إنه ابن سوريا الذي استطاع بواسطة اختراعاته حول مادة الجرافين الفوز بجائزة ملك السويد «كارل جوستاف» السادس عشر للعلوم والتكنولوجيا للعام 2019، وهي حلقة في سلسلة من الجوائز العديدة التي حازها.
بدأ «مأمون خالد طاهر» مسيرته الدراسية بالتخرج في كلية هندسة علوم المواد بجامعة حلب عام 2007، ثم حصوله على درجة الماجستير في الهندسة الطبية الحيوية من الجامعة ذاتها عام 2009، وحصل بعدها على منحة «إيراسموس موندوس» الأوروبية لدراسة الماجستير في علوم المواد الهندسية المتقدمة في جامعتي «سارلاند» في ألمانيا، وجامعة «لوليو» التقنية في السويد.
لذا قمنا في بوبيولار ساينس العلوم للعموم بإجراء هذا الحوار معه لنتعرف أكثر على رحلته البحثية بدءاً من جامعة حلب، وصولًا لإنجازاته في البحث العلمي والحصول على الجائزة.
في البداية، حدّثنا عن الجائزة وأهميتها؟
جائزة الملك السويد «كارل جوستاف» السادس عشر للعلوم والتكنولوجيا، هي جائزة ومنحة تقدم من قِبل الملك، وتمنح سنوياً لباحثين في مجالات مختلفة. يتم ترشيح المئات لهذه الجائزة سنوياً، ثم تختار لجنة تحكيم خاصة الفائزين، وتصدر النتائج في يوم عيد ميلاد الملك في الثلاثين من شهر أبريل/نيسان. حصلت على هذه الجائزة لعام 2019 في مجال العلوم والتكنولوجيا مباشرة من الملك في القصر الملكي بالعاصمة السويدية ستوكهولم، عن اختراعي لمادة «أروس جرافين».
لماذا يحظى الجرافين بهذا الاهتمام؟
الجرافين مادة كربونية ثنائية الأبعاد، سماكتها هي ذرة الكربون، وتمتاز بخصائص هندسية فريدة، مثل متانتها الميكانيكية العالية، وناقليتها الكهربائية والحرارية العاليتين، إضافة إلى كبر مساحتها السطحية وخفة وزنها. عُزلت هذه المادة لأول مرة في عام 2004 من قبل الباحثين في جامعة مانشستر البريطانية، ومن ثم حصل هذان الباحثان على جائزة نوبل للفيزياء عام 2010.
كيف بدأت الرحلة برفقة الجرافين؟
جذبت هذه المادة اهتماماً عالمياً، وجرت العديد من المحاولات لإدخالها في تطبيقات صناعية مختلفة. فبدأ آلاف الباحثين حول العالم دراستها وتطويرها، وكنت ضمن هؤلاء الباحثين. ففي عام 2015، وبعد حصولي على درجة الدكتوراه في الهندسة الكيميائية من جامعة لوليو التقنية في السويد؛ حصلت على منحة زمالة «بوست دكتور» في معهد أنجستروم في جامعة أوبسالا السويدية، ومركز أبحاث شركة ABB السويسرية-السويدية الرائدة في مجال الطاقة والتحكم الآلي.
ما المشاكل والتحديات التي واجهتك خلال رحلتك البحثية؟
كانت أبحاثي مركزة على تطوير منتجات تحتوي على مادة الجرافين. المشكلة البحثية التي واجهتني هي نقل الجرافين من المختبر إلى مقاييس صناعية أكبر. ففي ذلك الحين كان الكثير من الباحثين والشركات يواجهون صعوبات لإنتاج الجرافين بكميات كبيرة، ومن ثم الحفاظ على خصائصها بعد تطبيقها في الصناعة، وهذا التحدي واجهته بنفسي. فجميع محاولات تصنيع منتج صناعي يحتوي على الجرافين باءت بالفشل.
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2086639328023309&set=ecnf.100000317863107&type=3&theater
كيف ظهرت «أروس جرافين» للنور لأول مرة؟
بدأت بتحليل أسباب الفشل، فكان الالتصاق بين شرائح الجرافين هو المسبب الرئيسي لتدهور وخسارة خصائص الجرافين الفريدة. فهذا الالتصاق يجعل المادة تبدو وكأنها جرافيت (شكل من أشكال المواد)، فبدأت بحل المشكلة من خلال فهمها ومعالجة السبب الفيزيائي لها.
بدأت أفكر بإعادة هندسة الجزيئات لمنع الالتصاق بين جزيئات الجرافين، وكانت النتيجة هي إدخال جزيئات كيميائية بين شرائح الجرافين، دون أن تتأثر الخصائص الفيزيوكيميائية لشرائح الجرافين.
فقمت بتصميم وتصنيع ومحاولة عدة مركبات كيميائية إلى أن توصلت إلى مركبات أيونية تستطيع أن تؤدي مهمة الفصل تلك. وهنا كانت البداية. وبعد العديد من التجارب المخبرية وإثبات النظرية؛ تلقيت الدعم من مركز جامعة أوبسالا للأبحاث لتسجيل براءة اختراع على هذه المادة الجديدة، التي أسميتها لاحقاً «أروس جرافين». ففي الجامعات السويدية الباحث هو من يمتلك النتائج البحثية، وليست الجامعة، بل تقوم الجامعة بتقديم الدعم للباحثين لتسجيل براءات الإختراع بأسمائهم.
كلمة أروس مشتقة من اسم فايكنج قديم لمدينتي أوبسالا «Östra Aros»، وفيستروس «Västra «Aros اللتين أجريت أبحاثي فيهما. فمادة أروس جرافين هي مادة هجينة تحتوي على الجرافين وفواصل بين الشرائح تمنعها من الالتصاق، وبالتالي يمكن إنتاجها بكميات كبيرة مع الحفاظ على الخصائص الفريدة للجرافين.
وُصف اختراعك بالمادة العجيبة وبأنك استطعت حل ما عجز العلماء عن حله لعقود، بماذا تشعر حيال ذلك؟
شعور يصعب وصفه بأنني قدمت إضافة ملموسة لمجال الأبحاث التي أعمل بها. فتمكين هذه المادة، وإخراجها من المختبرات ونقلها للثورة الصناعية، التي كانت متوقعة لها منذ أكثر من 8 سنوات شيء يدعو للسعادة والفخر. فكلما أرى تقدماً صناعياً بسبب اختراعي؛ أشعر بأنني جزء من ذلك التقدم. كما أنه شعور بالمسؤولية للاستمرار بتطوير مواد أخرى ومنتجات تحتوي على هذه المادة، وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية.
لماذا قررت دراسة إدارة الأعمال؟
بدأت بدراسة إدارة الأعمال بعد حصولي على درجة الدكتوراه لتعلم المبادئ الأساسية لريادة الأعمال والتجارة؛ بدافع تطوير نفسي في اتجاهات مختلفة إضافة للاتجاه الأكاديمي والبحثي. فريادة الأعمال شيء أحببته ومارسته على مقياس ضيق خلال مراحل حياتي المختلفة.
حدثنا عن شركتك GRAPHMATECH، ولماذا قررت إنشائها؟
بعد اختراعي لمادة أروس جرافين، ومعرفتي الجيدة بالحاجة الصناعية لما قمت به، وشغفي بريادة الأعمال، قررت أن أعيش مغامرة جديدة في الحياة، وتسويق ما قمت باختراعه، من خلال تأسيس شركة ناشئة تنتج وتسوّق المادة التي اخترعتها، ومنتجات صناعية تحتوي عليها.
قمت بتأسيس شركة Graphmatech في شهر أغسطس/آب لعام 2017، بدعمٍ من مركز الإبداع في جامعة أوبسالا، والمركز الأوروبي للإبداع. بعد ذلك بفترة وجيزة حصلنا على العديد من المشروعات الصناعية مع شركات سويدية وأوروبية مهتمة بما نقوم به في Graphmatech، كما أننا حصلنا على اهتمام مستثمرين كثيرين حول العالم، من ضمنهم شركة ABB الصناعية العملاقة، والتي هي حالياً أحد المستثمرين لدينا.
https://www.facebook.com/graphmatech/photos/a.158088514832966/365454997429649/?type=3&theater
منذ البداية كانت مسيرة الشركة مميزة فحصلنا على العديد من الجوائز الإقليمية والدولية. على سبيل المثال لا الحصر، فازت Graphmatech بجائزة أفضل شركة في مجال النانوتكنولوجي لعام 2018 في الدول الإسكندنافية، وكذلك جائزة أفضل فكرة إبداعية في مؤتمر هانوفر الصناعي في ألمانيا لعام 2019.
ما نقوم به في Graphmatech هو تأسيس شركة صناعية ذات اسم عالمي في مجال تكنولوجيا الجرافين، من خلال فريق عمل متميز يمتلك أفكار إبداعية للعمل على حل مشاكل الشركات الصناعية الأخرى. فرؤيتنا بحلول عام 2020 هو أن نكون من الرائدين على مستوى العالم في تكنولوجيا الجرافين.
في رأيك ما المشكلة الأبرز التي تواجه البحث العلمي في الوطن العربي؟
البحث العلمي في الوطن العربي في حالة تطور مستمر وهذا يدعو للتفاؤل. وبمقارنة وضعه اليوم بعشرات السنوات السابقة؛ يمكننا قياس تطور ملحوظ، لكن لا يزال هناك المزيد لإنجازه.
فالأبحاث العلمية تحتاج لجيل واعد يتم تأسيسه بشكل مدروس وله دوافع تطويرية، كما يحتاج إلى دعم مالي وإنفاق سخي على تجهيز المختبرات وشراء المواد والمشاركة في المؤتمرات العالمية واستضافتها. كما أن للبيئة الحاضنة دور كبير في تحصيل دور ريادي في الأبحاث العلمية؛ فالتعاون في المجالات البحثية بين الباحثين ضمن نفس المجموعة، وبين مجموعات وجامعات مختلفة له دور كبير في النجاح.
كما أن تأسيس جيل واعد ذي اهتمامات بحثية يبدأ عادة في مراحل دراسية مبكرة. فالمنظومة التعليمية من الصفوف التحضيرية إلى المرحلة الجامعية والبحثية كلها مترابطة. فمن أراد جيلاً مميزاً للمستقبل، فلا بد أنه يؤسس له من الآن حتى عشرات السنوات.
لكل مخترع مصدر إلهام فترى ما الذي يلهمك؟
مصدر إلهامي هو «ستيف جوبز» وما قام به من عمل رائع في جعل شركة Apple ومنتجاتها الرائدة عالمياً، حيث أعطى أهمية كبيرة للجميع في بساطة وجودة المنتجات، وهذا يعد نموذجاً ناجحاً لتسويق منتجات جديدة. وما قاله ستيف يوماً «Dream Bigger» هو أداة أساسية يحتاجها رواد الأعمال للنهوض بأفكارهم، والمضي بها قدماً نحو العالمية.
ختاماً، ما هي أحدث أبحاثك الحالية، وما الذي تعتزم فعله مستقبلاً؟
أبحاثي الحالية مركزة بشكل عام على تطوير أروس جرافين، والمواد المركبة الحاوية عليها. فبشكل خاص تتركز أبحاثي على المواد المركبة البلاستيكية ذات الناقلية الكهربائية والحرارية العالية، وكذلك أيضاً على المواد الجرافينية المركبة في الطباعة ثلاثية الأبعاد.
ما أعتزم فعله مستقبلاً هو الاستمرار في مجالي الأبحاث وريادة الأعمال. فتأسيس شركات ناشئة مبنية على أسس نتائج بحثية شيء رائع، يساهم في بناء مجتمع علمي وصناعي وتجاري متكامل.
فأنا أدير شركة مع مجموعة من الأصدقاء في السويد وظيفتها الأساسية هي تأسيس وتدريب الشركات الناشئة. نعمل فيها من خلال مساعدة الباحثين في الجامعات على تحويل أفكارهم البحثية إلى مشروعات تجارية ناجحة ذات قيم مادية عالية، فهذه المنصة تعد مصنعاً لرواد الأعمال من خلفية أكاديمية.
كما أنني أنوي نقل تجاربي الشخصية في مجال الأبحاث وريادة الأعمال إلى الشباب المهتم حول العالم، من خلال إلقاء المحاضرات، وتنظيم المؤتمرات وورشات العمل التفاعلية.