دليلك لفهم آلية عمل أجهزة التنفس الاصطناعي

3 دقائق
وحدة عناية مركزة, أجهزة تنفس صناعي
الصورة: Calleamanecer/ ويكيبيديا

يتسابق الجميع في كافّة أنحاء العالم لتصميم وتصنيع أجهزة التنفّس الاصطناعي، حيث تشتد الحاجة إليها لمعالجة النقص في امداداتها على مستوى العالم. وصل النقص فيها إلى مستوى دفع أحد المستشفيات في نيويورك -بحسب ما أُفيد- إلى وضع مريضين على كل جهاز تنفس اصطناعي بعدما فقد الأطباء الأمل في وصول أجهزة جديدة.

في 26 مارس/آذار الماضي، نصح بيان مشترك نشرته الجمعية الأميركية لأطباء التخدير، فيما يتعلق بمرضى فيروس كورونا بما يلي: «ليس من الآمن استخدام جهاز تنفس اصطناعي واحد مع مريضين أو أكثر، لأن الأجهزة الحالية غير مجهزة لذلك».

تساعد أجهزة التنفس الاصطناعي المريض على التنفس من خلال مساعدة الرئتين على الشهيق والزفير. تُستخدم هذه الآلات لعلاج المرضى الذين يعانون من الحالات الإسعافية الحرجة، بما في ذلك الالتهاب الرئوي، وإصابات الدماغ، والسكتة الدماغية.

يهاجم فيروس كورونا الجهاز التنفسّي مسبباً مرض كوفيد-19، فيفقد المريض جرّاء ذلك القدرة على التنفس. في الحالات الخفيفة، يمكن دعم الجهاز التنفسي باستخدام وسائل أبسط، مثل توصيل الهواء الغني بالأكسجين للجسم من خلال قناع الوجه.

وفي الحالات الأكثر شدة؛ يعاني المريض من ضائقة تنفسية حادة، مما يتطلّب توفير دعم هوائي للجهاز التنفسي. يتم إدخال أنبوب موصول بجهاز التنفس الاصطناعي في فم المريض أو أنفه إلى أسفل القصبة الهوائية، أو من خلال فتحة جراحية في الرقبة.

الشهيق والزفير

تتمثل الوظيفة الرئيسية لجهاز التنفس الاصطناعي في ضخ أو نفخ الهواء الغني بالأكسجين في الرئتين. تدعى هذه العملية بـ «الأكسجة»، كما تساعد تلك الأجهزة على إزالة ثاني أكسيد الكربون من الرئتين، وتدعى هذه العملية بـ «التهوية».

يُسمّى أحد أنماط أجهزة التنفس الاصطناعي بـ «قناع الصمام الكيسي». يعمل هذا النمط -المعروف باسم حقيبة «أمبو»- يدوياً من خلال قيام المُسعف بالضغط على الحقيبة الهوائية التي تعود للانتفاخ ذاتياً مجدداً. وهي أداة أساسية لأطقم الإسعاف ووحدات الرعاية الجراحية، وهو خفيف وصغير وسهل الاستخدام.

لكّن في الحالات التي تتطلب معدل تنفّس ثابت يمكن التحكّم به (إدخال الأكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون)، يتطلب الأمر استخدام التهوية الميكانيكية التي توفرها أجهزة التنفس الاصطناعي بشكلٍ مثالي.

النمط الآخر هو جهاز التنفس الاصطناعي الحديث الذي يعمل بالأتمتة (جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكلٍ تلقائي). تتكوّن من صندوق محوسب مثبت فوق عربة متحركة. يضم مجموعة من الشاشات والأقراص، وكابلات البيانات، وأسلاك الطاقة، وأنابيب إيصال الهواء. في الواقع، تعد أجهزة التنفس الاصطناعي الحديثة معدات معقدّة جداً ومتطورة مقارنة مع جهاز «حقيبة أمبو»، مما يسمح لها بتقديم مستوى عالٍ من الرعاية الطبية.

تسمح الميزات الإضافية وعناصر التحكم في أجهزة التهوية الميكانيكية بإجراء تعديلات مثل:

  • ضبط زمن الاستنشاق لدى المريض.
  • كمية الهواء التي يستنشقها المريض.
  • تواتر عملية التنفس.
  • تركيز الأكسجين في الهواء الداخل (قد تزداد نسبة الأكسجين في بعض الحالات عن نسبته الطبيعية في الهواء).
  • مقدار الضغط الذي تنتفخ فيه رئة المريض.
  • درجة حرارة ورطوبة الهواء.

ما هي إمكانية تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي؟

يتطلب تصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي خبرة كبيرة في البحث والتصميم والتصنيع. فصنع جهاز تهوية ميكانيكي تجاري يعني ضمان الموثوقية وإمكانية الخدمة، والالتزام بالمعايير التنظيمية الصارمة.

تلك أمور مهمة جداً بالنظر إلى أن استخدام هذه الأجهزة يتمّ في الحالات الحرجة التي تعني حياة أو موت المريض. لذلك تُعتبر أجهزة التنفس الاصطناعي -مثل الأجهزة الطبية المتخصصة الأخرى- مكلفة جداً، حيث يمكن أن يصل سعر الجهاز الواحد منها حتّى 50 ألف دولار أميركي.

استجابة للاحتياج العالمي الشديد لأجهزة التنفس الاصطناعي، خرجت العديد من الشركات حول العالم بتصاميم مختلفة لها، وادّعى كل منها أن تصميمه ناجح، ويمكن تصنيعه بسرعة وبتكلفة منخفضة.

يعتمد عدد من أجهزة التنفّس الاصطناعي المُقترحة على تصميم «حقيبة أمبو»، بما فيها التصاميم التي تعتمد على مبدأ تهوية الرئة المفتوحة، والتصاميم التي اقترحتها شركة «تريبل 8 راسنج» الهندسية، بالإضافة للتصاميم التي قدمتها شركة الخدمات الفضائية «فيرجين أوربت»، وشركة الأجهزة والمعدّات المنزلية البريطانية «جيتش».

لكن هذه التصاميم، بدلاً من الاعتماد على ضغط الحقيبة الهوائية يدوياً مثل حقيبة أمبو، تعتمد على الأتمتة الميكانيكية للضغط على الحقيبة الهوائية وتحريرها ضمن إطار زمني مضبوط. وتتوفر فيها بعض عناصر التحكم الأساسية، ولكن ميزتها الأهم هي بساطتها.

لاعبون كبار في السباق

ظهرت مقترحات لتصاميم أكثر تعقيداً لأجهزة التنفس الاصطناعي. فمثلاً، اُستلهم تصميم جهاز التنفس الصناعي «إم في إم» من تصميم الستينيات، ويستخدم الأكسجين الطبي المضغوط المتاح في المستشفيات لتشغيل الجهاز. هذا يبسط صناعة الجهاز إلى حدٍ كبير، لأنها لا تحتاج إلى محرك. اشترك في تصميمه أكثر من 100 أكاديمي وباحث من جميع أنحاء العالم، كما يتميز بنظام تحكم عن بعد بواسطة شبكة «الواي فاي».

كما طورت شركة «دايسون» للأدوات المنزلية الكهربائية أحد التصاميم المُقترحة بناءً على طلبٍ عاجل من رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، والذي كان قد نُقل إلى العناية المشددة (وخرج منها لاحقاً) جرّاء اصابته بفيروس كورونا. لن يكون مُستغرباً أن يحتوي جهاز التنفس الاصطناعي الذي ستطوّره دايسون على محرّك مماثل لمحرّك المكانس الكهربائية التي تنتجها الشركة.

في الواقع، شركة دايسون هي شركة تصميم وتصنيع دولية، وتحويل مواردها لصناعة أجهزة التنفس الاصطناعي لن يكون صعباً، كما هو الحال بالنسبة للشركات الأخرى. عموماً، تنتج الشركة المعدات التي تتحكّم بحركة الهواء وتسخيرها لخدمة الإنسان، وبشكلٍ رئيسي المكانس الكهربائية والمراوح ومجففات الشعر. الأهم من ذلك أن دايسون لن تطرح عن جهاز التنفس الصناعي الخاصّ بها إلا بعد أن تستوفي مواصفات هيئة الصحة البريطانية، وتحصل على موافقتها.

وبينما يستمرّ السباق لتصميم وتصنيع أجهزة التنفس الاصطناعي التي تشتد الحاجة إليها في هذا الوقت العصيب، يجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية أن يستفيدوا من الإمكانات المُتاحة بين أيدهم. دعونا نأمل أن تتمكّن هذه الجهود الجماعية من تخفيف بعض الضغط عنهم قريباً.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي