فوجئ العالم بأخبار حريق كاتدرائية نوتردام، حيث اندلعت منها النيران بصورة مخيفة في الخامس عشر من إبريل/نيسان 2019. ومع ازدياد التساؤلات عن أسباب الحريق وما الذي سيحل بالكاتدرائية، أعلن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» عبر حسابه الرسمي على تويتر عن البدء فوراً في إعادة ترميم الكاتدرائية بتعاون الجميع وبكل الوسائل الممكنة.
تكمن المشكلة في عدم توفر أي مخططات تاريخية لبناء الكاتدرائية، إلا أن هناك طريقتين يمكن استخدامهما، الأولى من خلال تقنية علمية تعتمد على الليزر، والأخرى بمساعدة لعبة فيديو شهيرة.
الليزر يحل لغز المخططات غير الموجودة
تعتبر كاتدرائية نوتردام واحدة من أقدم المعالم التاريخية في فرنسا، ودائماً ما حملت لغزاً لكل الفنانين التاريخين. فلم يعرف أحدٌ المهندس الذي قام ببنائها، ولم يجد أي شخص مخطوطات هندسية لتفاصيل البناء نفسه، حتى العام 2015 حين قام المؤرخ الفني «أندرو تالون» بحل هذا اللغز باستخدام إحدى التقنيات الحديثة وهي الماسحات الليزرية.
تقوم آلية تالون على تصوير المبنى باستخدام أشعة الليزر، فإذا ما وجهت شعاع ليزر على سطحٍ ما، ستجد أنه يمر من فوقه ويأخذ نفس شكل الجدار أو السطح الساقط عليه.
يضع تالون جهاز الليزر على حامل ثلاثي الأرجل وسط الحجرة المراد تصويرها، ثم يبدأ بتشغيل الجهاز. يخرج شعاع الليزر ويسقط على الجدران، ويستمر الجهاز في الدوران في كل أرجاء الحجرة ليحصل في النهاية على صورة كاملة لها.
يعالج الجهاز الصورة المأخوذة في شكل نقاط صغيرة باللون الأحمر بجانب بعضها البعض مثل البيكسلات الصغيرة التي تراها عند تكبير أي صورة على هاتفك. وحتى يحصل تالون على صورة أكثر تفصيلاً، قام بالتقاط صورة بانورامية بكاميرا فوتوغرافية لكل مكان يصوره جهاز الليزر، ثم دمج نفس الصور مع مخرجات آلة المسح الليزرية، مما جعل كل نقطة صغيرة حمراء تتلون بلونها الأصلي كما هي الكاتدرائية فعلاً.
تصل دقة هذه التقنية إلى حوالي 5 مليمتر من التصوير حسب وصف تالون، وهي دقة عالية جداً، كما أن كل الأدوات التي استخدمت قبلها كانت بدائية ويدوية، وعادة ما تخطئ كثيراً ولا تؤدي المهمة المطلوبة. تم تصوير 50 مكاناً داخل وخارج الكاتدرائية تعدت ما يقرب من المليار نقطة بيانات، وأسفرت في النهاية عن تكوين صورة ثلاثية الأبعاد دقيقة التفاصيل لكامل الكاتدرائية.
لعبة فيديو تساعد في إعادة بناء الكاتدرائية المحترقة
لا يوجد مصدر آخر دقيق لبناء الكاتدرائية بجانب تصميمات تالون سوى تصميمات واحدة من ألعاب الفيديو الشهيرة وهي «أسييسانس كريد - Assassin's Creed» نسخة «يونيتي - Unity» المنتجة من شركة «يوبي سوفت».
تم إطلاق هذه النسخة من اللعبة عام 2014، وهي تصف فترة الثورة الفرنسية حيث كانت الكاتدرائية من أهم معالمها. تقول «كارولين موسيس» فنانة المستوى داخل شركة «يوبي سوفت»: أن تصميم الكاتدرائية في اللعبة استغرق عامين كاملين، لتحويل الصور الفوتوغرافية إلى هذه الكيفية التي تبدو عليها بشكلٍ شبه حقيقي في إطار اللعبة، حيث أن جزءاً كبيراً من الأحداث يدور داخل ذلك المبنى العريق. ونظراً لكونها المصدر الثاني الثلاثي الأبعاد للكاتدرائية بتفاصيلها، فقد عرضت الشركة أن تقدم نماذجها ليتم استخدامها في عملية إعادة الترميم.
يبدو أن العلم يحمل لنا دائماً في جعبته الكثير، فحتى الأشياء التي صنعت لغرض الترفيه، أصبحت اليوم ذات أهمية قصوى لحدث ضخم مثل الذي مرت به كاتدرائية نوتردام. كما يزداد إيماننا يوماً بعد يوم بكل ابتكار علمي جديد، ويعطينا الأمل في حل العديد من المشكلات التي تواجهنا الآن أو التي قد تقابلنا في المستقبل، حتى وإن كان هذا الابتكار مجرد لعبة فيديو.