يبدو أن كل الناس لديهم رأي حول مرق العظم. يُقدّم هذا السائل المالح الشائع اليوم مقابل أسعار عالية في المطاعم، لكنه لا يبدو مختلفاً جداً عن الأصناف المعلبة التي يمكنك إيجادها في المتاجر المحلية الكبيرة.
بالنسبة للبعض، مرق العظم هو حلٌ لكل العلل الجسدية، من علاج «التسرّب المعوي» (النفاذية المعوية)، إلى تقوية المفاصل، إلى تليين البشرة. منذ أن دخل هذا السائل ساحة العناية بالصحة قبل بضع سنوات كالمشروب الصحي الشتوي المثالي، يمكنك الآن أن تجده بمختلف الأشكال والأنواع، من المُركّزات إلى المساحيق إلى ألواح البروتين. تشمل المكونات المفيدة لمرق العظم الكولاجين، الجلوتامين، الكالسيوم والفوسفور. وكلها من المفترض أن تعود بمنافع جمة على العقل والجسم.
في الحياة الواقعية، لن يوفر لك مرق العظم كل المغذيات التي تحتاجها. وقد يسبب طهيه باتّباع وصفات مختلفة إلى تغير نسب المكونات المرغوبة وغير المرغوبة على حد سواء، مثل الصوديوم. مع ذلك، فهذا السائل كان ولا يزال شائعاً جداً. إذ أن غلي العظام لتحضير المرق هو جزء من الأنظمة الغذائية منذ قرون.
تقول كريستين زوماس، مرشدة سريرية في طب العائلة والصحة العامة في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا: «لا أُفضّل أن أقول أن مرق العظم -أو أي نوع آخر من المرق- ليس له فائدة، لكنه ليس كما يسوّق له».
فوائد وأضرار مرق العظم
قبل أن نتعمق في فوائد وأضرار مرق العظم، من الضروري أن نعرف تماماً ما الذي نتكلم عنه. تقول توبي أميدور، أخصائية تغذية ومؤلفة كتاب طبخ من أكثر الكتب مبيعاً: «يحضّر هذا الطبق عن طريق غلي الخضار والعظام المُحمّرة (وأحياناً اللحم) ببطء لما يصل إلى 24 ساعة. بعد ذلك، يُصفّى المزيج ويُتبّل». مرق العظم شبيه للغاية بسائل الحساء، وهو يحضر بطهي الخضار وعظام الحيوانات معاً لحوالي 6 ساعات. تفيد أميدور بأنك ستحصل على المعادن والبروتين من كلا الوصفتين، لكنها ليست وصفات صحيّة بالدرجة التي قد تتوقعها. إذ أنها قالت: «الكثير من الادعاءات المتعلقة بمرق العظم ليست مدعومة بما يكفي من الأدلة العلمية».
يقول ماركو كانورا، الطاهِ الذي قدّم وصفة «مرق برودو» في ركن من مطعمه «هارث» في مدينة نيويورك لأول مرة في 2014: «بالطبع، مرق العظم مفيد ومغذي بقدر ما تفرض مكوناته. فالمرق المُحضر من نقع العظام بعناية مع الخضار العضوية على حرارة منخفضة مختلفٌ تماماً عن المرق الذي تشتريه من المتاجر أو الذي تحضّره باستخدام مكعبات أو مساحيق المرق الجاهزة». ويضيف أيضاً: «المرق هو من الأطباق الأساسية في مختلف الثقافات حول العالم منذ مئات السنين، وهذا يعني شيئاً، لكن هل تعلم ما الذي لم يكن موجوداً لمئات السنين؟ إنه مسحوق مرق العظم».
أحد أكثر المغذيات المرغوبة في مرق العظم ومشتقاته المعاصرة هو الكولاجين. وهو مكوّن أساسي للبشرة والغضاريف. نظرياً، الحصول على الكولاجين عن طريق شرب الحساء سيجعل بشرتك أكثر نضارة، ومفاصلك أكثر مرونة. ولكن كما سينصحك خبراء التغذية، فإن تناول شيء ما لا يعني أنه سيُحدث الأثر الذي ترغب به.
يفكك جسمك الطعام أثناء الهضم إلى مكوناته الأساسية. لذلك فإن كل الأحماض الأمينية التي تُشكِّل مجتمعةً الكولاجين تصبح مستقلة. هذه البروتينات تُستخدم في العديد من الوظائف، مثل التئام الجروح الداخلية. لذلك، بغض النظر عن مدى رغبتك بأن يغنيك الكولاجين عن إجراءات مكافحة الشيخوخة الأخرى، فقد لا يوافق جسمك على ذلك.
وفقاً لـ زوماس، هذا الأمر حسن بشكل عام. إذ أنه دون آلية الهضم هذه، فلن يحلل جسمك الكولاجين ويستخدمه حيث يلزم.
«نظرياً، الحصول على الكولاجين عن طريق شرب الحساء سيجعل بشرتك نضرة أكثر ومفاصلك أكثر مرونة. ولكن تناول شيء ما لا يعني أنه سيُحدث الأثر الذي ترغبه».
أحد الادعاءات الأخرى حول مرق العظم هو قدرته على الوقاية من التسرب المعوي. وهو موضوع نقاش مفضل يخص مرق العظم الخاص بـ كانورا. إذ يقول: «أعتقد اعتقاداً راسخاً أن قدرة أجسامنا على مقاومة أي علة تُعزز بامتلاك أمعاء صحيّة».
لكن هناك الكثير من الخبايا حول علاقة مرق العظم وصحة الأمعاء. أولاً، يجب على المرء أن يفهم فكرة «التسرب المعوي». يصف مارسيلو كامبوس -طبيب في جامعة هارفارد- هذه الحالة بأنها نفاذية عالية في الأمعاء، تسمح للسموم والطعام المهضوم جزئياً باختراق الأنسجة أسفل البطانة المعوية.
تبيّن أن هذه النفاذية العالية، والتي يمكن أن تنتج عن مختلف الأسباب من العوامل الوراثية إلى الأنظمة الغذائية السيئة إلى التوتر، تلعب دوراً في مشاكل معوية معديّة، ومن ضمنها الداء البطني وداء كرون، ومتلازمة القولون العصبي. هل يمكن لمرق العظم أن يقي من كل هذا؟
وفقاً لزوماس، فالجلوتامين (حمض أميني يوجد في مرق العظم) جُرّب على الفئران عدة مرات كحلٍ محتمل للتسرب المعوي، لكن الجهاز المعوي المعدي للقوارض مختلف عن نظيره عند البشر للغاية. لذلك، فإن هذا الحل لا يزال افتراضياً. تضيف أميدور أنه إذا شعرت بأنك بحاجة إلى عناية صحية بأمعائك، فسيكون من الحكمة أن تستشير طبيبك أولاً قبل أن تصف لنفسك تناول المرق يومياً.
وبما أننا نناقش الادعاءات حول مرق العظم، فإن أحد الادعاءات المثبتة نوعاً ما هو أن هذا السائل يشعرك بتحسن إذا كنت مصاباً بنزلة برد. وجدت إحدى الدراسات من سنة 2000؛ أن حساء الدجاج له تأثير طفيف مضاد للالتهاب يمكن أن يساعد في تخفيف وطأة التهابات الجهاز التنفسي العلوي. بينت دراسة أخرى سبقت الأخيرة بـ 20 سنة أن حساء الدجاج يساعد في التخلص من السوائل الأنفية بنحو أكثر فعالية من الماء الحار أو البارد. بالطبع، حساء الدجاج ليس مثل مرق العظم تماماً، لذلك كن مشككاً بهذه النتائج.
الشعور المريح المترافق مع تناول كوب من الحساء أو المرق قد يكون علاجاً وهمياً فعالاً أيضاً. ووفقاً لزوماس، فإن شرب سائل دافئ ولذيذ يشعرك بالتحسن، حتى لو كان هذا أثراً نفسياً بأغلبه. لذلك لا تتردد وجرب، لكن فقط إذا كان عمرك مناسباً. إذ أنه حسب أميدور، فالعظام يمكن أن تحتجز المعادن الثقيلة مثل الرصاص، لذلك قد يكون من الحكمة أن تحد من كمية المرق التي يشربها أطفالك.
إحدى طرق التحقق من الادعاءات حول مرق العظم هي التجربة. إذا كنت ترغب بشدة بشرب شيء ساخن ومالح، أو إذا كنت تبحث عن طريقة لاستخدام العظام المتبقية بعد الطبخ، فإن تحضير المرق ليس فكرة سيئة. لكن كل على دراية بأن نوعاً واحداً من الأطعمة ليس مغذياً بما يكفي لحل كل مشاكلك الصحية بين ليلة وضحاها.
تقول أميدور: «يجب أن ينظر الناس إلى هذه الأمور من زاوية صحيحة. إذا كانوا يستمتعون بمرق العظم ويستطيعون جعله جزءاً من نمط حياة صحي، فلا بأس بذلك. لكنهم ليسوا مضطرين لإنفاق أموال طائلة عليه. هو ليس الحل النهائي للعيش الصحي».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً