قبل حوالي 237 مليون سنة، تجول زاحف صغير يتغذى على الحشرات في ضفاف أنهار الجزيرة التي تعرف اليوم باسم مدغشقر. بلغ طول هذا الحيوان حوالي 10 سم، وعاش قبل بضع ملايين من السنين من ظهور الديناصورات والتيروصورات، والتي تعتبر أكبر حيوانات مشت على الأرض أو طارت في السماء. يشير صغر حجم هذا الزاحف إلى إمكانية أن تكون الديناصورات والتيروصورات قد تطورت من كائنات أصغر منها بكثير.
بلّغ «كريستان كاميرر» -عالم مستحاثات في متحف كارولاينا الشمالية للعلوم الطبيعية في رالي- عن اكتشاف هذا النوع الجديد من الزواحف، في 6 يوليو/ تموز في مجلة «ذا بروسيدينجز أوف ذا ناشيونال أكاديمي أو ساينسز». يقول: «تاريخ هذا النوع غامض للغاية بسبب قلة عدد المستحاثات التي نملكها». ويضيف: «بالنظر إلى تطور الحجم في المجموعة التي ينتمي إليها هذا الزاحف، وجدنا أدلة جيّدة تشير إلى أن السلف المشترك للديناصورات والتيروصورات لا بد وأن كان له حجم صغير للغاية».
أطلق كاميرر وزملاؤه على هذا الزاحف الصغير اسم «كونجونافون كيلي»، وهو اسم مشتق من اللغتين المدغشقرية واليونانية القديمة ويعني «قاتل الحشرات الصغير». ينتمي الكونجونافون إلى مجموعة تدعى بـ «طيريّات الرقبة»، والتي تشمل أيضاً الديناصورات والتيروصورات وأسلافهم.
من بين قطع الهيكل العظمي الجزئي الذي جمعه فريق كاميرر كانت عظام فك علوي، وعظام من اليد والرجل والقدم والذيل. أسنان الكونجونافون صغيرة لها شكل مخروطي وغير مسننة على عكس أسنان المفترسات الأخرى الأكبر حجماً. وتشبه أسنان السحالي الصغيرة التي تتغذى على الحشرات.
يقول كاميرر: «يمكننا معرفة ماذا كان يأكل الحيوان من خلال النظر إلى مقدار التلف في أسنانه المحفوظة في الأحافير»، ويضيف: «نتوقع أن يكون الكونجونافون هو حيوان صغير وخفيف الوزن يفترس اللافقاريات، في الغالب الحشرات، ونتوقع أنه كان يتحرك راكضاً، أو قافزاً في بيئته». ومثل الأشجار؛ فإن عظام الديناصورات تحتوي على حلقات النمو التي يمكن أن تستخدم لتقدير أعمارها.
بعد أن فحص الباحثون في فريق كاميرر شرائح رقيقة من عظم «الظنبوب» (قصبة الساق) الخاص بالكونجونافون تحت الميكروسكوب، استنتجوا أن الحيوان الذي تعود له هذه العظام قد توفي في سن السنتين، ولم يكن ينمو عندها بمعدل عال، مما يشير إلى أنه قد كان بالغاً.
بلغ طول عظم الفخذ الأيمن للكونجونافون حوالي 4 سم. ولأن عظام الفخذ هي من العظام الأساسية التي تعطي الدعم البنيوي للهيكل العظمي، فيمكن استخدامها لتقدير الحجم الكلي لجسم الحيوان. من الممكن أن تكون طيريات الرقبة كالكونجونافون قد سادت ضمن العصر الترياسي، لكن لم تُحفظ عظامها الصغيرة كأحافير إلا نادراً. يقول كاميرر: «تكون العظام الأكبر حجماً أقل عرضة لأن تُتلف من قبل حيوانات القمام (آكل الجيف)، أو العوامل الجوية قبل أن تُدفن».
درس كاميرر وزملاؤه أيضاً كيفية تطور أحجام أجساد طيريات الرقبة وزواحف أخرى عبر الزمن. في حين أن الكونجونافون لم يكن في الأغلب سلفاً مباشراً للديناصورات، إلا أن صغر حجمه هو جزء من نمط سائد في أحافير طيريات الرقبة، ويشير إلى أنها أصبحت أقل حجماً قبيل ظهور الديناصورات والتيروصورات.
من المحتمل أن صغر حجم هذه الزاحف مكنّه من أن يتجنب منافسة أسلاف الثدييات والزواحف الأخرى الأكبر حجماً، والتي كانت تتغذى على النباتات والحيوانات الأكبر حجماً. من الممكن أن يمثّل تناقص حجم طيريات الرقبة مرحلة انتقالية سبقت تطور الطيران. يقول كاميرر: «تطوّرت كل الحيوانات الطائرة، وحتى المحلّقة، من أسلاف صغيرة الحجم».
من المحتمل أيضاً أن يكون تناقص أحجام هذه الحيوانات مرتبطاً مع ظهور الريش. إذ أن الحيوانات الصغيرة تفقد الحرارة بسرعة، ولذلك فقد يكون الريش قد تطور ليعزل أجسام طيريات الرقبة مثل الكونجونافون حرارياً.
يقول كاميرر: «يمكن أن يصبح وجود غطاء أشعث ضرورياً للاستمرار، بنفس الوقت الذي يستغل فيه هذا الحيوان الأفضليات البيئية التي يمنحه لها صغر حجمه».