قام فريق دولي من علماء الفلك بقياس سرعة رياح طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي للمشتري لأول مرّة، واستعانوا للقيام بذلك بمذنّب عمره 27 سنة.
لقد قاس العلماء من قبل سرعات الرياح في طبقة التروبوسفير في المشتري حيث تقع الأشرطة الشهيرة لهذا الكوكب، وقاسوها في طبقة الأيونوسفير أيضاً. لكن هذه الدراسة الجديدة كانت الأولى التي أخذت قياسات لسرعة الرياح في طبقة الستراتوسفير باستخدام «مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير» أو «ألما» اختصاراً. قاس الباحثون سرعات الرياح قرب خط استواء الكوكب وقرب قطبيه.
لم تكن بعض النتائج مفاجئة للغاية؛ إذ وجد الباحثون أن السرعات بالقرب من خط الاستواء كانت تقارب ما تتنبأ به النماذج النظرية. ولكن يقول مؤلف الدراسة «تيبو كافاليه»؛ عالم كواكب في «مخبر بوردو للفيزياء الفلكية» والذي قاد التجربة الجديدة: «ما كان غير متوقعاً تماماً هو ما قسناه قرب القطبين». وجد الباحثون أن الرياح تتحرّك بسرعة تتراوح بين 300 - 400 متر/ ثانية عند قطبي المشتري، وباتجهات غير متوقّعة.
تقول «إيمك دو باتير»؛ عالمة كواكب في جامعة بيركلي استخدمت مرصد ألما من قبل، ولم تشارك في الدراسة الجديدة: «الأرصاد الجديدة صعبة الإنجاز، وهذه الورقة رائعة بالفعل، إذ يبيّن الباحثون فيها طبيعة الرياح في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للمشتري بشكل رائع».
تتجّه الرياح على المشتري بشكل حصري تقريباً شرقاً أو غرباً، وهذا ما يتّضح في الشرائط البيضاء والحمراء الشهيرة لهذا الكوكب. هذا الأمر ينطبق على طبقة التروبوسفير (باستثناء الدّوامات مثل «عين المشتري الحمراء»، حيث تدور الرياح مثل إعصار). ولكن في طبقة الستراتوسفير العليا؛ يبدو أن الرياح تأخذ شكل الحلقات الشفقية للكوكب، والتي تنتج -مثل الأضواء الشمالية للأرض- عن توجيه الحقل المغناطيسي للمشتري الرياح الشمسية تجاه قطبيه. هذه الحلقات الشفقيّة ليست على استقامة واحدة مع القطبين، ولذلك فتدفّق الرياح لا يطابق الأحزمة المرتّبة لرياح التروبوسفير.
وفقاً لـ «جلين أورتون»؛ كبير العلماء الباحثين وعالم فلك رصدي في مخبر الدفع النفّاث التابع لوكالة ناسا، ولم يشارك في الدراسة؛ فإن أنماط الرياح القطبية الغريبة التي تتحرّك الرياح وفقها تجاه الجنوب والشمال بدلاً من الشرق والغرب هي «محيّرة للغاية».
وفقاً لكافاليه؛ كانت أسهل طرق قياس سرعات الرياح الكوكبية لعقود هي التقاط صورة للكوكب، ثم التقاط أخرى في وقتٍ لاحق وملاحظة المسافة التي قطعتها السحب بين الصورتين. ولكن هذه الطريقة ليست فعّالة على الارتفاعات الكبيرة بسبب عدم وجود السُّحب نتيجة لعنف الرياح.
ولكن منذ اصطدام مذنّب «شوميكر-ليفي 9» بكوكب المشتري عام 1994؛ راقب الباحثون مركبّين أوصلهما المذنّب إلى المشتري هما؛ سيانيد الهدروجين، وأول أكسيد الكربون. لهذين المركّبين عمران طويلان؛ ولا يزالا يطوفان في الغلاف الجوي للمشتري ليومنا هذا. استطاع فريق الباحثين في الدراسة الجديدة تتبّع العلامات الطيفيّة الفريدة لهذين المركّبين. وبما أن الباحثين قادرين على قياس سرعة الرياح باستخدام حركة السحب؛ فمن المحتمل أن يكونوا قادرين على استخدام هذين المركّبين بنفس الطريقة.
تأثير دوبلر
لفعل ذلك؛ حدد الباحثون مواقع تواجد المركّبين بدقة عن طريق رصد تواتراتها. ثم استخدموا «تأثير دوبلر»، وهي ظاهرة تعني أن هذه التواترات تتغيّر اعتماداً على جهة تحرّك مصدرها بالنسبة للراصد. إذاً على المشتري؛ عندما تتحرّك الجزيئات تجاه التلسكوب الراصد، فهي تُنتج إشارات طيفيّة مختلفة قليلاً عن الجزيئات التي تتحرك عكس اتجاه التلسكوب. وعن طريق قياس الاختلافات هذه؛ تمكّن الفريق من قياس سرعة تحرّك الجزيئات، وبالتالي سرعة تحرّك الرياح التي تحملها.
وفقاً لكافاليه؛ ستتمكّن التلسكوبات الفضائية مستقبلاً من تجميع المزيد من المعلومات حول الغلاف الجوي للمشتري من كمّيات الماء الموجودة فيه، والتي نتجت عن اصطدام المذنّب «شوميكر-ليفي 9» لأن جزيئات الماء نادرة الوجود على المشتري. وحسب قوله أيضاً؛ فالدراسة الجديدة تمثّل نقطة انطلاق لمهمّة «مستكشف أقمار المشتري الجليدية» أو «جوس» إختصاراً التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي يُخطط إطلاقها العام المقبل. ستحصل المركبة الفضائية في هذه المهمّة على صور قريبة للمشتري و3 أقمار تابعة له، كما ستكون المركبة الأولى التي ستتّخذ مداراً حول قمر «جانيميد»؛ وهو القمر الأكبر في المجموعة الشمسية.
كان كافاليه يبلغ 12 سنة من العمر عندما ضرب مذنّب «شوميكر-ليفي 9» كوكب المشتري، وكان أصغر من أن يشارك في رصد هذا الحدث. ولكنّه يقول أن هذا الحدث دفعه للعمل في مجال علوم الكواكب.
الآن وبعد سنوات، لا يزال المذنّب هذا ذو تأثير على مجال علم الكواكب.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً