ازدادت حوادث العنف المنزلي على مستوى العالم في عام 2020 لدرجةٍ وصفه الأطباء عندها بأنه «جائحة داخل جائحة». تقدّر اللجنة الوطنية المعنية بكوفيد-19 والعدالة الجنائية -وهي فريقٌ من الخبراء الوطنيين مكلّفٍ بتقييم أثر جائحة فيروس كورونا على نظام العدالة- أنّ حوادث العنف المنزلي قد زادت في الولايات المتحدة بنسبة 8.1% في المتوسط بعد فرض إجراءات الإغلاق. وتقدر الأمم المتحدة أن حوادث العنف المنزلي قد زادت 20% في مختلف أنحاء العالم خلال عمليات الإغلاق التي جرت عام 2020. فهل هناك وسائل تؤدي إلى معالجة العنف المنزلي؟
نحن علماء في مجال الجريمة وذوي خبرةٍ في حوادث العنف المنزلي والعلوم الشرطية. قمنا بفحص الاتجاهات قصيرة وطويلة المدى في فترة الإغلاق لعدد الإتصالات برقم الطوارئ «911» لطلب النجدة بسبب حوادث العنف المنزلي في 5 مدن أميركية ومقاطعة واحدة، وهي ومقاطعة مونتغمري، ومدن سينسيناتي، نيو أورليانز، فينيكس، سولت لايك سيتي، وسياتل؛ بهدف تقييم أثر الجائحة على طلبات المساعدة المتعلّقة بالعنف المنزلي.
أدت إجراءات الإغلاق إلى زيادة المكالمات المتعلّقة بالعنف المنزلي على رقم الطوارئ 911 في 5 من الأماكن التي فحصناها باستثناء سينساتي. لكن هذه المكالمات لا تعكس الصورة الكاملة حول كيفية تأثير الوباء على طلبات المساعدة المتعلّقة بالعنف المنزلي. إذ تظهر دراسة أخرى ستصدر نتائجها قريباً أن خطوط الطوارئ الساخنة التي تقدّم الدعم لضحايا العنف المنزلي قد شهدت ارتفاعاً حاداً في عدد المكالمات التي تلقتها خلال الجائحة.
كما شهدت 5 من أصل 7 مدنٍ فحصناها -وهي بالتيمور، سينسيناتي، هارتفورد في كونيتيكت، سالت ليك سيتي، وسانت بطرسبرغ في فلوريدا- شهدت زيادةً في مكالمات خطوط الطوارئ الساخنة في أوائل مارس/ آذار من عام 2020. ونقدّر أن خطوط الطوارئ الساخنة قد تلّقت ما مجموعه 1671 مكالمة إضافية من مارس إلى أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020 بسبب إجراءات الإغلاق.
وقد توقّع الخبراء زيادة ضحايا العنف المنزلي الذين يطلبون المساعدة العام الماضي بسبب اضطرارهم للبقاء وقتاً أطول مع المعتدين عليهم، بالإضافة إلى انقطاعهم عن البيئات الداعمة مثل المدرسة والعمل. كانت تلك الأوقات مرهقةً واتسمت بعدم اليقين حقاً.
في الواقع، سيبقى ضحايا العنف المنزلي وأطفالهم بحاجة إلى المساعدة عندما تنتهي الجائحة.
زادت جائحة كورونا من محنة الضحايا
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن واحدة من كل 4 نساء ستتعرض للعنف المنزلي في حياتها. في الحقيقة، تُضطر النساء للبقاء مع المعتدي لأنه ليس لديهن مكانٌ آخر يذهبن إليه، وفي أحسن الأحوال، تواجه النساء اللائي يتعرضن للعنف المنزلي خطر فقدان عملهن أو البطالة المقنّعة، ويكافحن من أجل العثور على سكن آمن وبأسعار معقولة، ويزداد احتمال تعرضهن للإخلاء.
ونظراً لأن النساء يشكلّن ثلثي العمالة ذات الأجور الأقل في الولايات المتحدة، ستكون فرصة النسوة الساعيات لترك المعتدي والانتقال إلى مسكنٍ آخر ضئيلةً في الواقع.
لقد وضع الركود الاقتصادي الذي تسببت به الجائحة المزيد من النساء في هذا الموقف المحفوف بالمخاطر، وغالبيتهن يعملن في رعاية الأطفال ومطاعم الوجبات السريعة وخدمات التنظيف وصالونات التجميل. كانت النساء في هذه الوظائف يكافحن دائماً لدفع فواتيرهن وإعالة أسرهن، ولكن الجائحة أدت لخروج الكثير من هذه الوظائف.
كما أن السلطات المسؤولة عن الإسكان وأصحاب العقارات غالباً ما يتبّعون سياسة «عدم التسامح مطلقاً» مع الجرائم، لذلك عندما يتصل ضحايا العنف المنزلي بأرقام الطوارئ طلباً للمساعدة، فإنهم يخاطرون بطردهم من المسكن. وبالنظر إلى أن وجود سجلٍّ للإخلاء قد يقلل فرصة الحصول على السكن الإجتماعي، تقلّ الرغبة في الهرب من العلاقات المسيئة، مما يديم دورة العنف والصدمات النفسية للنساء وأطفالهن.
في الواقع، هناك إجراءات حماية فيدرالية وحكومية ضد طرد ضحايا العنف المنزلي، لكن القليل من الضحايا قادرون على تأمين حقوقهم في السكن.
كيفية مساعدة ضحايا العنف المنزلي
لا توجد حلول سريعة أو سهلةٌ للمشاكل الاقتصادية المرتبطة بالعنف المنزلي في المقام الأول، وقد تزيد الجائحة الأمر سوءاً وتؤدي إلى تقليل عدد النساء القادرات على التخلّي عمن يسيئ لهن في المستقبل. وستحتاج هذه الضحايا من النساء وعائلاتهن إلى دعمٍ مالي وقانوني وإسكانيّ كبير في السنوات القادمة.
في مارس/ آذار الماضي، أقر الكونجرس خطة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار تشمل 24 مليار دولار لتحقيق الاستقرار في صناعة رعاية الأطفال و15 مليار دولار لمِنح رعاية الأطفال، و450 مليون دولار لخدمات العنف المنزلي. ستساعد هذه الأموال بلا شك بعض الضحايا على التخلّي عن المعتدين عليهم.
وقد مرّر مجلس النواب مؤخراً قانون «إتش آر 1620» الذي ينطوي على إعادة فرض قانون حماية النساء ضد العنف، حيث يوفّر الموارد والحماية القانونية للنساء اللائي يعانين من العنف المنزلي، ولا يزال القانون حالياً بانتظار موافقة مجلس الشيوخ.
كما يحظر هذا القانون على الأشخاص المدانين بالعنف المنزلي أو المُلاحقين شراء الأسلحة الفردية. إذ تُستخدم الأسلحة النارية في 3.4% من حوادث عنف الشريك الحميم، مما يعرّض أكثر من 4.5 مليون امرأة للتهديد أو سيقعن ضحيةً للعنف المنزلي بالبنادق في حياتهن. عند استخدام البنادق أثناء حوادث العنف المنزلي، من المرجح أن يكون الهجوم مميتاً أكثر مما لو استخدم المعتدي نوعاً آخر من القوة.
بعض الحلول لمعالجة العنف المنزلي
وفي الوقت نفسه، أدت حوادث عنف الشرطة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة إلى دعوات واسعة النطاق لإعادة تحديد مهام الشرطة، وكيفية قيامها بعملها.
وفي خضّم ارتفاع طلب المساعدة من قِبل ضحايا العنف المنزلي، يمكن أن تشمل «إعادة تصوّر عمل الشرطة» مناقشاتٍ حول كيف يمكن للشرطة ووكالات خدمة الضحايا استخدام البيانات بشكلٍ أفضل لدعم الاستجابات المجتمعية المنسّقة للعنف المنزلي.
على سبيل المثال، تنتشر الكثير من المعتقدات الخاطئة لدى أفراد الشرطة حول العنف المنزلي. إذ تشير الدراسات إلى أن العديد من الضباط يعتقدون أن الاستجابة لطلبات المساعدة المتعلّقة بالعنف المنزلي يشكّل خطورةً كبيرة عليهم، إلا أن بحثنا يُظهر أن الضباط أكثر عُرضةً للاعتداء والإصابة عند الاستجابة لأحداث العنف الأخرى غير المرتبطة بالعنف المنزلي.
قد تنظر وكالات إنفاذ القانون في تقديم المزيد من التدريب للشرطة بشأن حوادث العنف الأسري، بالإضافة إلى حظر إخلاء الضحايا واتباع أسلوب المقابلات المستنيرة بالصدمات (أسلوب جديد لاستجواب ضحايا الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي والحوادث الصادمة الأخرى، حيث يتم تدريب المحاورين على التعرف على سلوكيات معينة كمؤشرات على حدوث جريمة).
بالرغم من أهمية وكالات دعم الضحايا بالنسبة لما يسمى بـ «تخطيط السلامة» -حيث يقوم ضحايا العنف بتبادل الأفكار مع المدافعين حول كيفية الحفاظ على سلامتهم في أي أزمة مستقبلية- تبقى الشرطة المستجيب الرئيسي للتدخّل في الأزمات وإجراء فحوصات الرعاية الاجتماعية.
وفي حين تركَّز الاهتمام خلال ذروة الجائحة على زيادة طلبات المساعدة المتعلقة بالعنف المنزلي، إلا أن الجائحة سلّطت الضوء أيضاً على العقبات المزمنة التي يواجهها الضحايا والاستجابة لهم عند طلب المساعدة. المشكلة ليست جديدة، وتزداد اتساعاً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.