ميجابكسلز: فراشاتٌ بأجنحة شفافة تحمل سُمّاً زُعافاً

2 دقائق
صورة فراشة الجناح الزجاجي الحائزة على المركز الأول في مسابقة BMC حقوق الصورة: ماريان إلياس

ليس العثور على فراشات الجناح الزجاجي صعباً، كل ما تحتاجه هو الصعود إلى أعالي جبال الإكوادور بارتفاع يتجاوز 1800 متر! هكذا وصفَت  "ماريان إلياس" – خبيرة التنوع الحيوي بمتحف التاريخ الطبيعي في باريس – موطن هذه الفراشات شفَّافة الأجنحة من فصيلة الحورائيات، التي تتنقَّل برهافة الحوريات بين أغصان الغابات الاستوائية الكثيفة. لكن هذه الرقة البادية تُخفي أسراراً مريرة وراء تلك الأجنحة التي تبدو كأنَّها صُنعَت من زُجاج.

تقول “إلياس”: "هذه فراشات سامة! فبدلاً من الشعيرات الدقيقة الملونة التي تُكسِب أجنحة الفراشات تكويناتها اللونية البديعة، تمتلئ أجنحة هذه الفراشات الشفافة بأشباه القلويَّات السامة، المعروفة بطعمها المُر القابِض، الذي يجعل المُفترِسات المحتمَلة – من حشرات أو طيور أو قرود حتى – تفكر ألف مرة قبل التهوُّر بمهاجمة فراشات الجناح الزجاجي".

التقطَت عدسة "إلياس" الصورة أعلى المقال، وهي لفراشة من نوع "هايبومينيتيس إنيجما Hypomenitis enigma" خلال رحلتها البحثية إلى الساحل الغربي لأمريكا الجنوبية لدراسة الفراشات في بيئاتها الطبيعية، والتي نَشرَت بعدها – مع فريق من زملائها – دراسةً في دورية علم البيئة الوظيفي. وقد حازت الصورة على المركز الأول في مسابقة التصوير التي تُجريها دورية بي إم سي إيكولوجي. تقول "إلياس" إن التقاط هذه الصورة لم يكن مهمة صعبة، فهذا النوع من الفراشات منتشرٌ هناك، وكثيراً ما يُرَى مُحلِّقاً في الجوار، لكن الصعوبة الحقيقية تكمُن في فك شفرة اللغز البيولوجي – والمقطع اللاتيني الثاني من اسم الفراشة يعني "اللغز" بالمناسبة – المحجوب وراء شفافية تلك الأجنحة القاتلة.

يكمن سر هذه الشفافية في شكل حراشف الأجنحة، التي تعمل هنا كمضادات للانعكاس، سامحةً للمزيد من الضوء بالنفاذ عبر الجناح. أما الحواف الملونة للأجنحة فقد كان خبراء التطوُّر يفترضون أن جميع أنواع فراشات الجناح الزجاجي يجب أن تُطوِّر تشكيلات لونية متماثلة لإيصال الرسالة نفسها للمُفترِسات المُحتمَلة، وهي أن "هذا التكوين اللوني مُرٌّ، وقاتل". لكن في الواقع، تمتلك كل مجموعة من فراشات الجناح الزجاجي ألوانها الخاصة؛ فالبعض له حوافٌ بُنيَّة تؤطِّر الأجنحة الشفافة، والبعض يمتلك حوافاً بيضاء وسوداء، وهناك أيضاً حوافٌ حمراء أو برتقالية.

وبالملاحظة الدقيقة بدأ فريق البحث في تكوين فرضية مفسِّرة. تقول "إلياس": "هناك فُرُوق بيئية نوعية بين مجموعات أنواع فراشات الجناح الزجاجي؛ فبعضها يحيا في ظلال الأشجار، وبعضها يقطن تخوم الغابات، بينما يعيش البعض في المساحات المفتوحة. وإذا كانت مُفترِسات تلك البيئات تتنوَّع، فلِم لا تتنوع معها التكوينات اللونية فوق أجنحة الفراشات؟". بالطبع يحتاج إثبات هذه الفرضية إلى تصميم وتنفيذ العديد من التجارب البحثية، لكنها في كل حال تستند إلى أفكارِ دراسات أُجريت بالفعل عن تكيف بعض أنواع المخلوقات وملائمتها مع بيئاتها.

هناك لغز آخر لا يقل إثارةً للحيرة، وهو أسلحة الدفاع لدى هذه الفراشات. تقول “إلياس”: "تمتلك أنواع الكائنات السامة في العادة تكوينات لونية تحذيرية سافرة وصارخة"، فالضفادع السامة مثلاً تصطبغ جلودها بالكامل بالأصفر الفاقع أو بالأحمر القاني. أما الكائنات شفافة الأجسام فتعتمد غالباً في دفاعها بشكل أساسي على التخفِّي والتماهي في البيئة المحيطة. لكن يبدو أن فراشات الجناح الزجاجي تعتمد على الأسلوبين معاً، فيما يشبه ارتداء "طاقية إخفاء" بحافةٍ بَرَّاقة الألوان!

يمتلك الفريق البحثي فرضية أخرى حول هذا اللغز، حيث تشير "إلياس" إلى أن شفافية الفراشات الجزئية تحميها من رصد أعين الكثير من المفترسات، بينما تقوم الحواف بتشكيلاتها اللونية المميزة بتحذير كل من اقترب أو حاول الهجوم عليها، مما يجعلنا في النهاية نعتقد أن هذه الفراشات تجيد استخدام السلاحين معاً.

المحتوى محمي