«أردنا معرفة مقدار الفرق الذي يمكننا تحقيقه لإظهار التزامنا باتفاقية باريس للمناخ؛ عبر تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة إذا استبدلنا كلّ مزارع الأبقار والأغنام في نيوزيلاندا بزراعة محاصيل مختلفة من القنب والقمح والشوفان وغيرها، أو زراعة الغابات. بالتأكيد، يمكننا بسهولة أن نصبح دولة محايدة للكربون (لا نتسبب بانبعاثات الكربون)، ولكن ما هي كمية الأكسجين التي ستنتجها النباتات البديلة؟ وكيف ستعوّض انبعاثاتنا؟ وماذا لو أعدنا زراعة الأرض التي كانت ترعاها الحيوانات بأصناف الأشجار المحلية أو حتى زراعتها بأشجار الصنوبر؟»
هذا سؤال مثير للاهتمام حقاً، ويمنحني الفرصة لتطبيق بعض النماذج الحسابية، وإن كانت غير واقعية جزئياً. قبل أن أبدأ، أود الإشارة إلى نقطتين أساسيتين تتعلقان بالسؤال نفسه.
أولاً: بقيت تراكيز الأكسجين الذي نتنفسه في الهواء مستقرة نسبياً عند حوالي 21% لملايين السنين، ولن تتغير هذه التراكيز معنوياً حتى لو زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لعدة سنوات قادمة. في الواقع، لن تصل تراكيز ثاني أكسيد الكربون -حتى في أكثر سيناريوهات الإنبعاثات تشاؤماً- إلا إلى حوالي 0.1% من الغلاف الجوي، وهي بالكاد تؤثّر على محتوى الغلاف الجوي من الأكسجين.
ثانياً؛ تتسبب تربية الماشية كالأبقار والأغنام بانبعاثاتٍ كبيرة من غاز الميثان، وهذا يضرّ المناخ تحديداً وليس المراعي بحدّ ذاتها. سيكون بمقدور مزارع القنّب أو القمح امتصاص نفس القدر من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه المراعي، لكن زراعة الأشجار هي ما يحدث الفرق المنشود.
في ما يلي حساب تقريبي يُظهر كيفية تغيّر توازن الكربون في نيوزيلندا إذا أُزيلت جميع مزارع الماشية، وحُولت جميع الأراضي الزراعية إلى غابات.
اقرأ أيضا: أسباب حدوث الهزات الأرضية.
تحويل المراعي إلى أشجار
سيؤدي ذلك إلى التخلص من جميع انبعاثات الميثان الناتجة عن تربية الماشية (حوالي 40 ميجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً).
يوجد في نيوزيلندا حوالي 10 مليون هكتار من المراعي. دعونا نفترض أن غابات الأشجار الأصلية المحلية، أو غابات الصنوبر الناضجة تخزن ما يعادل 1000 طن من ثاني أكسيد الكربون في الهكتار الواحد تقريباً.
إذا كان الوقت اللازم لزراعة وتنمية غابة من الأشجار الأصلية على الأراضي الزراعية السابقة يصل إلى 250 سنة، ستبلغ كمية ثاني أكسيد الكربون المُحتجزة فيها حوالي 10 مليار طن خلال تلك الفترة الزمنية، مما يعوّض انبعاثاتنا من غاز الكربون (الناجم عن استهلاك الطاقة وغيرها من مصادر أخرى) خلال تلك المدة. لكن نظراً لسرعة نمو غابات الصنوبر، فإننا بزراعتها سنعوض كمية أكبر من انبعاثاتنا إلى أن تنمو الغابة (خلال 50 عاماً)، مما يساعد على التخلص من كمياتٍ أكبر من غاز الكربون.
ينبغي ملاحظة أن هذه الحسابات تستند إلى افتراضاتٍ مثالية جداً، كنمو الغابة المثالي واستبعاد الحرائق والمشاكل الأخرى، وتزايد انبعاثاتنا (سيزداد عدد السكان، وبالتالي ستزداد معهم الانبعاثات)، بالإضافة إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار مشاكل التربة وغير ذلك الكثير أيضاً.
إذا اُستخدمت الأراضي الزراعية التي كانت مرعى للماشية لزراعة المحاصيل، فنوفر 40 ميجا طن من غاز الميثان (مكافئ ثاني أكسيد الكربون المنبعث من الماشية)، لكننا بالمقابل لن نحتجز ما يكفي من الكربون في كل هكتار.
خطوات نحو نيوزيلندا محايدة الكربون
كيف ينبغي أن نفسر هذه الحسابات التقريبية؟ أولاً: يجب أن نعترف، حتى مع أفضل نوايانا، أننا ما نزال بحاجة إلى الغذاء، وتحويل جميع الأراضي الزراعية إلى غابات سيجعلنا نستورد الغذاء من الخارج- وذلك بالتأكيد ليس أمراً جيداً لميزانية الكربون العالمية.
ثانياً: تُظهر التقديرات أنه إذا خُفضت أعداد الماشية وتحولنا جميعاً للاعتماد أكثر على الأغذية نباتية المصدر، يمكننا تخفيض انبعاثاتنا بشكلٍ كبير ومؤثر. سيكون التأثير مشابهاً لأثر إعادة تشجير أجزاء كبيرة من البلاد.
ثالثاً؛ يوضح هذا المثال أيضاً أنه في النهاية، سواء بعد 250 عاماً في حالة زراعة غابات الأشجار المحلية، أو بعد حوالي 50 عاماً في حالة غابات الصنوبر، سيكون صافي انبعاثاتنا من الكربون إيجابياً مرة أخرى. فمع نضوج الغابات، ستصل إلى طاقتها العظمى تدريجياً في تخزين الكربون، ولن تعمل على تعويض انبعاثاتنا بعد ذلك. ستصبح الغابات في النهاية محايدةً للكربون.
بالرغم من أن الحسابات التي أتينا على ذكرها أعلاه هي تقريبية، إلا أنها تُبين أن الطريقة الواقعية والسريعة للوصول إلى نيوزيلندا محايدة للكربون تتكون من 3 خطوات على الأرجح، وهي الحدّ من الانبعاثات (في قطاعي الزراعة والطاقة) وإعادة التشجير (زراعة أصناف الأشجار المحلية أو المُدخلة)، والاعتماد أكثر على الأغذية نباتية المصدر.