ربما كان الذكاء الاصطناعي بحدّ ذاته -ولعقودٍ من الزمن- يعمل على توليد منتجات مؤهلةً للحصول على براءة اختراع؛ لو أُعتبر الذكاء الاصطناعي شخصاً طبيعياً. في الواقع، ربما يكون مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المُتحدة (USPTO)، قد منح براءاتِ اختراعٍ بالفعل لبعض الاختراعات منذ عام 1998، دون أن يعلم أنها نتجت عن الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، ما يزال هناك غيابٌ شبه تام للتشريعات التي تعالج وتمنح براءات الاختراع للمنتجات التي يوّلدها الذكاء الاصطناعي. ونظراً لأن منح براءات الاختراع، وأغلب التشريعات القضائية المتعلقة بها؛ تتطلب أن يكون المخترع شخصاً طبيعياً تماماً، فليس من الواضح إذا كان يجب حماية الاختراع الذي ينتجه الذكاء الصنعي ببراءة اختراع أو أيٍّ من منتجاته ينبغي ادراجها كاختراع أو من سيمتلك براءة الاختراع هذه في حال المطالبة بتسجيلها.
معظم طلبات تسجيل براءات الاختراع تأتي من الشركات التجارية، بينما وُضعت القوانين التي تشترط أن يكون المخترع شخصاً طبيعياً لضمان أنه حتى في الحالات التي يمنح فيها المخترع حقوق ملكية الاختراع الاقتصادية للغير؛ فإنّ المخترع ما يزال يملك حقوق براءة الاختراع الفكرية. لكن المشكلة تكمن في أنّ هذه القوانين لم تُوضع لمعالجة براءات الاختراع المُتولدة عن الذكاء الاصطناعي وضمان حقوقها.
يجب أن تكون الاختراعات التي يولدها الذكاء الاصطناعي مؤهلةً للحصول على براءة اختراعٍ تحميها، من أجل تحفيز الابتكار. بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي لا يتوافق مع قوانين تسجيل براءات الاختراع، إلا أنّ الأشخاص الذين يمتلكون الذكاء الاصطناعي وينتجونه ويستخدمونه هم كذلك. إن منح البراءات للاختراعات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يحفّز الاستثمار في تطوير الذكاء الاصطناعي الابتكاري؛ والذي يولّد في نهاية المطاف المزيد من الابتكار. لذا يجب أن يكون مالكوا الذكاء الاصطناعي الابتكاري هم أصحاب براءات الاختراع المتولّدة عنه. بالمقابل، فإن الفشل في منح براءات الاختراع المُتولدة عن الذكاء الاصطناعي، من شأنه أن يمنع الشركات من استخدام الذكاء الاصطناعي في أبحاثها، حتى عندما يكون استخدام الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءةً من الشخص العادي.
من المهم، إضافةً إلى ذلك، إدراج الذكاء الاصطناعي كمخترعٍ محتمل كونه يعمل وظيفياً كمخترعٍ طبيعي، وذلك لمنع الأفراد من الحصول على اعترافٍ وحقوقٍ لعملٍ لم يقوموا به هم بالأصل. طبعاً سيكون هذا عادلاً بالنسبة للذكاء الاصطناعي، الذي لا مصلحة لأصحابه في الحصول على براءة اختراعٍ والاعتراف بها، بينما لن يكون ذلك عادلاً للأفراد الذين يعملون كمخترعين مُعترفٍ بهم قانونياً.
لقد اقتصر الذكاء الاصطناعي الابتكاري في السابق على الأنشطة الاقتصادية الأكاديمية أو الثانوية إلى حدٍّ كبير، لكن الذكاء الاصطناعي كان دائماً ما يسجّل تقدماً وتطوراً أسرع، ويصبح أرخص وأفضل، بينما لم يكن الباحثون من البشر كذلك عموماً. يشير ذلك بشكلٍ ما إلى أننا قد نشهد في المستقبل القريب زيادةً كبيرةً لاستخدام الباحثين من البشر لحلول الذكاء الاصطناعي. وهو الأمر الذي سيزيد من مدى معارف الباحثين، وزيادة مهاراتهم وتطويرها أكثر مما لو يكن الحال كذلك. في الواقع، يُستخدم الذكاء الاصطناعي حالياً وعلى نطاقٍ واسع في رفع سويّة العاملين في العديد من المجالات مثل؛ الأبحاث والتطوير في علوم الحياة المختلفة. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد مثلاً في انتقاء الأدوية ذات الكفاءة الأفضل، بالإضافة لتحديد الأهداف العلاجية، ونمذجة تفاعل الجسم المضاد مع المستضد، والتنبؤ بالتداخلات الدوائية، بالإضافة لاكتشاف استخداماتٍ أخرى للأدوية الحالية من خلال التعرّف على الأنماط في بيئةٍ من البيانات الهائلة.
