يطلق على الأطفال الذين يولدون بين الأسبوع 23 و40 من الحمل بالأطفال الخدج، وهناك العديد من المخاطر التي يمكن حدوثها على صحتهم جراء الولادة المبكرة، سيكون المولود بحجم راحة اليد ويزن رطلاً وربع تقريباً. وبصفتي طبيباً مختصاً بحديثي الولادة، فأنا أهتم بهؤلاء الخدّج في وحدة العناية المركّزة. يحتاج معظم الخدّج، خصوصاً أصغرهم وأكثرهم عرضةً للإصابة بالمرض، ويحتاجون للأوكسجين لمساعدتهم على التنفس، معظمهم معرّضون لخطر الإصابة بالتهابات وتليّف الرئة إلى حدٍّ كبير.
تؤدي هذا الضرر المبّكر إلى الإصابة بمرضٍ رئويٍ مزمن يُسمّى خلل التنسج القصبي الرئوي أو «bronchopulmonary dysplasia»، وهو من أخطر الأمراض طويلة الأمد والناجمة عن الولادة المبكّرة. حيث يحتاج المصاب به لإمدادات الأوكسجين لسنواتٍ عديدة وغالباً ما يعانون من نوباتٍ شديدة تشبه نوبات الربو، والتي تستوجب النقل للمشفى بسبب صعوبة التنفس.
يؤثّر خلل التنسج القصبي الرئوي على العديد من صغار الخدّج الذين أهتم بهم وغالباً ما يؤدي إلى إصابتهم بإعاقةٍ طويلة الأمد. في الحقيقة، من الصعب منع إصابة المولود الخدج بخلل التنسج الرئوي، والإصابة به حالةٌ لا مفرّ منها تقريباً، ويعود ذلك إلى ضرورة استخدام معدات التنفّس والاوكسجين لبقاء هؤلاء الأطفال على قيد الحياة، والتي تزيد بدورها من احتمال الإصابة بخلل التنسّج القصبي. وقد ألهمتني هذه المعضلة لاجراء بحثٍ في الأمراض الرئوية عند الأطفال الخدج لإيجاد أساليب جديدة للوقاية من خلل التنسج القصبي الرئوي.
محور القناة الهضمية- الرئوية
أظهرت الأبحاث التي تتناول الربو والالتهاب الرئوي عند حديثي الولادة أن المجتمعات الميكروبية، أو ما يُدعى الميكروبيوم، التي تعيش داخل الأمعاء البشرية يمكنها التأثير على الالتهاب- استجابةُ الجسم لمسببات الأمراض أو الأضرار الخلوية- في مضيفهم. ويمكن أن يحدث ذلك بسبب التغيرات في الجهاز المناعي للمضيف، والتي بدورها تهيئ ظروف الإصابة بأمراض الرئة الناجمة عن الالتهاب.
تُدعى هذه العلاقة المُكتشفة بين ميكروبات القناة الهضمية وصحّة الرئة أو المرض بمحور القناة الهضمية- الرئوية «gut-lung axis»، وربما تساعد على اكتشاف طرقٍ جديدة لمعالجة أمراض الرئة.
أجرى أخصائيو حديثي الولادة خلال السنوات القليلة الماضية دراساتٍ بأثرٍ رجعي لعدة سنوات، قاموا فيها بتدقيق سجلات الأطفال لمعرفة ما إذا كان يمكنهم تحديد الأحداث التي حصلت للأطفال الذين أصيبوا لاحقاً بخلل التنسج القصبي الرئوي. وقد صُممت هذه الدراسات لمحاولة تحديد الحالات الممكنة الجديدة التي قد تؤدي للإصابة بخلل التنسج القصبي الرئوي.
وقد تبين للباحثين، وأنا منهم، أنّ خلل التنسج القصبي الرئوي قد يكون أحد المضاعفات المحتملة لاستخدام المضادات الحيوية لدى الأم الحامل. ومع ذلك، وبالنظر لتلقي العديد من الأطفال والأمهات المضادات الحيوية، لم يكن هذا البحث كافياً لإثبات أن التعرّض للمضادات الحيوية يسبب خلل التنسج القصبي الرئوي.
تعرّض الأمهات الحوامل للمضادات الحيوية يفاقم الإصابة بخلل التنسج القصبي الرئوي
استخدمت الفئران في دراستي الأخيرة لأتبين ما إذا كان هناك صلةٌ سببية بين حالة «محور القناة الهضمية- الرئوية» وكيفية تطوّر خلل التنسج القصبي الرئوي، ولاستكشاف كيف يؤثر تعرّض الأم للمضادات الحيوية على تطوّر الرئتين عند النسل. كنت أعتقد في البداية أن هذا البحث لن يؤدي فقط إلى فهم أفضل لدور محور القناة الهضمية- الرئوية وحسب، بل وتحديد طريقةٍ جديدة لمنع خلل التنسج القصبي الرئوي المحتمل.
قسمنا أنا وزملائي الفئران الحوامل في أربع مجموعات وعرّضنا الأمهات للمضادات الحيوية في أوقاتَ مختلفة أثناء الحمل.
تعرضت المجموعة الأولى من الفئران الأم للمضادات الحيوية طوال فترة الحمل ولأول أسبوعين من حياة المواليد الحديثة أثناء الرضاعة، بينما المجموعة الثانية أُعطيت المضادات الحيوية خلال فترة الحمل فقط، وأعطيت المجموعة الثالثة المضادات الحيوية بعد الولادة فقط، أما المجموعة الرابعة فلم تُعطى المضادات الحيوية على الإطلاق. عرضنا المواليد الجدد للأكسجين، تماماً كما نفعل في حالة المواليد المبكّرة في الحالة العادية، وقد أدّى ذلك لتحفيز إصابتها بخلل التنسج القصبي الرئوي.
في نهاية التجربة، تفحصّنا بنية الرئة لدى الفئران الصغيرة. جميع الفئران الحديثة الولادة التي أُعطيت الأوكسجين قد طوّرت خلل التنسج القصبي الرئوي إلى حدٍّ ما، إلا أن الفئران التي أُعطيت لأمهاتها المضادات الحيوية كانت إصابتها أكثر حدّة. في الواقع، كانت الفئران التي تعرّضت في أي مرحلةٍ للمضادات الحيوية أكثر تشوّهاً وذات هيكلٍ أكثرَ بساطةً من بقية الفئران التي لم تتعرّض للمضادات الحيوية أبداً.
تتميز الرئة المصابة بخلل التنسج القصبي الرئوي ببنيةٍ بسيطة وأكياس هوائية عملاقة متشكلة جزئياً بدلاً من الأكياس الهوائية الصغيرة المثالية في الأحوال العادية. كلّما زاد تشوّه بنية الأكياس الهوائية، تفاقمت الإصابة بخلل التنسج القصبي الرئوي. تدلّ هذه التغييرات في بنية الرئة على أن التعرّض للمضادات الحيوية تسبب بحدوث خلل التنسج القصبي الرئوي بشكلٍ أكثر حدة لدى هذه الفئران.
فوجئت أنا وزملائي لدى اكتشافنا أن المضادات الحيوية التي تُعطى للأم تزيد أيضاً من التليّف -التندّب- في رئتي مولودها بالإضافة لزيادة الأوعية الدموية غير الطبيعية وازدياد أعداد الكريات البيضاء في أنسجة الرئة.
إعادة تشكيل محور القناة الهضمية- الرئوية لمنع خلل التنسج القصبي الرئوي
أخيراً، ولفهم علاقة محور القناة الهضمية- الرئوية بخلل التنسج القصبي الرئوي، تفحصنا الميكروبات الموجودة في أحشاء أطفال الفئران خلال الأسبوعين الأولين من الحياة. وقد وجدت أنا وزملائي أن إعطاء المضادات الحيوية للأمهات من المحتمل أنه لعب دوراً في منع المواليد الجدد من اكتساب مجتمعاتٍ بكتيرية طبيعية كتلك الموجودة في أحشاء المواليد الجدد الذين لم يتعرّضوا للمضادات الحيوية.
ومع ذلك، فإن الطريقة التي عرّضنا الفئران من خلالها للمضادات الحيوية لم تؤثر مباشرةً على النسل الجديد، وتحديداً، أثّرت المضادات الحيوية على ميكروبيوم الأم وغيّرتها، ثم ورث النسل الجديد هذه المجموعة المُعدّلة من الميكروبيوم منها. وقد أظهرنا أيضاً أن الجزيئات التي تسمح لميكروبات الأمعاء بإرسال إشاراتٍ إلى الرئتين حول حالة المجتمعات الميكروبية في الأمعاء عند الفئران حديثي الولادة قد انخفضت في الفئران حديثي الولادة مع وجود ميكروبيوم غير طبيعي.
تقودنا هذه النتائج إلى الاستنتاج بأن محور القناة الهضمية- الرئوية له دورٌ ما في حدوث خلل التنسج القصبي الرئوي. ونظراً لأن الكثير من الأمهات الحوامل تُوصف لهنّ المضادات الحيوية، يوصي بحثنا الأطباء بالأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحتملة على الجنين عند وصف المضادات الحيوية للأم الحامل، وأن لا يفعلوا ذلك إلا في الحالات الضرورية فقط عندما لا يتوفر البديل المناسب.
هناك حاجةٌ لإجراء من المزيد من الأبحاث حول هذا الأمر. نريد معرفة ما إذا كان بالإمكان تعديل الميكروبيوم لدى الفئران حديثة الولادة ليكون لها دورٌ أكبر في مقاومة الإصابة بخلل التنسج القصبي الرئوي. ونخطط بعد ذلك لإجراء أبحاثٍ للتحقق من الجزء من المجتمعات الميكروبية التي يحلّ مكان ميكروبيوم محور القناة الهضمية- الرئوية. قد يقودنا ذلك للكشف عن طريقةٍ لجعل الأطفال حديثي الولادة يقاومون خلل التنسج القصبي الرئوي.