على مر العصور، تطورت قدرات الحواسيب والهواتف الذكية بفضل تطوّر معالجاتها وأنظمتها الداخلية بشكل عجيب، إلى أن وصلت قدرات الحوسبة إلى مرحلة الحوسبة الكمّية والتي تحقق سرعات في إتمام المهام تتجاوز الحاسوب العادية بأيام، بل قد تصل إلى سنوات.
في أوائل الثمانينيات، اقترح «ريتشارد فاينمان» أن يكون الكمبيوتر الكمي أداة فعالة لحل المشكلات في الفيزياء والكيمياء، نظراً إلى أن محاكاة نظم الكم الكبيرة بأجهزة حاسوبية كلاسيكية أمر مكلف للغاية. كما يحتاج بناء معالج فائق الدقة إلى مساحة كبيرة للغاية.
ما الفرق بين الحواسيب الكمومية والحواسيب التقليدية؟
بلغة بسيطة للغاية، تختلف الحواسيب الكمومية عن التقليدية في طريقة وسرعة معالجتها للبيانات. فالحواسيب التقليدية تتعامل بنظام ثنائي يتكون من أصفار وآحاد ليعطي نتائج أحادية صحيحة، أما الحواسيب الكمومية فتعمل بنُظم وخوارزميات معقدة ومتعددة في آنٍ واحد.
تتعامل الحواسيب الكمومية مع عدد من الاحتمالات قد لا تستطيع الحواسيب التقليدية التعامل معها، وبسرعة أكبر من الحواسيب التقليدية آلاف المرات، وتتعامل الحواسيب التقليدية بوحدات تخزين أصغرها «بت» وهي عبارة عن نبضات كهربائية بقيمة صفر أو واحد، أما في الحواسيب الكمومية فتماثلها «كيوبت» وهنا لا يُخزّن بها قيمة واحدة فقط، بل تستطيع تخزين قيمتين في نفس الوقت.
تجربة التفوق الكمومي من جوجل
حقق حاسوب جوجل الكمي تفوقاً كبيراً على الحوسبة العادية، وهو ما يُشار إليه باسم «التفوق الكمومي»، وهو يعد علامة فارقة مهمة لطريقة ثورية في معالجة البيانات، وذلك بعد أكثر من عقد من العمل في جوجل، مُستخدمة شريحة الحوسبة الكمومية الخاصة بها والتي تُدعى «سيكامور - Sycamore».
استطاع فريق التفوق الكمومي في جوجل التغلب على العديد من التحديات التقنية الملازمة لهندسة أنظمة الكم، وذلك بتصنيع حاسوب قوي وقابل للبرمجة. وحتى يختبروا الأداء الكلي للنظام، اختاروا معياراً حسابياً حساساً يفشل إذا لم تتكامل جميع مكونات الحاسوب الكمومي، بشكلٍ إنسيابي مع بعضها البعض.
كي تتم المهمة بنجاح، ابتكرت جوجل معالجاً جديداً يُدعى سيكامور بسعة 54 كيوبت، ويتألف من بوابات منطقية كمومية سريعة وعالية الدقة. ومن أجل إجراء الاختبار القياسي، استطاع الجهاز حساب الهدف في 200 ثانية وهو ما يستطيع تنفيذه أسرع حاسوب بالعالم في 10 آلاف عاماً.
ما هو معالج سيكامور؟
معالج أجريت بناء عليه تجربة التفوق الكمي ويعمل بقوة 54 كيوبت، يُمكن برمجته بالكامل. يتكون المعالج سيكامور من شبكة ثنائية الأبعاد، حيث يتم توصيل كل كيوب بأربعة كيوبتات أخرى، وهذا ما يجعل الرقاقة تتمتع بالاتصال الكافي الذي تتفاعل فيه حالات الكيوبتات بسرعة داخل أرجاء المعالج بالكامل، وهذا ما يجعل من الأمر مستحيلاً بشأن إمكانية محاكاته باستخدام حاسوب عادي.
يعتمد نجاح تجربة التفوق الكمومي إلى بوابات جوجل الثنائية المحسنة، بالإضافة إلى التوازي المعزز الذي يحقق أداء موثوقاً بشكلٍ قياسي، حتى عند تشغيل العديد من البوابات في وقت واحد.
ونظراً لقابليته للبرمجة بالكامل، وإمكانية تشغيل خوارزمية الكم للأغراض العامة، استطاع فريق جوجل العمل على تطبيقات أخرى على المدى القريب، بما في ذلك محاكاة فيزياء الكم والكيمياء الكمومية، إضافة إلى تطبيقات جديدة في التعلم الآلي للأجيال. استطاع الفريق تقديم أول خوارزمية كم مفيدة على نطاق واسع لتطبيقات علوم الحاسب، وهي العشوائي الكمومية الموثقة، وهي أحد الموارد المهمة في علوم الحاسب.
«آي بي إم» تشكك في الأرقام
عارضت شركة «آي بي إم» فكرة وصول جوجل إلى التفوق الكمي، ووضحت أن المهمة التي أشارت جوجل إلى استغراقها 10 آلاف عام، يُمكن إتمامها بدقة أفضل في يومين ونصف تقريباً على نظام حوسبة كلاسيكي.
نوّهت آي بي إم إلى أن مصطلح التفوق الكمومي، على النحو الذي أشار إليه جون بريسكيل عام 2012، يقتدي أن تقوم الحواسيب الكمّية بأشياء لا تستطيع الحواسيب التقليدية القيام بها.
في الورقة البحثية التي نشرتها جوجل عبر مجلة «نيتشر» منذ أيام، تشير إلى وجود معالج كمومي سعة 53 كيلوبت، تقوم بتنفيذ دائرة كمومية كبيرة ثنائية البوابات بسعة 20 كيوبت، وذلك بعدد 430 بوابة ثنائية و1113 بوابة أحادية وبدقة إجمالية قيمتها 0.2%.
تؤكد جوجل أن المحاكاة الكلاسيكية الخاصة لمعالج سيكامور قد يستغرق 10 آلاف عاماً لإتمامها، مع ملاحظة أن متطلبات ذواكر الوصول العشوائية لتخزين الحالة الكاملة المتجهة من معادلة شرودنجر ستكون باهظة، لكن هذا غير صحيح، فمع حقيقة أن الحواسب التقليدية الحديثة يُمكنها الوصول إلى كميات هائلة من ذواكر الوصول العشوائية ومساحة قرص ثابت كبيرة، فإن عدد السنوات "العشرة آلاف" قد ينخفض بشكل كبير.
وصفت آي بي إم التجربة على أنها «أسوأ تقدير»، وربما يمكن تنفيذها بشكلٍ أسرع، كما أشار باحثو «آي بي إم» إلى أن استخدام عبارات مثل «التفوق الكمومي» قد يكون مضللاً، ويزيد من ضجيج الحوسبة الكمومية.
ختاماً، لاشك أن التفوق الكمومي تجربة مثيرة للإعجاب والدهشة، لكن تضخيم الأرقام ليظهر أداء وهمياً (حتى وإن كان عن طريق الخطأ) ليس بالأمر الجيد بالنسبة للحوسبة الكمومية بشكل عام.