تتعدد أمثلة ما يُعرف بظاهرة الأنواع المُغِيرة، من أسماك الأسد (أو التنين) التي تجتاح السواحل الشرقية للقارة الأميركية وتهدد ثروتها السمكية، إلى نباتات الكشت المتسلقة التي غَزَت غابات الجنوب وخنقَت الحياة النباتية تحت ظلالها، إلى علاجيم القصب التي جلبها الأستراليون للقضاء على آفات محاصيل القصب فصارت هي الأخرى آفةً خطيرة. لكن إن أردنا الإشارة إلى النوع المُغير الأكثر فتكاً على الأرض فسنحتاج إلى الاستعانة بمجهرٍ، لنرى ذلك النوع من الفطريات الأصيصية المسماة بفطر الكِيتريد، فقد قامت دراسة نُشرَت مؤخراً في دورية "ساينس"، بإحصاء ضحايا هذا الفطر القاتل حول العالم.
يقول "بِن شيل" خبير علم البيئة التطبيقي بالجامعة الأسترالية الوطنية والباحث الأساسي بالدراسة: "يعرف الجميع أن الكيتريدية الفطرية داءٌ يفتك بالبرمائيات، لكن لم نكن نعرف أعداد قتلاه على وجه الدقة. وما قمنا به في دراستنا هو الإلمام بحجم الكارثة من ناحية الأعداد والأمكنة والأزمنة".
وفقاً لدراسة نُشرت العام الماضي، فقد ظهر فطر الكيتريد البرمائي (اسمه العلمي ب. دِندروباتيديس) لأول مرة في شبه الجزيرة الكورية، ومنها غزا العالم بالتدريج في أوائل القرن العشرين عبر التجارة العالمية للحيوانات الأليفة، حيث استطاع التسلل من خلال الانتقال عبر الضفادع المريضة على متن السفن العابرة بين البلاد.
تمتاز البرمئيات بامتلاك جلود رقيقة رطبة، تتنفس وتمتص الماء عبرها، كما يدخل الكيراتين -البروتين ذاته المتواجد بالشعر والأظافر- في تكوينها. يلتهم فطر الكيتريد هذا البروتين، لذا يظل في احتياجٍ دائم إلى جلود ضحاياه، مما يجعله يقضي على نظام انتقال الإلكتروليتات عبر الجلد الذي يحافظ على وظائف أعضاء البرمائيات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وفاة ضحاياه مثل الضفادع، العلجوم، أو السمندل بأزماتٍ قلبية. وبالرغم من أن فِطر الكيتريد لم يكن معروفاً حتى عام 1998، إلا أن ضحاياه تتساقط منذ سبيعينات القرن الماضي، وفي عام 2007 نَسَبَ بعض العلماء الكثير من الوفيات الغامضة السابقة إلى الفطر، كما قدَّروا أنه أصاب ما يقرب من مئتي نوع من الضفادع.
استعانت الدراسة بخبراء وقواعد بيانات من مختلف أرجاء العالم، من أجل رسم أدق خارطة ممكنة لآثار فطر الكيتريد. تقول "لويز رولنز-سميث" أستاذة علم الأمراض والمناعة بجامعة فندربيلت، والتي لم تشارك في الدراسة: "هذا العمل هو أدق وأشمل دراسة تكشف عن أسرار الانقراضات المؤسفة التي تشهدها صفوف البرمائيات حالياً حول العالم".
تشير الدراسة إلى أن فطر الكيتريد اجتاح 501 نوعاً مختلفاً من البرمائيات في أرجاء الأرض، منها 90 في عداد الأنواع المنقرضة اليوم، وتركزت الإصابات تحديداً في أميركا الوسطى والجنوبية وأستراليا. كما نصَّت الدراسة على أن هذه هي "أكبر خسارة موثقة في التنوع الحيوي تُنسَب لكائن واحد، وهو ما يضع فطر الكيتريد على رأس قائمة الأنواع المُغيرة الأكثر فتكاً".
بالمقارنة مع القطط التي تهدد 430 نوعاً بالانقراض (معظمها من الطيور والثدييات الصغيرة)، والقوارض المُغِيرة التي تهدد 420 نوعاً، فتهديدات فطر الكيتريد أكثر فداحةً، فهو أيضاً يتجاوز في الخطورة العديد من الأمراض التي تفتك بالحياة البرية، مثل فيروس غرب النيل في الطيور، ومتلازمة الأنف الأبيض في الوطاويط.
بلغَت شراسة الفطر حدودها القصوى في الثمانينيات، إلا أن هناك تناقص في نسبة أنواع البرمائيات المصابة التي تُقدر بحوالي 39 بالمئة، وبالرغم من هذا، فإن الفطر ما زال يشكل تهديداً عالمياً على الأخص عند احتياج منطقة جديدة.
وقد نجح فريق الدراسة في استخدام البيانات التي تم جمعها من أنحاء العالم لتحديد الظروف البيئية التي تُساعد فطر الكيتريد على الانتشار، وتلك التي تحد منه. استنتجت الدراسة أن الفطر يزدهر في المناطق الرطبة الباردة مثل مواطن العلاجيم المزركشة التي تقطن المناطق المرتفعة من أمريكا الوسطى والجنوبية، والتي يحصد الانقراض أنواعها المختلفة يوماً بعد يوم. يقول "شيل": "تلك واحدة من النتائج المؤسفة التي توصلنا إليها. هذا الجنس الرائع الجذاب من العلاجيم يتعرض بالكامل لمطاردة بلا هوادة من فطر الكيتريد".
تشهد نسبة 12% من الأنواع التي يهددها الفطر بعض التحسُّن. ففي منتزه يوسيميتي الوطني مثلاً، عاد ضفدع سييرا نيفادا أصفر الأقدام إلى التعافي والتكاثر في البحيرات هناك. يأمل العلماء في رؤية مثل هذا التعافي على نطاقٍ أوسع، رغم أننا لم نكتشف بعد علاجاً للبرمائيات المصابة، أو طريقةً للقضاء على الفطر. كما أننا نجهل أيضاً إلى أية فترات تستطيع فطريات الكيتريد البقاء في المياه إذا خلَت من الضفادع.
يدعو الباحثون إلى اتخاذ كل ما يلزم للحد من انتشار الفطر، مثل سن وتطبيق المزيد من القوانين المنظمة لتجارة الحيوانات حول العالم. يقول "شيل": "نأمل في رفع درجة الوعي العالمي بالتهديدات الخطيرة المحدقة بالتنوع الحيوي والحياة البرية. وفي عالمنا اليوم - الذي يشهد حركات تنقلات لكائنات حية حول الأرض بمعدلات غير مسبوقة – نحتاج بشدة إلى التفكير بشأن معايير السلامة الحيوية، والمخاطر الكبيرة التي قد تسببها كائنات متناهية في الصغر، والتي نصطحبها معنا أثناء السفر دون أن نراها".