ما مدى فعالية الأقنعة الواقية في الحد من انتشار فيروس كورونا؟

5 دقائق
فيروس كورونا, فيروسات, أمراض معدية, قناع طبي, أوبئة

كانت فكرة ارتداء غطاء للوجه موضع نقاش ساخن على مدى الأشهر القليلة الماضية. فقد كانت التوصيات العامة في بداية وباء كورونا هي أن تكون الأقنعة مخصصة للعاملين في المجال الطبي فقط، وقد كان ذلك منطقياً في حينه. كان هناك نقص كبير في الأقنعة، ولم يكن لدى علماء الفيروسات وأخصائيي الأوبئة معلومات كافية حول كيفية انتشار الفيروس؛ لمعرفة مدى فعالية الأقنعة في منع انتشاره خارج البيئة الطبية. لكن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن الأقنعة تمنع انتشار الفيروس؛ خاصة إذا كان هناك عدد كبير من الناس يرتدونها بشكلٍ صحيح.

من الأسباب الرئيسية التي تدفع لارتداء القناع الواقي بين عامة الناس، هي فكرة أن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يحملون الفيروس لا تظهر عليهم أعراض المرض (المعروفين بناشري المرض بدون أعراض). تشمل هذه المجموعة من تكون نتيجة اختبار الفيروس لديهم إيجابية، ولكن لا تظهر عليهم علامات المرض (تُقدّر نسبتهم بنحو 30-45% من إيجابيي الفيروس)، بالإضافة للأشخاص الذين ثبت أنهم إيجابيون للفيروس، وليست لديهم أعراض، لكنها ستظهر لديهم لاحقاً.

تشير الدراسات حتى الآن إلى أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم الأعراض يلعبون دوراً مهماً في نشر الفيروس. ففي ورقة بحثية ذات موثوقيةٍ عالية نُشرت في شهر أبريل/نيسان في دورية نيتشر؛ تقترح أن المصابين بلا أعراض يكونون أكثر نقلاً للعدوى في اليومين الذين يسبقان ظهور الأعراض لديهم. بالإضافة إلى ذلك، بعثت مجموعة من 239 عالماً من مختلف مجالات الدراسة -من علم الأوبئة إلى علم الفيروسات إلى الفيزياء- رسالة مفتوحة إلى منظمة الصحة العالمية يقولون فيها أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن احتمال انتقال الفيروس عبر الهواء كبير جداً.

تقول «مونيكا غاندي»، باحثة في الأمراض المعدية في قسم فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض المعدية، والطب العالمي في مشفى سان فرانسيسكو العام: «إذا كانت العدوى تنتشر من أشخاصٍ بلا أعراض، فعلينا القيام بأمرين. الأول؛ هو حجرهم كي لا ينشروا العدوى. والأمر الآخر؛ هو اتخاذ إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي». في الواقع، لا يزال هناك الكثير من البحث الذي يتعين القيام به، ولكن الأدلة تشير بشكل متزايد إلى أن الأقنعة تُعتبر من أهم الأدوات التي تحمينا من الفيروس.

في الواقع، يعرف العلماء الآن أن فيروس سارس يمكن أن ينتشر في الهواء، وينتقل من شخصٍ إلى آخر على شكل هباء جوي مكونٍ من قطراتٍ من سوائل الجسم التي تحمل الفيروس. تنتشر القطرات الكبيرة من خلال السعال والعطس، لكن الباحثون يحذرون من أن هناك ادلة متزايدة تشير إلى القطيرات السائلة الصغيرة، والتي يُحتمل أن تبقى معلّقة في الهواء، يمكنها أن تنشر المرض أيضاً. هذه الأدلة الجديدة تجعل ارتداء الأقنعة الواقية ذا أهمية أكبر.

لم تكن معظم الدراسات التي تناولت فعالية الأقنعة الواقية قبل تفشي الجائحة الحالية جيدة على الإطلاق. كان معظمها يعتمد على الملاحظة، وتُجرى في المُستشفى (وليست دراسات يُفترض فيها إجراء التجارب على مجموعة ترتدي الأقنعة، وأخرى لا ترتديها)، وذلك يعني أن نتائجها ليست جيدة بما يكفي، ولا يمكن تعميمها.

ومع ذلك، على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان هناك عدد من الدراسات حققت بشكلٍ جيد في الإجراءات التي تمنع انتشار الفيروس. على سبيل المثال، نظر تحليل التلوي (في علم الإحصاء، هو تحليل يتضمن تطبيق الطرق الإحصائية على نتائج دراسات مختلفة قد تكون متوافقة أو متضادة)؛ في إحدى الدراسات المنشورة في دورية «لانسيت» في بداية الشهر الماضي في 172 دراسة حققت في كيفية انتشار فيروسات كورونا وميرس وسارس. وجدت الدراسة أن هناك ارتباطاً قوياً بين ارتداء القناع الواقي، وانخفاض خطر انتقال الفيروس، وأن «استخدام القناع الواقي يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في خطر الإصابة، مع وجود ارتباط أكبر عند استخدام أقنعة «إن 95»، والأقنعة المماثلة مقارنة مع الأقنعة الجراحية ذات الاستخدام المحدود والأقنعة المماثلة».

وفي دراسة حديثة نشرت في دورية «فيزكس أوف فلويدز»؛ استخدم الباحثون في جامعة «فلوريدا أتلانتيك» تقنية التجسيد المرئي لتوضيح كيف ساعدت مجموعة متنوعة من الأقنعة في وقف انتشار قطرات الهباء الجوي. تناولت الدراسة 3 أنواعٍ من الأقنعة، قناع باندانا مصنوعٍ من طبقة واحدة من القماش، قناع منزلي الصنع يحتوي على طبقتين من القطن، والقناع المخروطي الشائع. يقول المؤلف المشارك في الدراسة «سيدهارثا فيرما»، والأستاذ في قسم المحيط والهندسة الميكانيكية في الجامعة: «استخدمنا هذه الأنواع الثلاثة في الدراسة لأنها الأكثر شيوعاً بين عموم الناس». كما نظر الباحثون في مدى انتقال الهباء الجوي في حال عدم ارتداء القناع أيضاً.

وضع الفريق في المختبر أقنعة على المانيكانات، واستخدم مزيجاً من الماء والجليسرين لتوليد ضباب يحاكي كيفية تطاير القطيرات عن طريق التحدث والسعال والعطس. وجد الباحثون أن القطيرات تنتقل إلى مسافة أكثر من 2.5 متر في حال عدم ارتداء القناع. وتنتقل في المتوسط مسافة مترٍ واحد في حالة ارتداء قناع الباندانا، بينما لم تنتقل سوى 30 سنتيمتراً عند وضع القناع الواقي المكوّن من طبقتين من القطن، وحوالي 20 سنتيمتراً عند وضع القناع المخروطي.

ما أذهل فيرما أكثر في الدراسة هو المسافة التي تقطعها القطيرات عند عدم استخدام القناع. يقول: «لقد تفاجأت بعض الشيء عندما رأيتها بأم عيني، وما كان مثيراً للاهتمام بنفس القدر أيضاً، كيف كانت الأقنعة تبطئ انتشارها عند وضعها بشكلٍ مناسب على وجه المانيكان». في ضوء هذه النتائج، واعتماداً على نتائج الدراسات السابقة؛ يقدم فيرما نصيحة عند اختيار القناع المناسب، وهي إمساك القناع أمام مصدر ضوءٍ ما، كلما قلّ الضوء الذي يمكنك رؤيته من القناع؛ كانت فعاليته أكبر.

كما قدمت مؤسسات بحثية ومؤسسات حكومية أخرى توصيات مماثلة بشأن أفضل الممارسات لارتداء القناع. توصي جامعة «جونز هوبكنز» بتفحّص القناع أمام الضوء، واستخدام «الأقمشة القطنية السميكة والمنسوجة بكثافة»، وإيجاد توازنٍ مناسب بين ملائمته لوجهك وضمان أنه بإمكانك التنفس بسهولة. لذلك يفضّل المهنيون الطبيون استخدام أقنعة «إن 95» لأنها تعمل بشكلٍ أفضل من الأقنعة المنزلية، حيث يجري اختبار مدى ملائمتها والتحقق من نفاذيتها قبل استخدامها، مما يقلل من خطر التسرّب من خلالها بشكلٍ كبير.

بالطبع أجرى فيرما تجاربه في بيئة المختبر، ولن تكون النتائج هي نفسها في البيئة الطبيعية تماماً. يقول: «في حين أن دراستي -وجميع الدراسات المماثلة- تدعم فكرة أن استخدام الأقنعة الواقية يقلل من انتشار فيروس كورونا؛ من المهم ملاحظة أن جميع أنواع الأقنعة في دراستي -حتى التي تحتوي على طبقاتٍ متعددة من النسيج السميك- تميل إلى أن يحدث فيها بعض التسرب. في الواقع، لا يقلل استخدم الأقنعة من انتشار الفيروس إلى درجة الصفر، ومع ذلك، من الواضح جداً أنها تُبطئ انتشاره بشكلٍ فعّال».

في الواقع، وبالرغم من ذلك، فإن هناك تأخر في تبنّي استخدام قناع الوجه الواقي في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كانت بنسلفانيا ونيوجرسي آخر من يفرض ارتداء القناع الواقي في الأماكن العامة، وقد سبقها إلى ذلك ولايات نورث كارولينا، كاليفورنيا، نيفادا، رود آيلاند، نيويورك، ديلاوير، كونيتيكت، نيو مكسيكو، إلينوي وواشنطن.

وفي الوقت نفسه، يظهر بوضوح انخفاض معدّل الوفيات في البلدان التي يرتدي سكّانها الأقنعة الواقية. يقول غاندي: «إذا نظرت إلى البلدان التي ضربها سارس سابقاً، سترى أن شعوبها بادرت فوراً بارتداء الأقنعة الواقية لأنهم اعتادوا عليها. التشيك مثلاً، لم يكن سكانها معتادون على ارتداء الأقنعة، لكنها اتخذت قراراً بفرض ارتدائه في أوائل مارس/ آذار الماضي. يمكنك ملاحظة ارتباط شبه كامل بين معدل الوفيات المنخفض وهذه البلدان».

قد يعود ذلك في جزء منه إلى أنه بالرغم من أن الأقنعة لا تقضي على مخاطر العدوى كلياً، إلا أنها تقلل بشكلٍ كبير من كمية الفيروس التي يمكن أن يتعرض لها الشخص. فنحن نعلم من تجاربنا مع فيروسات أخرى، مثل الأنفلونزا والنوروفيروس (التي تسبب القيء والإسهال)، أنه كلما زاد التعرض للجسيمات الفيروسية (الحمل الفيروسي)؛ زادت احتمالية الإصابة بالمرض. هذا يعني أن ارتداء القناع قد لا يجنبك الإصابة بالمرض، ولكن من المحتمل أن تكون شدة المرض أكثر اعتدالاً إذا التقطت الفيروس.

لقد كان النصائح الجديدة بوجوب ارتداء الأقنعة الواقية أمراً محبطاً للكثير، وذلك أمر مفهوم عموماً. لقد قِيل لهم أن الأقنعة لن تكون لها سوى فائدةٍ قليلة، لكّن يبدو أن الخبراء غيّروا رأيهم. كان جزء من المشكلة في نصيحة بعض كبار المسؤولين بعدم ارتداء القناع، وذلك دون الاستناد إلى أي دليل علمي، ولكن كان ذلك بسبب المخاوف من نقص إمداداتها للعاملين في القطاع الصحي الذين يحتاجون إليها فعلاً. بينما الجزء الآخر من المشكلة كان عدم معرفتنا الكافية منذ البداية بأهمية القناع الواقي.

من الضروري أن يتكيف العلم مع ظهور أدلة جديدة، وهذا بالضبط ما حدث. ونحن مسلحين بمعرفة أفضل، أصبحنا ندرك الآن أهمية ارتداء القناع الواقي، وإذا أردنا السيطرة على هذا الفيروس، فيجب علينا جميعاً الالتزام بارتدائه.

المحتوى محمي