انتشرت في بدايات إجراءات الإغلاق التي اتخذت للحد من انتشار فيروس كورونا العديد من التقارير على وسائل التواصل الاجتماعي؛ تفيد بظهور حيواناتٍ في أماكن لم يُعتد سابقاً مشاهدتها. على سبيل المثال، ووفقاً لأحد المنشورات التي انتشرت على نطاقٍ واسع، عادت الدلافين للظهور في قنوات مدينة البندقية.
وبالرغم من كشف زيف العديد من هذه القصص منذ ذلك الحين، يشير خبراء حفظ البيئة إلى ارتفاع نسبة الهواء والمياه النظيفين، وإلى احتمال عودة أشكال الحياة البرية إلى الموائل التي هجرتها سابقاً.
هل يمكن أن تكون حالة الإغلاق العام التي رافقت انتشار فيروس كورونا؛ قد ساهمت في إعطائنا فرصة لتغيير الطريقة التي ندير بها البيئات المحمية وكيفية استخدامها؟
الفوائد البيئية لإغلاق المتنزهات
أبلغ العديد من الأشخاص عن رؤية الحيوانات البرية بشكلٍ أكثر من المعتاد في كندا مثلاً. يقول «كول بيرتون»، عالم الأحياء في جامعة كولومبيا البريطانية: «جائحة كورونا أتاحت أمامنا فرصة جيدة لدراسة كيفية استجابة الحيوانات لتقليل نشاط الإنسان الترفيهي المتعلّق بزيارة المنتزهات والمحميات». قد التقطت كاميرات المراقبة في منتزه «جولدن إيرز بروفينشيل» في كولومبيا البريطانية لقطاتٍ مذهلة غير مألوفة للحيوانات البرية، بما في ذلك لقطات للكوجر، والدببة تتجول بحرية، وقد لاحظ الحرّاس أن بعض الحيوانات أصبحت أكثر نشاطاً خلال النهار أيضاً.
https://www.instagram.com/p/B_iIOAMgGbf/?utm_source=ig_embed
وقد لاحظ الموظفون في منتزه «يوسمايت» الوطني في كاليفورنيا -الذي شهد إصابة 400 دبّ في حوادث تصادمٍ بالسيارات منذ عام 1995- انخفاض الضجيج وتلوّث الهواء، وزيادة في ظهور الحيوانات الضخمة في المساحات الخالية والمفتوحة في المنتزه. ورداً على سؤالٍ حول ردّ فعل الحيوانات على غياب البشر وإغلاق المنتزه، تقول الحارسة في المنتزه «كاتي باتريك»: «على الأغلب؛ ربما كان لديهم حفلة خلال غيابنا».
في سريلانكا، أدى إغلاق المنتزهات إلى توفير قدر أكبر من الحرية للحيوانات التي تعاني من الإجهاد بسبب الطلب الكبير على زيارتها والتغذية غير المنتظمة الناجمة عن ذلك. وقد حث الخبراء هناك السلطات على استخدام عمليات الإغلاق لإحداث نقلة نوعية في قطاع سياحة الحياة البرية في البلاد. وتشمل الاقتراحات اقتصار السياحة الراقية على عددٍ محدد من المنتزهات، وتحويل مسار الزيارات إلى مناطق أقل احتكاكاً بالحيوانات، والحد من دخول المركبات.
منتزهات صحية، أشخاص أصحاء
ازداد الوعي بالفوائد الصحية للمتنزهات والمناطق الطبيعية على مدار السنوات العشرين الماضية. في أوائل العقد من القرن الحادي والعشرين، انخفضت معدلات الزيارة إلى المتنزهات ومناطق الحفظ على الصعيد العالمي، مما أدى إلى مخاوف من إصابة الناس بـ «اضطراب نقص الطبيعة»، وهو مصطلحٌ صاغه «ريتشارد لوف» في كتابه «الطفل الأخير في الغابة». حيث يلقي لوف باللائمة حول هذا الاضطراب على فصل الناس عن الطبيعة، ويجادل أنّ ذلك يؤدي إلى تدني نوعية صحة الناس العاطفية والجسدية، بما في ذلك إصابتهم بأمراض السمنة والتوتر، والاكتئاب.
لقد تبنى العديد من مدراء المنتزهات الطبيعية مفهوم اضطراب نقص الطبيعة على نطاق واسع، حيث ساعد في اعتبار المنتزهات الطبيعية مواقع مهمة لتعزيز الصحة العامة. على سبيل المثال، أطلقت منتزهات مقاطعة فيكتوريا في أستراليا حملة «متنزهات صحية، أشخاص أصحاء» عام 2000؛ لتشجيع الاتصال بين البيئة الصحية والمجتمع الصحي. ومنذ ذلك الحين أصبحت هذه الحملة نموذجاً يُحتذى به وسائداً في إدارة المتنزهات حول العالم.
في عام 2006، أطلق مجلس منتزهات كندا استراتيجية جديدة حملت اسم «صحي بطبيعته»، وشجعت الكنديين على زيارة المنتزهات كوسيلة لـ «تعزيز اتصال الكنديين بالطبيعة». تعتمد هذه المقاربة على فكرة أن زيارة المنتزهات الصحية يمكن أن تعزز صحّة الإنسان، ويمكن تعزيز صحّة المنتزهات من خلال الدعم المتولد عن هذه الزيارات.
منتزهات غير صحية، أشخاص غير أصحاء
ارتفع عدد زوار المنتزهات الوطنية في أميركا الشمالية. ففي الولايات المتحدة، ازدادت عدد الزيارات إلى المنتزهات الوطنية إلى 331 مليون زيارة عام 2016، بزيادة بلغت نسبتها 18% مقارنة بعام 2011. وشهدت كندا كذلك زيادةً كبيرة أيضاً في عدد الزيارات بلغت 15.5 مليون زيارة عام 2016 بزيادة بلغت 15% مقارنة مع عام 2011.
لكن العديد من الانتقادات وُجهت إلى مجلس المنتزهات الكندية «باركز كندا» بسبب تركيزه على زيادة الزيارات على حساب السلامة البيئية. فقد انخفض الإنفاق على جهود حفظ الأنواع من 161 مليون دولار إلى 99 مليون دولار في الفترة بين 2005- 2015، أي بنسبة 13% من ميزانية إدارة المنتزهات الكندية. وفي الوقت نفسه، ازداد الانفاق من 163 مليون دولار إلى 204 ملايين دولار على زيادة أعداد الموظفين الموكلين بتحسين «تجربة الزائر».
وقد أظهر تقييم حديث للمنتزهات الكندية زيادة كبيرة في انتهاكات القواعد، مع وجود ارتباط قوي مع ارتفاع عدد الزوار في الموقع. علاوة على ذلك، وجد تقرير حالة المنتزهات لعام 2016 أن 46% من النظم البيئية للمنتزهات الوطنية في كندا كانت في حالة مقبولةٍ إلى حدٍ ما أو سيئة. وبالرغم من أن هذه الأرقام تشير إلى تحسن طفيف مقارنة بعام 2011، إلا أن المؤشرات في برنامج الرصد الذي تقوده منظمة -اختصاراً- «سباوس» غير الربحية أظهرت انخفاضاً في التقييم بنسبة 28% عن الأرقام السابقة، مما أثار شكوكاً حول الدقة العلمية لنظام إعداد التقارير.
عندما فُرضت إجراءات الإغلاق بسبب جائحة فيروس كورونا، شجّع المعلقون الناس على السعي للخروج إلى الطبيعة والمنتزهات لما لها من فوائد صحية عليهم. ونظراً لازدياد عدد الزيارات إلى المنتزهات، وبالتالي كونها أصبحت تشكّل تهديداً للصحة العامة بعد أن كانت مواقع لتعزيزها، أصدرت السلطات قرارات بإغلاقها شملت كافة أرجاء أميركا الشمالية.
المنتزهات وصحة الكوكب
وجد تقرير عام 2015 الصادر عن لجنة «لانسيت للصحة الكوكبية» أن المكاسب الأخيرة في الصحة العامة (ارتفاع متوسط العمر المتوقع، وانخفاض معدلات الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة) ترافقت مع فقدان التنوع البيولوجي والتدهور البيئي. لذلك طوّرت اللجنة مفهوم «الصحة الكوكبية» لتوجيه الانتباه إلى الروابط المعقدة بين «صحة الحضارة الإنسانية وارتباطها بحالة النظم الطبيعية التي تعتمد عليها».
في حين أن البعض دعا «باركس كندا» للعودة لأداء مهمتها في حماية السلامة البيئية، نحتاج إلى تجاوز النقاش العقيم حول الاستخدام مقابل الحفظ. في الواقع، توفر ظروف الإغلاق الحالية فرصة لإحداث ثورةٍ حقيقية في حفظ الأنواع وإدارة المتنزهات.
إن تبني إطار عملٍ للصحة الكوكبية يهدف إلى تحقيق التوازن بين الرفاه البشري وصحّة البيئة، والبناء على الشراكات الناشئة مع المجتمعات المحلية، وتعزيز النهج المبتكرة للحفظ الذي تشترك به الشعوب الأصلية، سيكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه.