هل نعيش في محاكاة؟ سؤال ورد من كانشيك، 9 سنوات ضمن سلسلة أطفال فضوليين، يجيب على هذا السؤال «سام بارون»، الأستاذ المشارك في الجامعة الكاثوليكية الأسترالية.
مرحباً كانشيك. شكراً على سؤالك المهم للغاية.
في البداية سأقوم بطرح سؤالك بصيغةٍ مختلفة بعض الشيء. لنفترض أن هذه الكائنات الغريبة عنا تملك حاسوباً تُجري عليه عملية «المحاكاة» على كوننا. عوالم المحاكاة هي عوالم تخيلية، تشبه إلى حدٍ ما عوالم لعبتي «ماينكرافت» أو «فورتنايت»، حيث أن كلا اللعبتين محاكاةٌ قمنا نحن البشر بإنشائها.
إذا فكرنا في الأمر على هذا المنوال، سيساعدنا ذلك أيضاً على افتراض أن هذه «الكائنات» تشبهنا، أي يجب أن تفهمنا على الأقل كي تتمكن من تطبيق المحاكاة علينا. والآن، لنضيّق السؤال قليلاً: «هل من الممكن أننا نعيش في محاكاة حاسوبية تديرها كائنات مثلنا؟». كان «نيك بوستروم»، الفيلسوف السويدي في جامعة أوكسفورد، هو أول من فكّر ملياً بالإجابة عن هذا السؤال، ويجادل بأن الإجابة عليه هي «نعم».
ولا يعتقد بوستروم أن ذلك ممكن فحسب، بل إنه يعتقد أن هناك احتمالاً مقبولاً بأنه صحيح. تُعرف نظرية بوستروم باسم «فرضية المحاكاة».
عالم محاكاة يشبه الواقع
أريدك أن تتخيل أن هناك العديد من الحضارات مثل حضارتنا تنتشر في جميع أنحاء الكون. تخيل أيضاً أن العديد من هذه الحضارات قد طورت تقنية متقدمة تسمح لهم بإجراء محاكاةٍ حاسوبية في وقت ما في الماضي (أي قبل أن يطوروا التكنولوجيا).
سيكون الأشخاص في هذه المحاكاة مثلنا تماماً، أي كائنات واعية ومدركة لمحيطها، يمكنها اللمس والتذوق والتحرك، والشم والشعور بالسعادة والحزن. ولكنها غير قادرةٍ بأي طريقة على إثبات أنهم يعيشون في محاكاة حاسوبية، ولا يملكون أي طريقةٍ للخروج منها.
لا تراهن كثيراً
وفقاً لفرضية بوستروم، إذا كان هؤلاء الأشخاص المحاكين (والذين يشبهوننا كثيراً) لا يدركون أنهم في محاكاة، فمن الممكن أن تكون أنت أو أنا أحدهم أيضاً. حسناً، لنفترض الآن أننا لسنا في محاكاة، وأنت تخمّن أننا كذلك فعلاً. فمن كان تخمينه أفضل؛ أنا أم أنت؟
لنفترض أن هناك ماضٍ «حقيقي» وحيد فقط. لكن هذه الكائنات المتطورة تجري أيضاً العديد من عمليات المحاكاة في الماضي، أو لنقل أنهم أنشأوا نسخاً مختلفة من المحاكاة. أي يمكنهم إجراء عددٍ غير محدد من عمليات المحاكاة (لكن لا يغير ذلك النقطة التي يحاول بوستروم توضيحها). ولكن دعنا نفترض أنهم يُجرون الآن 200 ألف عملية محاكاة. ستكون لعبة التخمين هذه مشابهةٍ إلى حدٍ ما لعبة رمي نردٍ يمتلك 200 ألف جانب.
عندما أخمن أننا لا نعيش في عالم محاكاة، فأنا أراهن على أن النرد سيقف على رقمٍ محدد (وليكن الرقم 2 مثلاً)، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سوى حالةٍ واحدة حقيقية يمكن ألا تتم فيها محاكاتنا، وذلك يعني أن باقي الاحتمالات هي أننا في محاكاة، وهو ما تخمنه يا كانشيك. وبذلك، سيكون احتمال تحقق رهانك أكبر بكثير من رهاني.
هل نعيش في محاكاة إذاً؟
هل يعني ما سبق أننا في محاكاة؟ ليس تماماً. في الواقع، ستكون الاحتمالات ضد تخميني في حالة افترضنا وجود هذه الكائنات الغريبة فقط، وأنها تقوم بعملية المحاكاة بالفعل.
ولكن، ما هو احتمال وجود كائنات متطورةٍ جداً إلى درجةٍ يمكنها إجراء عمليات محاكاة على أشخاصٍ «واعين» مثلنا في المقام الأول؟ افترض أن هذا غير مرجح للغاية، وبالتالي من غير المحتمل أيضاً أن يكون عالمنا مجرّد محاكاة.
وأيضاً، ما هو احتمال قيام هذه الكائنات بمحاكاة عالمنا حتى لو كانت تستطيع القيام بذلك؟ ربما ليس لديهم مصلحةٌ بذلك. وذلك يقودنا إلى نفس النتيجة، أي أنه من غير المحتمل أن عالمنا هو محاكاة.
الاحتمالات المتاحة
لدينا إذاً 3 احتمالات.
- هناك كائنات متقدمة تقنياً يمكنها -وتقوم بذلك فعلاً- بتشغيل العديد من عمليات المحاكاة لأشخاص مثلنا (ومن المحتمل أن نكون من بينهم).
- هناك كائنات متقدمة تقنياً يمكنها إجراء عمليات محاكاة لأشخاص مثلنا، لكن لا تفعل ذلك لسببٍ ما.
- أما الاحتمال الثالث فهو عدم وجود كائناتٍ متقدمة تقنياً إلى درجةٍ يمكنها إجراء محاكاةٍ لأشخاص وعوالم مثل عالمنا.
لكن هل هذه هي الاحتمالات الوحيدة المتاحة حقاً؟ يبدو أن الإجابة هي «نعم».
قد تختلف معي حول طرح نظريةٍ واحدة فقط من بين العديد من النظريات التي تثبت أن كوننا ليس محاكاة. على سبيل المثال، ماذا لو كان سبب وجودنا جميعاً يعود إلى الانفجار العظيم (كما يقترح العلم)، وليس بسبب محاكاة. تلك فكرةٌ مثيرة للاهتمام، ولكنها تتفق مع الاحتمالين الثاني والثالث في فرضية المحاكاة، أي أننا لسنا في محاكاة. لذلك تضعنا فرضية المحاكاة أمام 3 احتمالاتٍ فقط، ويجب أن يكون أحدها صحيحاً.
ولكن، ما هو الاحتمال الصحيح؟ لسوء الحظ؛ لا نمتلك أدلةً كافية تساعدنا في اتخاذ القرار.
مبدأ عدم الاختلاف
عندما نواجه مجموعة من الخيارات، ولا توجد أدلة كافية لتفضيل أحدها على الآخر، يجب أن نعطي لكل منها «مصداقية» أو احتمالاً متساوياً حول صحة أيّ منها. وعموماً، تعني مصداقية افتراضٍ ما مدى احتمال كونه صحيحاً بناءً على الأدلة المتاحة.
إن إعطاء مصداقية متساوية للاحتمالات التي تطرحها فرضية المحاكاة يشبه ما يسميه الفلاسفة «مبدأ عدم الاختلاف». إليك المثال التالي لشرح هذا المبدأ: لنفترض أنك وضعت قطعة من الحلوى على مكتبك وغادرت الغرفة. لكنك عندما تعود، لا تجدها على المكتب، اختفت تماماً. يوجد في الغرفة معك 3 أشخاص، كلهم غرباء عنك.
ستبدأ في محاولة معرفة من أخذ قطعة الحلوى. أنت تعلم أن شخصاً ما في الغرفة قد أخذها، وتعلم أيضاً أن أحد الأشخاص في الغرفة قد ضُبط وهو يسرق الحلوى من زملائه في السابق، وبناءً على ذلك، يمكنك تخمين أن هذا الشخص تحديداً هو من أخذ قطعة الحلوى الخاصة بك. ولكن، لنفترض مثلاً أنك لا تعرف أي شيءٍ عن الأشخاص الثلاثة في الغرفة.
هل سيكون من العدل اتهام أي شخص على وجه الخصوص؟ طبعاً لا.
كوننا يتوسع
وهذا هو الحال مع جدلية المحاكاة. ليس لدينا معلومات كافية لمساعدتنا في الاختيار من بين الخيارات الثلاثة. ما نعرفه هو أنه إذا كان الخيار الأول صحيحاً، فمن المحتمل جداً أننا نعيش في محاكاة. لكن الخيار الثاني والثالث ينفيان هذا الاحتمال. وبالتالي، تشير فرضية بوستروم إلى أن احتمال كوننا نعيش في محاكاة هي 1 من 3 تقريباً.
ولإعطاء فكرة أوضح حول هذا الأمر، يجب أن يكون احتمال ظهور الشعار عند سقوط العملة المعدنية بعد رميها مساوياً 1 من 2، ويجب أن يكون احتمال فوزك في بالجائزة الكبرى في أكبر يانصيب في العالم مساوياً حوالي 1 إلى 300 مليون (طبعاً إذا كنت تعتقد أنه لا يتم التلاعب بها).
إذا كانت هذه الأرقام الضخمة تجعلك متوتراً بعض الشيء، فيجدر بنا أن نتذكر أننا قد نحقق اكتشافاتٍ في المستقبل يمكن أن تغير احتمالية تصديق أو تفضيل فرضيةٍ على أخرى. ومع ذلك، حتّى ماهية ما سنكتشفه، وكيف يمكننا اكتشافه لا يزال غير معروفٍ حتى الآن.
اقرأ أيضاً: خبر سار: نحن على الأرجح لا نعيش داخل محاكاة حاسوبية
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً