في العام 2007، قدمت نايك مضرباً بعيد المدى باسم "سومو". كان من السهل تمييزه مباشرة نظراً لتصميم رأسه مربع الشكل، إضافة إلى البصمة الصوتية التي يحدثها عند ضرب الكرة. كان الضجيج الذي يشكل مثار حديثنا هذا عبارة عن "قعقعة" صاخبة كان العديد من اللاعبين يجدونها مزعجة.
يقول دانييل راسل، أستاذ الصوتيات في كلية الهندسة في جامعة ولاية بنسلفانيا: "كان لدى سومو محتوى ترددي قوي جداً ضمن المجال 2,000 إلى 3,000 هرتز. وهذا هو المجال الترددي المناسب الذي تكون فيه الأذن البشرية أكثر استجابة للصوت".
من وجهة نظر الأداء، كان للرأس المربع في الواقع بعض الفوائد الملموسة. فنقل الوزن إلى زوايا رأس المضرب أدى إلى خفض مقدار الالتواء الذي يحدث عندما لا تضرب الكرة المساحة المثالية للضرب على الوجه المسطح للرأس.
والدوران الأقل حول مركز الثقل كان يعني ضربات أكثر استقامة، حتى مع حركات تلويح غير مثالية. ولكن إذا استعرضنا ما مضى، فمن الواضح أن الصوت (وبدرجة أقل، الجوانب الجمالية) شكل عاملاً محبطاً بالنسبة للعديد من اللاعبين.
في محاولة منها لتجنب الصوت المنفّر مستقبلاً، لجأت نايكي إلى راسل في العام 2015، أملاً منها في الاستفادة من تاريخه الذي امتد حتى 16 عاماً في دراسة الصوتيات في المعدات الرياضية، والتي شملت كل شيء من مضارب البيسبول إلى مضارب التنس. انسحبت الشركة في نهاية المطاف من مجال تصنيع معدات الغولف بشكل كامل في العام 2016، ولكن راسل واصل التعمق في مجال الصوت الخاص بمضرب الغولف.
لم تضع الدروس المستخلصة من موضة المضرب بعيد المدى ذي الرأس المربع – سيء الحظ - سدىً بالنسبة للشركات الكبيرة في مجال تصنيع مضارب الغولف. يقول براندون وولي، كبير مهندسي الأبحاث في شركة تايلور ميد غولف: "خلال النصف الأول من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين، ظهر الكثير من المضارب ذات الرأس المربعة". ويضيف: "كانت تحدث أصواتاً حادة وعالية جداً. يمكنك أن تميز ذلك على بعد حفرتين إن سمعت أحداً ما يضرب بها من على كومة الرمل". لن تجد أي نوع من مضارب الغولف مربعة الرأس على رفوف المتاجر في 2017.
تعد محاولة توضيح ماهية الصوت المثالي لمضرب الغولف مهمة صعبة وتبدو مسلية في بعض الأحيان. يستخدم مصممو مضارب الغولف كلمات مثل "مُقرقِع" clacky و"صفعة" thwack. في حين يتناول خبراء الصوتيات مصطلحات مثل "نقرة" tink و"فرقعة" thonk. حتى أنني أعرف بائعاً يعمل في متجر كبير لبيع السلع الرياضية بالتجزئة، يشير إلى أحد أنواع المضارب الشهيرة حالياً باسم "الجامح" splanky. ولكن، وعلى الرغم من أن هذه المصطلحات العديدة قد تبدو مسلية، إلا أن العواقب بالنسبة للاعبين والشركات التي تحاول أن تبيعهم هذه المعدات جدية للغاية. فقد وصلت مبيعات معدات الغولف إلى 22.5 مليار دولار في 2015 في الولايات المتحدة فقط، غير أن اللاعبين لن يشتروا أية مضارب سيئة الصوت، حتى لو كانت قادرة فعلياً على تحسين طريقة لعبهم ونتائجهم.
الطنين الكبير
بدأت مسألة الصوت تصبح جوهرية بالنسبة لمصنّعي مضارب الغولف في 1959 عند إطلاق المضرب قصير المدى بينغ A1. قام كارستين سولهايم بتصميم هذا المضرب، وقد كان مجوفاً جزئياً في الطرف الضارب المسطح، ما ساعد على تكبير المنطقة المثالية على طرف المضرب لإصابة الكرة، وتقليل عدد المرات التي يخطئ اللاعب فيها في إصابة الكرة. كما أنه يصدر رنيناً –أو بالأحرى طنيناً- مميزاً عند الضرب. لا شك في أن أداء المضرب عزز من سمعته، غير أن صوته أوحى بهذا الاسم (بينغ Ping) الذي ما زال موجوداً في امبراطورية كاملة من المعدات الرياضية حتى اليوم.
كان الصوت في ذلك الحين لا يتجاوز كونه مجرد أثر جانبي. غير أن المصنّعين العصريين يبدون عناية كبيرة في معايرة أصوات معداتهم. يقول وولي من "تيلور ميد": "ما أن يصبح لدينا نموذج حاسوبي لطراز تجريبي، سنحاول أن نتوقع كيف سيكون صوته. وسنختبر كل نموذج أولي بشروط ومعاملات مختلفة، حتى تتكامل لدينا كل العناصر".
توجد عملية مضنية مشابهة في كالاواي أثناء العمل على المزايا الصوتية للمضارب، بدءاً بالنمذجة الحاسوبية، قبل أن يصل المضرب إلى الأسواق. يقول إيفان غيبز، مدير البحث والتطوير للمضارب الخشبية في كالاواي: "ما أن نحصل على نموذج أولي فعلي، نقيس الصوت بالميكروفون ونستخدم برمجيات معقدة للغاية لتحليل الإشارة". وبهدف التقاط الإشارة الصوتية الخام، تطلب الشركة من بعض اللاعبين أحياناً أن يضربوا الكرات، وفي أحيان أخرى تستخدم نواساً كبيراً لضرب كرة معدنية على وجه المضرب، ما يسمح للمهندسين بالتقاط الترددات الناتجة. ويتم إجراء العملية بالكامل في غرفة عديمة الصدى، تم تصميمها لمنع الاهتزازات الشاذة من تشويه البيانات.
إضافة إلى الأصوات، يقوم الباحثون بالتقاط عدد كبير من المعاملات التشخيصية المتعلقة بكل ضربة، للحصول على صورة أكثر شمولية لأداء المضرب. تعتمد بعض الشركات على كاميرات خاصة بها، غير أنه يوجد الكثير من الخيارات المتطورة والمتوافرة تجارياً، مثل تراك مان، والذي يستخدمه راسل في بين ستيت. يعتمد هذا الجهاز، والذي يبلغ سعره 19,000 دولار، على الرادار لقياس مجموعة من المتغيرات، مثل سرعة رأس المضرب، زاوية الإطلاق، دوران الكرة، وغيرها من المقادير الهامة.
في جميع الحالات، تقوم مجموعة متنوعة من البرمجيات التجارية أو المصممة خصيصاً لأصحابها بتحليل التسجيلات، غير أن المضارب تمر أيضاً باختبارات شخصية من قبل اللاعبين والمصممين. يقول وولي: "لا نعرض الصوت بالضرورة على مجموعة اختبارية أو ما شابه. بل سيقوم المهندس الرئيسي ومدير البحث والتطوير، المسؤولان عن المنتج، بالاستماع إلى الصوت والتأكد من أنه جيد".
أصوات وحماس
يوجد عدد مذهل من العوامل التي يمكن تسجيلها فيما يتعلق بضربة الغولف، ولكن يوجد بضعة عناصر هامة بالنسبة للصوتيات: التردد، المطال (الذي يشار إليه غالباً بشدة الصوت)، والامتداد الزمني. وتعتبر العلاقة بين هذه العناصر جوهرية للحصول على صوت جيد، حتى لو كان الأداء الحقيقي سيئاً، فقد تتراوح أصوات ضربات الكرة ما بين رنة ممتعة وقرقعة مؤلمة.
يقول وولي: "قد يكون التردد من أهم العناصر التي نقيسها. نحاول أن نبقى فوق 3,000 هرتز. وإذا انخفض التردد أكثر من هذا، يصبح الصوت سيئاً".
يتعلق تردد المضرب ايضاً بشدة الصوت المسموع منه، وذلك بسبب ظاهرة تسمى خطوط تساوي الشدة. حيث تسمع أصوات ذات ترددات معينة أكثر من غيرها، حتى لو حافظت على مستوى ديسيبل محدد، وذلك ببساطة لأن الأذن البشرية حساسة لمناطق معينة من الطيف الصوتي أكثر من مناطق أخرى. وهو سبب جزئي لكون رنة الهواتف أسهل سماعاً من غيرها، حتى لو كانت جميع هذه الأصوات بنفس الشدة.
تولد ضربة نموذجية لمضرب بعيد المدى ضغط صوت ما بين 80 و 110 ديسيبل، وهو مكافئ تقريباً لمطرقة كهربائية. وما أن يتجاوز هذا الرقم القيمة 116، يظهر احتمال التسبب بضرر سمعي طويل الأمد.
