقعة في المكان الذي يضع فيه علماء الرياضيات الحديثة الرقم صفر. ويجادل بعض الخبراء بأن هذه الأوتاد هي أساس الصفر، ولكن معظم الأكاديميين يعزون اختراع الصفر كرقم -وليس كجسم دافئ بل كرمز قائم بحدّ ذاته ويمكن استخدامه في المعادلات- إلى الهند.

في وقت ما من عام 400، كان تجار طريق الحرير يُجدْوِلون مجموع التوابل المباعة أو البسط المنسوجة التي تم شراؤها بمساعدة مخطوطة باخشالي. وتبدو هذه الوثيقة المهترئة -التي اكتشفها أحد المزارعين في عام 1881 في حقل في البلد الذي يُعرف الآن باسم باكستان- وكأنها جزء من الواجبات المنزلية الرياضية القديمة. ولكن العلماء في جامعة أكسفورد يعتقدون بأنها أقدم دليل معروف على اختراع الصفر، والمتمثّل في المخطوطة بنقطة ممتلئة.

تستخدم ورقة باخشالي -التي كتبت باللغة السنسكريتية القديمة- النقطة كفاصل بين العنصر النائب والرقم. وأشارت صحيفة الغارديان في عام 2017 إلى "أنها تمثّل مشكلة جوابها هو الصفر، لكن الإجابة تُركت هنا فارغة". وكما تساعدنا "الروابط المفقودة" على فهم تطور الأنواع الجديدة، يرى المؤرخون ورقة باخشالي كدليل أساسي في فهم تطور فكرة جديدة. وبحلول عام 628، عندما كان عالم الفلك الهندوسي براهماجوبتا يجدّ في العمل، كان العلماء الهنود يستعملون الصفر المنقّط كرقم كامل ويتعاملون معه بشكل بديهي.

ومن الهند، انتشر الصفر بشكل مرحّب به عند بعض الجماعات وبشكل غير مرغوب عند أخرى. وقد تم تبنّيه في العالم العربي بأقصى سرعة. ففي القرن التاسع، استخدم عالم الرياضيات الفارسي محمد بن موسى الخوارزمي رقم "الصفر" (والذي يعني فارغ) لاختراع علم الجبرفلماذا استغرق هذا الأمر وقتاً طويلاً؟ بسبب الخوف، أو على الأقل هذا ما يعتقده العديد من الخبراء.

كتب عالم الرياضيات مانيل سوري في مقالة افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز عام 2017: "يدّعي البعض بأن اليونانيين هم من فكّروا في [الصفر]، ولكن مفهوم الفراغ كان مخيفاً للغاية في إطارهم الأرسطي، مما أدى إلى تجاهل الأمر". وبالمقارنة، قال عالم الرياضيات في جامعة أكسفورد ماركوس دو سوتوي لصحيفة الغارديان بأن الثقافة الهندية "سعيدة جداً لإدراكها الفراغ وإدراكها اللانهاية".

إذا وضعنا التعميمات الثقافية جانباً، فهناك ما يدعم هذا الادّعاء. فعندما واجه المسيحيون في العصور الوسطى الصفر، فقد قرروا بأنه شيطاني -حيث جادلوا بشكل غير منطقي بأن هذا الرقم هو ضد الرب- ومنعوا استخدامه. واستمر التجار -الذين لم يعد بإمكانهم الاستغناء عن شيء لم يكن موجوداً قبل بضع مئات من السنين- باستخدام الصفر سراً، وكتابة مستنداتهم بشكل مشفّر.

وبالطبع، انصاع العالم الغربي بأكمله للفكرة في النهاية. ففي القرن السابع عشر، قدّم الصفر الكثير من الخدمة لإسحاق نيوتن عندما طوّر حساب التفاضل والتكامل. كما أن تعديل القرن العشرين للحساب الثنائي إلى شفرة ثنائية يدين للصفر بـ 50% تماماً من نجاحه، أما النصف الآخر فيعود للرقم 1. لقد استغرق الأمر ألف سنة -أي ثلاثة أصفار- ولكن هذا العدد قد نجح أخيراً في إقناعنا جميعاً.

المحتوى محمي