تعرضت الفقمات الرمادية في نيو إنجلاند لمعاناة طويلة تمتد لمائة عام تقريباً. وكانت ولايتا ماين وماساتشوسيتس تدفعان المال للناس مقابل قتلها، بسبب استنفاد مخزون أسماك الصيد في هاتين الولايتين. كما كانت الفقمات تتعرض للصيد من أجل لحومها وفرائها. وبحلول عام 1973، أي بعد عام من صدور قانون حماية الثدييات البحرية الذي يجرّم القتل الممنهج للحيوانات، قدّر أحد الإحصاءات أنه لم يبق سوى 30 فقمة رمادية على طول سواحل ولاية ماين.
منذ ذلك الحين، عادت الفقمات الرمادية في كندا لاستيطان الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ونمت أعدادها في مناطق مارثا فينيارد، ونانتوكيت، وكيب كود. ولكن العلماء لديهم صعوبة في تقدير أعدادها الحقيقية، فإحصاء أعدادها وهي على الشاطئ صعب ومكلف، كما لا تشمل هذه الإحصاءات الفقمات داخل الماء.
والآن، وفي دراسة نشرت في مجلة بيوساينس، قام الباحثون بأخذ صور للفقمات الرمادية من جوجل إيرث، وجمع معلومات عنها لإجراء تقدير أكثر دقة لأعدادها. وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن هناك الكثير من الفقمات الرمادية التي تعيش على طول الساحل الشرقي، أكثر بكثير مما كان يعتقد سابقاً.
يقول ديفيد جونستون عالم البئية المتخصص في الحفاظ على الأحياء البحرية من جامعة ديوك: "إن المسوح السابقة التى استندت الى الطرق التقليدية أحصت حوالي 15 ألف فقمة على الساحل الجنوبي الغربي لماساتشوسيتس. أما المسح الجوي المدعوم بالوسائل التقنية الذي قمناه به، والذي استخدم صوراً من برنامج جوجل إيرث مع معلومات عن حيوانات الفقمة الرمادية، فقد أظهر أن العدد الحقيقي أكبر بكثير، ويتراوح بين 30 ألفاً و50 ألفاً".
استخدم جونستون وزملاؤه صوراً عالية الدقة من جوجل إيرث لحساب عدد الفقمات التي كانت تتنقل على الشواطئ على مدى عدة سنوات. كما قاموا بتحليل أكثر من 8000 ساعة من بيانات التعقب الخاصة بهذه الفقمات في محاولة لتحديد كم سيكون عددها في الماء خلال فترة معينة، وبالتالي تقدير الحد الأعلى لأعدادها.
وباستخدام الصورة شديدة الدقة المأخوذة من عدة أقمار صناعية تجارية، بيّن واضعو الدراسة أن هذه النتائج يمكن أن توفر بديلاً رخيصاً للطرق القديمة في تقدير أعداد الحيوانات، خاصة عندما تقترن الصور بالمعلومات الخاصة بالحيوان موضوع البحث.
يقوم العلماء في الطرق التقليدية بصيد بعض الحيوانات، ووسمها، ثم تحديد العدد الذي يمكن إيجاده لاحقاً منها، وذلك لاستنتاج العدد الكلي لها. وقد يستأجرون طائرة أو حوامة للقيام بإحصاء من الجو. في المقابل، قامت هذه الدراسة باستخدام بيانات خاصة بثماني فقمات فقط لتقدير حجم الوقت الذي تقضيه الفقمة وسطياً على البحر مقارنة بالوقت الذي تقضيه على اليابسة.
ولكن، ليس الجميع سعداء بهذا الانفجار في أعداد الفقمات، لا سيما صيادي السمك الذين يرون الفقمات وهي تنافسهم على مخزون الأسماك الذي يعيشون من صيدها. وقد رفعت بعض مجموعات الصيادين دعاوى لإعدام أعداد من الفقمات. ولكن جونستون يرى أن هذا الأمر ليس مخالفاً للقانون وحسب، بل هو سابق لأوانه أيضاً. ويقول عن ذلك: "نحن تقريباً لا نعرف شيئاً عن غذاء الفقمات، وكيف وأين تبحث عن غذائها، وما إذا كانت تتفاعل مع المصائد بطريقة بيئية. وليس هناك أدلة كافية على أن إعدام الفقمات سيزيد من غلة المصائد أو سيؤثر بشكل إيجابي على النظام البيئي المحلي".
ويضيف جونستون: "الرائع في الأمر هنا، هو أن انتعاش الفقمات الرمادية هو نجاح لخطة الحفاظ عليها. وهو يعلمنا أن التوقف عن التصرفات السيئة بحق الأنواع البحرية، سيساعدها على البقاء. وهو أمر يجب أن يدركه الناس جيداً. فإذا استثمرنا في الحفاظ على الأنواع، فسنكون قد قمنا بمهمة جليلة".