سيكون لهذه التطبيقات وغيرها من التطبيقات المشابهة للذكاء الاصطناعي تأثيرٌ هائل، ليس فقط على الابتكار ولكن أيضاً على قانون منح براءات الاختراع. وبغضّ النظر عن المشاكل المتعلّقة بمدّة براءة الاختراع وملكيتها، سيؤثر الذكاء الاصطناعي الابتكاري على المعايير المُتبعة؛ لتحديد ما إذا كان الاختراع مؤهلاً لحمايته ببراءة اختراع. في الوقت الحالي، تُحدد أهلية الحصول على براءة الاختراع استناداً إلى تقييم ما سيكتشفه الشخص الافتراضي غير المبتكر والمحترف. إذا كان اختراع ذلك الشخص المحترف واضحاً (بمعنى أن لا إبداع فيه، وأنّ فكرته واضحة تماماً) فلن يحصل على براءة اختراع. أما إذا كان اختراعه جديداً وغير واضح (بمعنى أن فكرته احتاجت إلى إبداعٍ، ولم يكن من السهولة اكتشافها) فسيحصل بالتالي عليها؛ هذا في حال افترضنا أنه استوفى الشروط الأخرى لمنحها. يمثّل الشخص المحترف العامل العادي المتوسط في في المجال العلمي للاختراع. بمجرّد أن يزداد مستوى العامل العادي المقصود من خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، سيجعل ذلك بعض الاختراعات المؤهلةَ لنيل براءة اختراعٍ حالياً غير مؤهلة للحصول عليها.
إذا نظرنا إلى المستقبل بالمقارنة مع الوقت الحالي، نجد أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم حالياً كأداةٍ بشكلٍ أساسي؛ تبدو أنها ستتطور حتماً في مرحلةٍ ما في المستقبل، لتصبح قادرةً على أتْمَتة عملية الاختراع بشكلٍ روتيني. على سبيل المثال، وبالرغم من أن الخط الزمني ما يزال مثاراً للخلاف، تشير استطلاعات الخبراء إلى أنّ «الذكاء العام الاصطناعي - AGI»، الذي يشير إلى ذكاء الآلة التي لديها القدرة على حلّ أي معضلةٍ فكريةٍ منطقية يمكن للإنسان حلّها؛ سيتطوّر خلال الـ 25 عاماً القادمة، ربما. وبمجرّد أن يصبح الذكاء الاصطناعي الابتكاري الوسيلة المعيارية للبحث في مجالٍ ما؛ ينبغي أن يشمل اختبار الشخص المحترف؛ الاستخدام الروتيني للذكاء الاصطناعي الابتكاري من قِبل أشخاص مهرَة. وبالنظر لأبعد من ذلك قليلاً، وبمجرّد أن يصبح الذكاء الاصطناعي المعياري الوسيلة المعيارية للبحث في مجالٍ ما؛ يجب استبدال معيار الشخّص المحترف بـ «الذكاء الاصطناعي الابتكاري المعياري». سيعكس ذلك بشكلٍ أكثر دقة نموذج البحث المستقبلي، والذي يقدم فيه الناس المشاكل إلى الذكاء الاصطناعي لحلها. بالتالي يشارك الذكاء الاصطناعي بشكلٍ مستقل في ما يمكن اعتباره جزءاً مفاهيمياً من البحث من الناحية الوظيفية.
ومع ذلك فان مجرد الاستعاضة بالذكاء الاصطناعي الابتكاري بدلاً من معيار الشخص المحترف؛ قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل القائمة أصلاً، والمتعلقةِ بمعيار الشخص المحترف. حالياً، يحتاج صنّاع القرار، رغم إدراكهم المتأخر للأمر، إلى معالجة ما قد يكون اختراعاً واضحاً من قبل شخصٍ آخر، وفي النهاية سينتج عن ذلك قراراتٌ وقوانين غير متناسقة وغير متوقعة. قد يكون الأمر إشكالياً أكثر في حالة الذكاء الاصطناعي الابتكاري، حيث من المحتمل أن يجد صانعوا القرار صعوبةً من الناحية النظرية في تصنيف الاختراع المتولد عن الذكاء الاصطناعي ليكون واضحاً. لقد أيدت الدراسات النقدية الحالية فعلاً التركيز بشكلٍ أكبر على العوامل الاقتصادية، أو المعايير الثانوية الموضوعية فيما يخصّ الشخص المحترف، مثل المشاكل المزمنة التي لم تُحلّ بعد، وفشل الآخرين، والدليل الواقعي على كيفية استفادة السوق من الاختراع. قد يوفر الذكاء الاصطناعي الابتكاري الزخم لمثل هذا التحول.
لكن في حال اتباع المعايير الجديدة، فإنّ معيار الذكاء الاصطناعي الابتكاري سيرفع بشكلٍ ديناميكي المعيار الحالي للحصول على براءة الاختراع. سيكون الذكاء الاصطناعي الابتكاري أكثر ذكاء بكثير من الأشخاص المحترفين، وقادراً أيضاً على البحث بعمقٍ أكثر في البيانات المتوفرة له. في الحقيقة، لن يمنع معيار الذكاء الاصطناعي الابتكاري براءات الاختراع، ولكنه سيجعل الحصول عليها أكثر صعوبة بكثير: فقد يحتاج الشخص أو الذكاء الاصطناعي إلى أفكارٍ غير عادية للاختراع، بحيث لا يكون بمقدور نماذج الذكاء الاصطناعي الابتكاري الأخرى اكتشافها، وعمل اختراعاتٍ منها بسهولة. وقد يحتاج المطورون إلى ابتكار ذكاءٍ اصطناعي يتفوق أكثر على الذكاء الاصطناعي المعياري، أو على الأرجح، ستكون عملية الاختراع معتمدةً على مصادر البيانات المتخصصة وغير العامة. سيرتفع معيار «عدم وضوح الاختراع» باستمرار، لأن الذكاء الاصطناعي سيتطور حتماً أيضاً باستمرار. وفرضاً، في حال أخذنا بعين الاعتبار أقصى حدوده المنطقية، وبالنظر لعدم وجود حدودٍ للذكاء الاصطناعي نظرياً على الأقل، فقد يكون كلّ اختراع يوماً ما واضحاً بالنسبة للذكاء الاصطناعي، الذي سيكون شائع الاستخدام حينها.