يعتبر الامتداد الزمني للصوت معاملاً يتعلق باللاعب نفسه. يقول وولي: "قد تكون فترة الصوت للمضرب قصيرة للغاية، ما يجعله أقرب لمضرب بلاستيكي. أما إذا كانت الرنة طويلة كثيراً، فقد تصبح أشبه بالشوكة الرنانة، والتي تسبب شعوراً غريباً". ويدوم الصوت نموذجياً ما بين 50 و 150 ميلي ثانية.
أمسك واضرب
لا يأتي معظم الصوت الذي يصدره المضرب بعيد المدى من وجهه، بل من الرنين المتبقي في جدران رأس المضرب المجوف. وتنص قواعد الجمعية الأمريكية للغولف على أن رأس المضرب يجب ألا يزيح أكثر من 460 سنتمتر مكعب عند غمره في الماء. ويدفع معظم المصنّعين بهذا المعامل إلى أقصى حد ممكن للحصول على مسافات قذف أبعد. وهو ما يؤدي إلى وجود سطح كبير يهتز ويحدث صوتاً.
يقول راسل: "تتمتع معظم المضارب بعيدة المدى، تحقيقاً لمتطلبات الأداء القصوى التي حددتها الجمعية الأمريكية للغولف، بتردد رنين لوجه المضرب ما بين 4,500 و 5,000 هرتز". تصنع معظم وجوه المضارب من التيتانيوم، ويتمحور تصميمها بشكل أساسي حول الأداء. غير أن المهندسين يستخدمون بعض الحيل لمعايرة صوت باقي أجزاء الرأس.
يقول وولي: "من أهم التقنيات التي نستخدمها: الأضلاع". في الواقع، فإن تيلور ميد حازت على عدة براءات اختراع فيما يخص الأضلاع المتقاطعة على السطوح الداخلية في رأس المضرب بعيد المدى. حيث أن جدران الرأس تصبح أكثر عرضة للاهتزازات عندما تصبح أقل ثخناً لتخفيف الوزن، وبالتالي يجب تخميد هذه الاهتزازات. يتابع وولي: "نحن نستخدم الأضلاع لتدعيم أجزاء معينة من الرأس، بهدف تعزيز المجالات الترددية المفضلة لدينا". تلتزم تايلور ميد الصمت حول كيفية تأثير شكل الأضلاع على الصوت بالضبط، ولكن يمكنك أن ترى هذه الأضلاع بسهولة إذا فتحت رأس المضرب.
إضافة إلى التركيب الداخلي، بدأت تيلور ميد باستخدام شيء يسمى الكعب الصوتي الأرضي. حيث يوجد انبعاج خفيف في جزء من كعب المضرب (الجزء الأسفل من الرأس)، ما يسمح بالحصول على سطح أكبر لوجه المضرب بدون خرق قواعد الحجم للجمعية الأميركية للغولف. وبفضل الجميع ما بين التحدب المقوس وبعض الأضلاع الخارجية على الكعب، يمكن تحقيق زيادة في قساوة الكعب وتخميد الاهتزازات، ما يحسن من المجال الترددي.
يتم تصنيع الكثير من المضارب بعيدة المدى العصرية من مواد مركبة، مثل الألياف الكربونية، ما يغير بشكل جذري من الأداء الصوتي العام للمضرب. يقول وولي: "تضيف المواد المركبة بعداً جديداً من التعقيد". يتكون القسم الأعلى من رأس المضربين الأساسيين M1 و M2 الذين أنتجتهما تيلور ميد في 2017 من مواد مركبة، ما يخفف من مقدار التيتانيوم الذي قد يلعب دور جرس أو شوكة رنانة في المضرب.
على الرغم من أن استخدام المواد المركبة يعتبر حالياً ناحية إيجابية من حيث الصوت، توجد بعض الحوادث السلبية المعروفة لدى الجميع أيضاً. حيث تعرضت أولى المضارب المصنوعة من مواد مركبة، مثل بيغ بيرثا من كالاواي، إلى نقد سلبي لأن صوتها بدا "ميتاً" وأشبه بـ "خبطة مكتومة".
المضارب الحديدية
على الرغم من أن المضارب بعيدة المدى تصدر أكثر الأصوات شدة وأسهلها تمييزاً، إلا أن أصوات المضارب الحديدية لا تقل أهمية، وتتطلب تقريباً نفس مستوى الذكاء في التصميم.
يستخدم الكثير من المحترفين المضارب الحديدية الرفيعة مسطحة الرأس، والتي يتم تصنيعها أصغر وأكثر ثخناً بحيث يكون صوتها أقصر أمداً وأكثر حدة. غير أن اللاعب العادي يميل نحو استخدام المضرب الحديدي الأكبر ذي التجويف الخلفي، والذي يتمتع بمنطقة مثالية أكبر لضرب الكرة، ولكن بسيطرة عامة أقل على مسارها.
وفقاً لوولي، فقد تناقصت ثخانة وجوه المضارب الحديدية ذات التجويف الخلفي في السنوات الأخيرة مع تطور تصميمها. وتساعد عملية إعادة توزيع الوزن هذه على زيادة المنطقة المثالية لضرب الكرة، وتحسن من زاوية إطلاق الكرة لزيادة المسافة. ولكنها تجعل من الصوت الإجمالي سيئاً بسبب زيادة الرنين. وقد قام المصنّعون بمعايرة حجم شارة العلامة التجارية التي تثبت على الجهة الخلفية من المضرب، وشكلها، ومادتها، وذلك من أجل تحسين الترددات.
يشرح وولي: "بالطبع، يجب أن تكون الشارات جميلة المنظر. ولكن تصنيعها يتطلب مقداراً مدهشاً من الهندسة، للمساعدة على تقسية أجزاء من الرأس، وتخميد صوتها".
المضارب قصيرة المدى
تأتي الأصوات الكبيرة الشديدة، والتي تجتذب الانتباه، من المضارب بعيدة المدى، ولكن راسل قرر أن يركز على الأصوات الأكثر خفوتاً للمضارب قصيرة المدى. يشرح راسل: "يقول الناس أن المضرب قصير المدى إما أن يكون قاسياً - سريعاً، أو أن يكون ناعماً – بطيئاً. وهي المصطلحات التي تفرضها الظروف الصوتية لعملية الضرب". حيث يوجد ترابط بين تردد وشدة صوت الضرب، وتوصيف اللاعب لأداء المضرب.
يقول وولي: "تتمتع المضارب قصيرة المدى بأفضلية كونها ثقيلة للغاية مقارنة مع المضارب بعيدة المدى، وبالتالي لا توجد في العادة تلك البنى ذات الجدران الرقيقة التي ترن وتهتز لفترات طويلة. إن الحصول على صوت جيد للمضرب قصير المدى أكثر سهولة". غير أنه يضيف أنه مع ازدياد الأفكار الجديدة في تصاميم المضارب قصيرة المدى، يجب أن تزيد الشركة من تركيزها على مراقبة الميزات الصوتية لكل مضرب بحيث تحافظ على الصوت المفضل لدى اللاعبين.
موسيقى الرمي
على الرغم من أن تحليل أصوات مضارب الغولف يتم بالاعتماد على أسس علمية صارمة، إلا أن اتخاذ قرار حول النغمة النهائية ليس بالأمر الذي يمكن تنفيذه مباشرة وفق مجموعة محددة من القواعد.
يقول وولي ضاحكاً: "من أهم المشاكل المتعلقة بالتشكيل الهندسي للصوت وجود مجموعة متنوعة من الأذواق. أنا متأكد من وجود شخص ما كان يعتقد أن تلك المضارب بعيدة المدى ذات الرأس المربع كانت تتمتع بصوت رائع".
يمكن لتلقي الصوت أن يتأثر بعدد كبير من العوامل، بدءاً من عمر اللاعب وانتهاء بارتفاع موقع الملعب عن سطح البحر. يقول غيبز من كالاواي: "في اليابان، يفضل لاعبو الغولف بشكل عام أن تتمتع مضاربهم ذات المدى البعيد بصوت أكثر شدة وذي امتداد زمني أطول، مقارنة مع ما يفضله اللاعبون في مناطق أخرى".
هناك أيضاً أكثر من مجرد استخدام الصوت كأداة تسويقية. حيث توجد دراسة شهيرة في عام 2005 تبين وجود ترابط قوي بين صوت مضرب الغولف والشعور العام المترافق مع استخدامه، وهو معيار ضبابي وغير واضح، غير أنه مفهوم واسع الانتشار في عالم الغولف، يتضمن مجموعة من العناصر المتعلقة بمضرب معين.
يشرح راسل: "هناك ثلاثة معايير مرجعية هامة للاعبين فيما يتعلق بجودة مضرب الغولف، أو أي أداة أخرى تستخدم لضرب الكرات: الشعور العام لدى استخدامه، وصوته، ومسار الكرة في النظرة الأولية للاعب". ووفقاً لخبرة راسل، فهذا يخلق أثراً نفسياً حقيقياً: "في بعض الأحيان، يقول لك اللاعبون أن هذا المضرب قوي للغاية، على الرغم من أن الكرة لم تبتعد أكثر فعلياً".