أصدرت مؤسسة دبي للمستقبل بعنوان «الحياة بعد كوفيد-19: مواجهة التغير المناخي» أمس الأول السبت، ضمن سلسلة تقاريرها الاستشرافية لمستقبل القطاعات الحيوية، ورصدت في التقرير التأثير الإيجابي المؤقت في ظل تفشي مرض كوفيد – 19 الذي يسببه فيروس كورونا، على معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة حول العالم بسبب تراجع الإنتاج الصناعي وانكماش الاقتصادات.
أشار التقرير إلى أن التحديات العالمية الحالية تشكل فرصة لإعادة بناء الاقتصادات على أسس مستدامة مع الاستفادة من حزم التحفيز المرتبطة بكوفيد-19 في إطلاق مبادرات لا يقتصر دورها على إنقاذ الاقتصادات فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى مجابهة تحدي التغير المناخي أيضاً. ودعا التقرير إلى تعزيز الجهود لابتكار وسائل مبتكرة وغير تقليدية للتخلص من ثاني أكسيد الكربون المتراكم في الغلاف الجوي للأرض.
كوارث مناخية
سلط التقرير الضوء على زيادة غازات الدفيئة التي تسهم في احتجاز حرارة الشمس في الغلاف الجوي للأرض؛ بسبب تزايد الإنتاج الصناعي العالمي بالاعتماد على الطاقة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، مشيرا إلى أن الثورات الصناعية المتتالية التي بدأت مع نهاية القرن الثامن عشر، أدت إلى ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتراكمه في الغلاف الجوي، إذ ارتفع تركيزه من 285 جزء في المليون عام 1850 إلى 414 جزء في المليون في أبريل 2020، ما أدى إلى ارتفاع درجة الحرارة العالمية درجة مئوية واحدة بالمقارنة مع عام 1850.
أشار التقرير إلى أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تأثيرات كارثية تشمل تراجع الإمدادات الغذائية، وارتفاع مستوى سطح البحر، موضحا أن فريق الخبراء الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي أفاد أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إن لم تنخفض بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بانبعاثات عام 2010، فلن نتمكن من تجنب العواقب التي ستؤثر على حياة البشر.
تلتزم حالياً 189 دولة وفق اتفاقية باريس المعلنة عام 2015، بإبقاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية تحت درجتين مئويتين بالمقارنة مع درجات الحرارة قبل الثورة الصناعية، وبذل الجهود لخفض ذلك إلى 1.5 درجة مئوية. ويؤدي حرق الوقود في المركبات ومحطات توليد الكهرباء وأنظمة تدفئة البنايات وغيرها إلى إطلاق الملوثات في الهواء التي تؤثر سلبياً على صحة الإنسان، ما يؤدي إلى حدوث 4.2 ملايين حالة وفاة سنوياً على مستوى العالم.
تأثير كوفيد-19
أوضح التقرير أن توقف الطيران وإغلاق الأعمال التجارية والتزام الناس بالبقاء في منازلهم بسبب جائحة كوفيد-19 أدى إلى انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة، وأهمها ثاني أكسيد الكربون الذي تراجع بنحو 8% عام 2020. وانخفض أيضاً تلوث الهواء، لكن هذه الانخفاضات مؤقتة، وتأثيرها محدود على المناخ على المدى البعيد، إضافة إلى أن الانبعاثات الحالية ليست مقياساً لحجم الانبعاثات المستقبلية بعد انتهاء أزمة كوفيد-19.
وذكر التقرير أن بعض السلوكيات التي أنتجتها الأزمة، مثل العمل عن بعد والتسوق عبر الإنترنت، ستستمر لفترةٍ، لكن مستويات الانبعاثات ستعود للارتفاع مجدداً بعد استئناف النشاط الاقتصادي.
ورأى التقرير أننا سنكون أمام سؤال مصيري عن نوع العالم الذي نريد إعادة بنائه بعد انتهاء أزمة كوفيد-19، فهل نريد أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه؟ أم نفضل أن نسلك طريقاً مختلفاً، وأن نستغل الفرص المتاحة لنبني عالماً أفضل؟
الطاقة المتجددة
أشار التقرير إلى أن العالم يسير نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة لأنها أقل مصادر الطاقة تكلفةً، ويزداد انخفاض تكلفتها إن أضفنا تكلفة علاج المشكلات البيئية لمصادر الطاقة التقليدية. وتتطلب اتفاقية باريس، من الدول تقديم خطط تنفيذية مناخية، تسمى المساهمات المحددة وطنياً، وتستعد الدول حالياً لتقديم الجولة الثانية من المساهمات المحددة وطنياً للعام 2020، فيما توفر حزم التحفيز الاقتصادي المرتبطة بكوفيد-19 تقديم التزامات أكبر مما كان مخططاً له سابقاً.
وأكد التقرير أهمية البدء في التخلص من الغازات الدفيئة التي تراكمت على مدار القرنين الماضيين، وأشار إلى أنه مع أن تعزيز التشجير يمثل أحد وسائل التخلص من ثاني أكسيد الكربون، إلا أن المشكلة أننا نحتاج إلى زراعة أكثر من مليار شجرة لمواجهة المستوى الحالي من الانبعاثات.
ورأى التقرير أن استخدام منشآت احتجاز الكربون على نطاقٍ واسع وسيلة واعدة وغير تقليدية للتخلص من ثاني أكسيد الكربون، فالشركات نجحت مؤخراً في التقاط ثاني أكسيد الكربون بصورةٍ أكثر فعالية من الهواء مباشرةً بغض النظر عن موقعه، لكن هذه الطريقة ما زالت في مراحل تطويرها الأولى، وتعمل شركات ناشئة عديدة في جميع أنحاء العالم على تطويرها.
وأوصى التقرير الحكومات بالعمل على تحفيز التعافي الاقتصادي مع مراعاة الجوانب البيئية، ومراجعة خططها الاستراتيجية لاتخاذ إجراءات للحد من التغيرات المناخية، ودعا صناع القرار إلى التركيز على التقنيات الحديثة للتخلص من الكربون والحد من الانبعاثات، وتشجيع المبتكرين ورواد الأعمال على ابتكار وسائل جديدة وغير تقليدية.
رابط التقرير العربي من هنا