حتى يومنا هذا، فشلت كافة الدول تقريباً في تحقيق التوازن الصحيح للعناصر الغذائية في مختلف الوجبات، سواءً كان ذلك بسبب تعلق مواطنيها بالوجبات الجاهزة من اللحوم المعالجة والمشروبات الغازية، أو بسبب صعوبة توفير البقوليات والحبوب الكاملة المغذية بشكلٍ وافٍ ومتاح في متناول يد كل مواطن. وبالطبع لا يمكننا ضبط النظام الغذائي لكل شخص على الكوكب.
مؤخراً كشف تقرير صادر عن دراسة حديثة حول المعدلات العالمية للأمراض، عن أن الوجبات الغذائية غير الصحية هي المسؤولة عن 11 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم، وبهذا يمكن تصنيفها كأحد أكثر العوامل خطورة بما في ذلك التدخين.
قامت الدراسة بتحليل البيانات الغذائية في 195 دولة، وذلك في محاولة للتحقق من الأطعمة أو العناصر الغذائية المسؤولة عن معظم الوفيات. وقد أظهرت النتائج أن كلاً من التركيزات العالية من الصوديوم والحبوب غير الكاملة، تمثل في الواقع أحد أهم العوامل المسببة للموت حول العالم، حيث أودت بحياة 3 ملايين شخص في عام 2017، هذا بالإضافة إلى 2 مليون حالة وفاة نتيجة الحصة الضئيلة من الفاكهة في الأنظمة الغذائية للحالات المرصودة. وبالطبع يختلف معدل الوفيات وكذلك العوامل الغذائية ذات التأثير الأكبر باختلاف المنطقة الجغرافية المدروسة.
قبل استعراض الرسوم البيانية التي أوردها التقرير، لا بد من ذكر بعض الملاحظات الهامة:
أولاً، إن تقدير عدد الوفيات الناجم عن أي عامل خطر معين يعد تحدياً بحد ذاته، حيث لن يتمكن الباحثون من النظر في حالة وفاة فردية، وتحديد خيارات نمط الحياة التي أدت إلى حدوث الوفاة. فعلى سبيل المثال، قد نعرف أن شخصاً مات بسبب مرض القلب، وربما نعرف كل شيء عن نظامه الغذائي وخيارات أسلوب حياته، ولكن هل كان مريض سكر مثلاً أو هل كان يقوم بالتمارين الرياضية بشكل منتظم أم كان مهملاً لها، أم هل هي شريحة اللحم المشبعة بالدهون تلك التي أثرت على قلبه وتدهورت صحته على إثرها، وانتهى الأمر بوفاته. للأسف لا أحد يستطيع أن يعرف حقيقة الأمر.
بدلاً من ذلك، يستخدم الإحصائيون نماذج معينة، لتحديد مقدار الخطر الإضافي الناتج عن تناول الكثير من الملح، أو عدم تناول الحبوب الكاملة بمقدارٍ كافٍ. ثم يتم تطبيق تلك المخاطر الإضافية على حالات الوفيات المسجلة تحت بند الأمراض التي قد تحدث نتيجة لتلك الخيارات الغذائية السيئة.
ثانياً، إن كنت تتبع بالفعل نظاماً غذائياً ممتازاً، فهذا لا يعني بالضرورة أن تكون سلوكياتك الأخرى صحية بالفعل. فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تأكل كل الألياف التي تريدها، لكن التدخين والجلوس طوال اليوم سيؤثران على جسمك تأثيراَ سلبياً في النهاية.
أخيراً، عندما يتعلق الأمر بالتغذية ومخاطر نقصها، لن يكون سبب الوفاة مرتبطاً بعامل واحد فقط، بل سيتعلق بنوع العادات التي تمارسها على المدى الطويل. على سبيل المثال، تناول شريحة واحدة من كعكة الليمون، لن يختلف من حيث الضرر عن روتينك اليومي الذي تتناول فيه سلطة الكينو، فمع وجود كل منهما يمكن أن تصاب بنوبة قلبية. وبهذا تؤمن الدراسات الحديثة أنه فيما إذا كان الاستهلاك الروتيني المنتظم لشيء ما (أو الافتقار الروتيني المنتظم له) قد يجعلك أكثر عرضة للموت قبل غيرك، فإنه يتساوى من حيث الخطورة مع كافة العوامل الضارة الأخرى.
الآن لنلقي نظرة على الانفوجرافيك الذي يلخص نتائج الدراسة:
لا تقتصر أسباب معدلات الوفيات على الحميات الغذائية فقط، ففي البلدان التي يتمتع مواطنوها برعاية صحية متاحة على نطاق واسع، قد تكون معدلات الوفيات بالسرطان وأمراض القلب والسكري مماثلة لتلك الناتجة عن الحمية الغذائية، إلا أن المجموع الإجمالي من الوفيات الناتجة عن تلك العوامل مجتمعة سيكون بالطبع أقل من غيرها من البلدان التي لا تملك نفس نظام الرعاية الصحية.
تشير الدراسة أيضاً إلى الفشل التاريخي الذي واجهته التدخلات الدولية في سعيها لتغيير الوجبات الغذائية عند مواطنيها. حيث نفتقر إلى وجود دليل واضح عن أفضل الأساليب التي يمكن أن تستخدمها الدول في حملاتها، كما لا يوجد مؤشر عن فاعلية تلك الأساليب أيضاً.
يشير الباحثون إلى أن الدول قد وجهت الكثير من الجهد لتغيير عادات المستهلكين، بدلاً من إجبار صناعات الأغذية على تغيير سياساتها ومنتجاتها على حدٍ سواء. بكلمات أخرى، يمكن أن تكون للحملات التوعوية التي تستهدف الناس العاديين حول العادات الغذائية الصحية دوراً هاماً ومميزاً، كأن نخبرهم بضرورة تناول كميات أقل من اللحم البقري، أو ضرورة زيادة حصة الخضراوات الطازجة في وجباتهم اليومية. لكن لن تحقق تلك الحملات التوعوية المهمة المنوطة بها، في حال عدم قدرة الأشخاص على الوصول إلى تلك الخيارات الغذائية الموصى بها - سواء بسبب نقصها أو لأن هذه الخيارات الصحية باهظة الثمن.
بغض النظر عن مدى سوء نظامك الغذائي، فمن المرجح أنك ستعيش لفترة أطول في البلدان ذات المؤشر العالي للكثافة السكانية والديموغرافية.
ختاماً، يمكننا استنتاج شيء واحد بوضوح، وهو أن كل نظام غذائي حول العالم نحتاج إلى تغييره بطريقة ما. وعلى الرغم من التحديات الكثيرة في دراسة التغذية، إلا أننا نعرف بالفعل ما هي مكونات النظام الغذائي الصحي الذي يتضمن القليل من اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة، وعوضاً عنها لا بد من مزيدٍ من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة.