عقود من مكافحة الحرائق والظروف المناخية الدافئة وجفاف ولاية كاليفورنيا، هذه العوامل جعلت الولاية أكثر عرضة للحرائق الكارثية. على الرغم من أن سنة 2019 شهدت عدداً أقل من الحرائق مقارنة بالعامين السابقين -حيث شهدا أكثر حرائق مدمرة في تاريخ الولاية- لكن خطر الحرائق ما يزال موجوداً.
من ثلاثينيّات إلى سبعينيات القرن الماضي، أخمدت دائرة الغابات في الولايات المتحدة كل الحرائق التي وقعت في الأراضي المسؤولة عنها، واتّبعت الجهات الحكومية أيضاً نفس النّهج. ولكن أدرك حينها المسؤولون أن إطفاء كل الحرائق غطّى الجبال بأوراق الشجر الميتة، والأغصان، والصفوف الكثيفة من الأشجار؛ حيث ساعدت الحرائق على الانتشار بشكلٍ كبير زاحفةً من الأرض إلى قمم الأشجار. تكيفت العديد من الأنظمة البيئية بطريقة تجعلها تقاوم وتستفيد من الحرائق التي تشتعل من وقتٍ لآخر، والتي تفتح المجال لوصول كمية أكبر من ضوء الشمس إلى أرضيات الغابات، وتزود التربة بالمغذيات، وتقلل ظهور الآفات والأمراض.
لهذا السبب، يحاول المسؤولون في ولاية كاليفورنيا والغرب الأميركي إعادة الغابات إلى حالةٍ أكثر طبيعية، باستخدام عدة طرق مثل تخفيف الغابات (إزالة الأشجار) أو الحرائق المدروسة (المفتعلة). ولكن بينت دراسة نُشرت في 20 يونيو/ حزيران الماضي في دورية «نيتشر سستينابيليتي» أننا لم نحرق بعد كمية تكفي للتخلص من وقود الحرائق (الأخشاب والمواد النباتية الأخرى القابلة للاشتعال)، والتي تراكمت على مر العقود. يعود ذلك إلى مجموعة من المخاطر، والقيود القانونية، وعدم كفاية الموارد.
تقول «ريبيكا ميلر»، عالمة بيئية في جامعة ستافورد: «يمكننا تحسين حالة ما يصل إلى 20 مليون فدان من الغابات عن طريق الحرائق المدروسة، وتخفيف الغابات، وإدارة الحرائق الطبيعية، لا يوجد حل للمشكلة في كاليفورنيا لا يتضمن حدوث الحرائق».
بعد مواسم الحرائق في عامي 2017 و 2018، بدأت تراود ميلر شكوك حول المعوقات التي تحول دون تطبيق الحرائق المدروسة والآليات الوقائية الأخرى. على الرغم من أن فوائدها معروفة من عقود (فيديو من دائرة الغابات حول الموضوع)، إلا أن ولاية كاليفورنيا تباطأت في تبني هذه الآليات على نطاقٍ واسع.
للتحقيق في هذا الموضوع، قابلت ميلر وفريقها 45 شخصاً بين موظفين حكوميين ومشرّعين حكوميين، وممثلين لمنظمات غير ربحية وأكاديميين. كما راجعوا رُخص أقامة الحرائق المدروسة التي مُنحت لـ «مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا»، وبحثوا عن مشاريع قرارات تخص حرائق الغابات، وإزالة الأشجار، والحرائق المدروسة في الجلسات التشريعية الحكومية الممتدة بين 2017 - 2018.
أظهرت النتائج العوائق التي تقف في طريق إحداث الحرائق المدروسة الضرورية. فمن سنة 2013 وحتى 2018، تضاعفت المساحة المخطط لحرقها، ولكن حُرق حوالي نصف هذه المساحة فقط. في سنة 2018، حُرق ما يصل إلى 17933 فدان، ما يقابل كمية من الوقود تمثل جزءاً صغيراً من المواد المتراكمة في غابات كاليفورنيا.
يخشى المسؤولون الحكوميون وملاك الأراضي من مخاطر الحرائق المدروسة، إذ أنها يمكن أن تنتشر خارج الأماكن المخطط لها. وهذه حالة نادرة الحدوث (نسبتها أقل من 2% وفقا لنفس الدراسة)، لكن غالباً ما يواجه المسؤولون عنها عقاباً قاسياً. وضّح موظفو الغابات الحكوميون والفدراليون لميلر أنهم يضطرون للتعامل مع آراء الناس السلبية حول فكرة الحرائق المدروسة. مع ذلك، وكما بينت ميلر في الدراسة، تشير أبحاث حديثة أن الناس بدأوا بتقبّل هذه الفكرة؛ تقول: «أعتقد أن هناك تفاوت طفيف بين ما نتوقعه عن قناعات عامة الناس، وقناعاتهم الفعلية».
وجدت ميلر أيضاً أن بعض القوانين أعاقت عملية إدارة الغابات. إذ يحتاج أي شخص يرغب في إحداث حريق مدروس للحصول على موافقة من مسؤولي جودة الهواء المحليين، ويحتاج أيضاً إلى تجهيز تقرير حول الآثار البيئية للحريق. تحدد مجالس سلامة الهواء المحلية أوقاتاً معينة تسمح فيها بإحداث الحرائق، وتمتلك السلطة لإيقاف الحرائق إذا قدّرت أن الدخان سيؤثر عن جودة الهواء. كما أن التقارير البيئية مكلفة ومستهلكة للوقت، وأخبر موظفون حكوميون ميلر أنه في بعض الأحيان، انتهت مدة صلاحية عقود معالجة الغابات خاصتهم قبل أن تتم الموافقة على التقارير.
هناك مشكلتان أيضاً وهما: التوظيف والتمويل. يأتي تمويل عمليات الوقاية من الحرائق عادة من نفس الميزانية المخصصة لإخمادها، مما لا يترك ما يكفي من المال لتنفيذ الإجراءات الوقاية، كما يبين بعض الموظفين الفدراليين. بالإضافة إلى ذلك، صرّح المسؤولون الحكوميون وملّاك الأراضي أنهم يواجهون صعوبة في استخدام فِرق الحرائق المدروسة. وكما ذكرت ميلر في الدراسة: «العديد من فرق إخماد الحرائق في كاليفورنيا هم موظفون موسميون وليسوا دائمين، ويعملون خلال أشهر الحرائق الشديدة بدلاً من الأشهر المناسبة لإحداث الحرائق المدروسة».
يقول «مالكوم نورث»، وهو عالم بيئي متخصص بالحرائق يعمل لصالح دائرة الغابات وفي جامعة كاليفورنيا في دايفيس، وكان أحد المراجعين المجهولين للدراسة: «أعتقد أن هذه دراسة جيدة جداً تنظر إلى المشكلة من عدة جهات. يجب أن تدعم الجهات الحكومية اتّخاذ القرارات الصعبة لاستخدام الحرائق». يضيف نورث تغييران قانونيان قد يساعدا في حل المشكلة، وهما: إعفاء الحرائق المدروسة من ضرورة تحقيق تعليمات جودة الهواء، وتخفيف العواقب الائتمانية المرتبطة بتسرب الحرائق المدروسة لتشجيع الناس على إحداثها».
هناك بعض التغيرات الإيجابية المقبلة. إذ باتت تقدّم ولاية كاليفورنيا برنامجاً تدريبياً معتمداً لملّاك الأراضي خاص بالحرائق المدروسة. وترفع شهادة هذا البرنامج عن مالكها المسؤولية المالية لتسرب الحرائق. وقّع المحافظ السابق «جيري براون» أمراً تنفيذياً في 2018 تضمن دعم توعية الجماهير في موضوع إدارة الحرائق. كما يعمل برنامج «كاليفورنيا فيجيتيشن تريتمنت» حديث الإطلاق لتبسيط عملية إعداد التقارير البيئية الخاصة بتخفيف الغابات والحرائق المدروسة.
هناك المزيد من المهام التي يجب إنجازها. تبين ميلر أن الانبعاثات الناتجة عن حرائق الغابات لا توثق في السجلات الحكومية، على عكس انبعاثات الحرائق المدروسة. وتقول: «إذاً، تتجاهل الجهات الحكومية القوانين المتعلقة بالانبعاثات عندما يتعلق الموضوع بحرائق الغابات، وتفعل عكس ذلك عندما يتعلق بالحرائق المدروسة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار انبعاثات حرائق الغابات، فسيصبح من الواضح أن إحداث الحرائق المدروسة أمر مفيد، وذلك لأن انبعاثاتها أقل بكثير». كما وجدت إحدى الدراسات، فإن حرائق الغابات الطبيعية تلوث الهواء أكثر بكثير من الحرائق المدروسة.
إن أهم درس يجب أن نتعلمه من ميلر هو أننا نحتاج لأن نفكر في موضوع الحرائق كل الوقت، وليس فقط عند وقوع حرائق كارثية عبر الولاية. تقول ميلر: «يجب أن يفكر المشرعون بهذا الموضوع كل يوم، أتمنى أن تساعد نتائج البحث صنّاع القرار في تحديد العوائق والفرص الخاصة بعملية معالجة وقود الحرائق، وخاصة الحرائق المدروسة».