هذا الخريف، قد تبدو الجامعات غريبة للغاية بالنسبة للطلاب، حيث تغيب الأنشطة الجامعية الاعتيادية. ومع عودة نحو 20 مليون طالب جامعي للدوام الدراسي سواءً عن بُعد أم في جامعاتهم، فهم لا يخاطرون بصحتهم والتعرض للإصابة بفيروس كورونا فحسب، بل سيصبحون أيضاً عرضة للوقوع في أزمات متعلقة بالصحة النفسية.
إن الأجواء الجامعية الاعتيادية ليست عاطفية فحسب، بل مُستَنزِفة، وهذا يفرض تحديات في التكيّف بالنسبة للطلاب خلال الجائحة. يقول «مارتن سكانبرو بيكر»، أستاذ مساعد في الخدمات النفسية والاستشارية في جامعة ولاية فلوريدا ستيت: «يجب أن يجد الطلاب الوقت ليدرسوا، ويحصلّوا نتائج جيدة، وينخرطوا في تشكيل العلاقات الاجتماعية، وبرامج التدريب العملي واكتشاف ذواتهم». ويضيف: «ستتعطل كل هذه الأنشطة على الأرجح بسبب التباعد الاجتماعي، والضغط النفسي».
حتى بغياب الجائحة، يجد العديد من طلاب الجامعات أنفسهم غارقين في الاكتئاب والقلق، لدرجة أن بعض الخبراء أصبحوا يدعون هذه الظاهرة بـ «جائحة الأمراض النفسية». بيّن استطلاع أجرته «ذا أميريكان كوليج هيلث أسوسياشن» العام الماضي أن 60% من طلاب الدراسات العليا يعانون من «قلق غامر»، وبيّن استطلاع سنة 2018 أن 40% منهم بلّغوا عن أنهم يعانون من الاكتئاب لدرجة جعلتهم يواجهون صعوبات في أداء وظائفهم الاعتيادية في بعض الأحيان. يقول «سكانبرو بيكر»: «الطلاب الذين كانوا يعانون من التوتر قبل تفشي جائحة كورونا هم أكثر عرضة الآن للإصابة بالاكتئاب».
الآن، وبعودة الطلاب إلى الأجواء الدراسية الجدّية؛ سيضطرون لمواجهة حقيقة أن الجامعات قد تغيّرت بسرعة بسبب كوفيد-19، مع وجود الدورات الدراسية عن بُعد، وإغلاق قاعات الأكل، وتعليق الأنشطة، والحد من التفاعل الاجتماعي.
تقول «ليندزي أوبرلايتنر»، أستاذة علم النفس في جامعة غرب ولاية كونيتيكت: «ستبدو الأمور مختلفة بالنسبة للطلاب سواء اختاروا العودة إلى حرم الجامعة أو الدراسة عن بُعد».
على الرغم من كل التغيرات الشديدة، يستطيع الطلاب اتخاذ بعض الخطوات البسيطة للحفاظ على صحتهم النفسية خلال الفصل الدراسي القادم.
1. حدد قواعداً للصحة والسلامة قبل الوصول للجامعة
لكل طالب طريقته الخاصة في التعامل مع خطر الجائحة. لذلك تأكد من تحديد مجموعة من القواعد الخاصة بك قبل الوصول إلى الجامعة. تقول أوبرلايتنر: «تختلف معايير الأمان من شخصٍ لآخر، ولا ضير في أن يمتلك أحدهم قواعداً أكثر أو أقل صرامة من قواعدك». التزم بمعاييرك الخاصة، فالتغيّب عن اللقاءات الشخصية مبرر تماماً، بل وينصح به أيضاً. تقول أوبرلايتنر: «عندما تقول لأحد الأصدقاء أنك لست مستعداً للقيام بنشاط ما، يجب أن تكون واثقاً منك».
يمكنك التدرب على الرد بالرفض أمام المرآة، أو مع أقرانك.
2. نظم حياتك باستخدام جداول المواعيد
عندما يبدو العالم متخبطاً وفوضوياً، قد يساعدك إنشاء جدول بسيط لمواعيد الدراسة، والتمرين والنوم، وتناول الطعام في تنظيم حياتك، كما يقول سكانبرو بيكر. ويمكن أن تساعدك بعض وسائل تنظيم الوقت المتاحة على الإنترنت في ذلك أيضاً. ولا مشكلة في كتابة ذلك باستخدام القلم ودفتر خاص أيضاً.
3. أنشئ علاقات مع أساتذتك وزملائك
مع تحول معظم الصفوف إلى نظام التعلم عن بُعد، قد يفقد الطلاب متعة الحوارات العفوية مع الأساتذة، أو الدردشات مع الزملاء خلال الدروس. لكننا لا نزال قادرين على الحفاظ على هذه العلاقات. تقول أوبرلايتنر: «لا ضير في إرسال رسائل إلكترونية للأساتذة، وإنشاء علاقات اجتماعية معهم. كل ما يحتاجه الأمر هو المبادرة».
إن إقامة جلسات دردشة مع الأساتذة والزملاء قد يشعرك بأنك على ارتباط مع الأشخاص الذين تقضي معهم الجزء الأكبر من يومك من خلال مكالمات الفيديو.
4. استغل موارد الجامعة المتعلقة بالصحة النفسية
تقدم معظم الجامعات مجموعة كبيرة من خيارات الرعاية الصحية عن بُعد مجاناً، سواء كانت استشارة، أو علاجاً، أو مساعدة نفسية. يستطيع أي طالب -بل وينبغي عليه- استغلال هذه الموارد. يقول سكانبرو بيكر: «ليس بالضرورة أن تكون مصاباً بمرض نفسي للتحدث مع مستشار. يمكنك تحديد موعد للتحدث في أي موضوع كان»، حتى محادثة بسيطة مع مستشار يمكنها أن تزيل همومك.
تحث «جينيفر روثمان»، وهي كبيرة المدراء في «ذا ناشيونال ألاينس أون مينتال إلنس»، إدارات وطلاب الجامعات ليتعلموا المزيد عن موارد الصحة النفسية الخاصة بجامعاتهم حتى يتمكنوا من توجيه الآخرين عند الحاجة.
5. امتنع عن استخدام الشاشات آخر النهار
ينجذب الجميع بشكلٍ هوسي إلى استخدام الشاشات، خاصة خلال فترة الحجر الصحي. ولكن الآن، نتيجة لأن الصفوف واجتماعات النوادي والجلسات الاستشارية والفعاليات الاجتماعية ستتطلب قضاء الوقت على الشاشات، فقد يؤذي الإجهاد الناتج عن هذا صحتك النفسية. يقول سكانبرو بيكر: «قضاء الوقت على الشاشات مرهق ومدمن. حدد موعداً وأطفئ فيه كل أجهزتك الإلكترونية».
حاول أن تتعامل مع فترة آخر النهار كفترة مقدسة، عن طريق إطفاء حاسوبك وإغلاق مكتبك، إذا كنت تمتلك واحداً.
6. مارس النشاطات الاجتماعية بحذر
إن البقاء في دائرة الأحداث ضمن مجتمعك الجامعي ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً بالنسبة للطلاب الذين يعيشون في بيئات منزلية غير آمنة أو مُعطِّلة. تقول روثمان: «حدد مواعيداً لاتصالات فيديو عبر تطبيقات مختلفة، أو خطط لإقامة مسابقات ترفيهية أو سهرات لمشاهدة برامج نتفليكس، واقضي وقتاً ممتعاً مع أصدقائك على الإنترنت».
يحث سكانبرو بيكر الطلاب على التواصل عن طريق مكالمات الفيديو والمكالمات الصوتية بدلاً من الرسائل النصية، وذلك للحصول على أكبر قدر ممكن من التواصل الاجتماعي. ويقول: «يجب أن تحصل على التواصل البشري الحقيقي. قد تشعر أحياناً أنك تتواصل بحق مع الأشخاص عندما تتبادل معهم الرسائل النصية، ولكن هذه الأخيرة ليست فعالة مثل المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو».
7. انتبه لمؤشرات ظهور الاضطرابات النفسية عند أصدقائك
يمكن أن تبدو علامات تراجع الصحة النفسية بالنسبة لمراقب خارجي إما واضحة أو مبهمة. تقول روثمان:«قد يشير التغير الجذري في الشخصية أحياناً إلى وجود مشاكل نفسية». تتضمن العلامات الأخرى الغياب عن الصفوف الدراسية، تراجع الدرجات، أو إهمال الواجبات.
إذا بدأ أحد أصدقائك بتعاطي الكحول أو أي نوع آخر من المخدرات بشكلٍ زائد، فهذا مصدر للقلق أيضاً. تأكد من أن توجه الأشخاص الذين يهمك أمرهم، والذين يعانون من هذه المشاكل، ليستخدموا الموارد الجامعية أو سبل المساعدة الأخرى.
8. حاول تقبل حقيقة أن الحياة الجامعية ستكون مختلفة
مع عودة الطلاب إلى الجامعات، يأمل الجميع أن الأمور ستعود كما كانت قبل الجائحة. تقول أوبرلايتنر: «كلنا نتمنى ذلك، ولكننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. سيكون العالم مختلفاً قليلاً، ولكن هذا ليس أمراً سيئاً». ستكون الظروف بعيدة جداً عن المثالية في الأشهر القليلة المقبلة، ولكن تقبل هذه الظروف، وحاول استغلالها بشكلٍ إيجابي. هذه هي الخطوة الأولى نحو قضاء أفضل فصل دراسي ممكن.