اتفاق عالمي يعيد توجيه مجال الطيران التجاري

5 دقائق

لن تصعد على متن الطائرة في رحلة لا تعرف طريقها تماماً، وعلى الرغم من هذا، فقد قررت شركات الطيران أن تفعل هذا بالضبط.

في العام الماضي، اتفقت 190 دولة على تخفيض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الرحلات الدولية. وعلى الرغم من أن قادة العالم احتفلوا بهذا الاتفاق، فإن الطريق نحو تخفيض الكربون في السفر الجوي ما يزال مجهولاً. إذا أرادت شركات الطيران تحقيق أهداف الاتفاق، يجب أن يجعلوا العمليات أكثر انسيابية، ويعدلوا التصاميم الهندسية للطائرات لزيادة الفعالية، ويقوموا بتطوير أنواع من الوقود ذات احتراق أكثر نظافة.

إليكم نظرة سريعة على الاتفاق الثوري الذي سيحفز الإبداع في مجال السفر الجوي، والأدوات التي يمكن أن تلجأ إليها شركات الطيران للتخفيف من الانبعاثات التي ترفع من حرارة الكوكب.

يساهم السفر الجوي بنسبة صغيرة من التلوث العالمي بالكربون لا تتجاوز 2%، ولكن هذه النسبة تزداد يومياً. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على السفر الجوي إلى الضعف خلال العقدين المقبلين، ما يهدد بزيادة الانبعاثات الناتجة عن الرحلات التجارية أكثر فأكثر.

على الرغم من المساهمة الملحوظة في التغير المناخي، فإن السفر الجوي الدولي لم يدخل ضمن اتفاقية باريس حول التغير المناخي. لماذا؟ لأته من الصعب حساب التلوث الحقيقي الناتج عن طائرة. هل تنتمي الانبعاثات إلى بلد المغادرة أو الوصول؟ ماذا عن جنسية الركاب؟ وشركة الطيران؟

بدلاً من مناقشة هذه الأسئلة في باريس، تركت البلدان هذه المسائل للمنظمة العالمية للطيران المدني "ICAO إيكاو"، وهي وكالة للأمم المتحدة للإشراف على السفر الجوي. وبعد عدة سنوات من النقاش، توصل أعضاء من إيكاو على حصر الانبعاثات في مستويات العام 2020. وهذا يعني أنه مهما ازداد عدد الطائرات المحلقة في السماء، فلن يتسبب السفر الجوي بالتلويث أكثر من المستوى في عام 2020.

هذه هي الفكرة من الناحية النظرية. ولكن ليس من الواضح كيف يمكن للبلدان تحقيقها عملياً. يوجد أربعة أساليب محتملة للتقليل من تلويث السفر الجوي، وسنلقي نظرة على كل منها.

1- انزياح الكربون

من أحد الطرائق لتقليل التلوث بالكربون أن تدفع لشخص آخر كي يخفف التلوث بالنيابة عنك. وبالنسبة لشركات الطيران، يعتبر هذا الخيار جذاباً. حيث لا يوجد حالياً بدائل عملية للطائرات التجارية بحيث تكون انبعاثاتها معدومة ويمكن إنتاجها على نطاق واسع، ولا يوجد شبيه لسيارة تسلا موديل 3 مخصص للسماء. ولكن مقابل كلفة صغيرة، يمكن لشركات الطيران أن تخفف من الانبعاثات الكربونية على الأرض للتخفيف بشكل غير مباشر من الانبعاثات التي يولدها السفر التجاري، ويسمى هذا بانزياح الكربون.

لنفترض أنك تطير من الولايات المتحدة إلى جامايكا. وأن الفندق الذي ستذهب إليه في كينجزتاون يعمل بالغاز الطبيعي، وأن مدير الفندق يرغب بتركيب مجموعة من الألواح الشمسية. سيتم تخصيص جزء من ثمن بطاقتك لتمويل هذا المشروع، وبفضل هذه الألواح الشمسية الجديدة، سيكون التلوث الناتج عن هذا الفندق أقل، ما يؤدي إلى انزياح الكربون الناتج عن رحلتك.

 

الجزء الصعب في هذه العملية هو الحسابات. هل كان الفندق قادراً على تحمل كلفة المشروع بدون شركات الطيران؟ وهل كان سيقوم بتركيب هذه الألواح على أي حال؟

تقول آني بيتسونك، مستشارة دولية في صندوق الدفاع البيئي، في مقابلة: "يعتبر مشروع ما انزياحاً عند تخفيض الانبعاثات إلى ما تحت المستوى الذي كان سينتج بدون المشروع. وهو أمر يصعب برهانه". إذا خضعت هذه الانزياحات لحسابات دقيقة، فقد تشكل طريقة جيدة للتخفيف من التلوث.

2- طائرات أكثر كفاءة

إذا أمعنت النظر من نافذة الطائرة في رحلتك الأخيرة، فقد تلاحظ النتوءات البارزة على نهايات الأجنحة بشكل زعانف سمك القرش. تسمى هذه النتوءات بـ (الجنيحات)، وإذا أردت تسمية أكثر طرافة: (القرشيات). وتقوم هذه الجنيحات بالتخفيف من مقاومة الهواء، ما يساعد على تخفيف استهلاك الطائرة للوقود.

قرشية

 

ليست الجنيحات سوى وسيلة واحدة لزيادة فعالية الطائرات. وستحتاج شركات الطيران إلى إيجاد أساليب إضافية للتخفيف من استهلاك الوقود. بما في ذلك المواد الأخف، المحركات الأكثر فعالية، أو أجنحة رقيقة للغاية ترتكز على دعائم. ومع استمرار شركات الطيران بالعمل على تطوير طائرات أفضل، قد تساعدنا هذه التقنيات على تخفيف التلوث في مجالات أخرى.

تقول بيتسونك: "تعتبر شركات الطيران مصدراً للإبداع التقني الذي ينتقل منها إلى المجالات الأخرى". وتشرح أن محطة توليد طاقة عالية الفعالية وتعمل بالبنزين، على سبيل المثال، تشبه طائرة نفاثة.

3- مسارات أسرع

لا تتبع معظم الرحلات مساراً مباشراً. وعادة ما يتم توجيه الطائرات فوق محطات راديوية على الأرض، وذلك بشكل أشبه بلعبة وصل النقاط. لقد كان هذا النظام جيداً منذ 50 سنة عندما كانت أنظمة الملاحة بدائية، ولكن حالياً يمكن للطائرات أن تستخدم الأقمار الصناعية بدلاً من هذه الأنظمة.

برج للتحكم بحركة المرور الجوية

بدأ العمل على هذه النقلة من قبل. ومع تطبيق هذه التقنية من قبل شركات الطيران والجهات المشرفة على حركة المرور الجوية، يمكن للطائرات أن تتخذ مسارات أكثر استقامة، ما يخفف من استهلاك الوقود والتلوث بالكربون.

ليست هذه النقلة سوى وسيلة واحدة لزيادة انسيابية العمليات. ومع توسيع البحث عن خيارات إضافية لزيادة الفعالية، ستحاول هذه الشركات أيضاً أن تجد أساليب لتجنب المطبات الهوائية، وتقليل زمن البقاء على المدارج.

4- الوقود الحيوي

سننتظر بعض الوقت قبل أن نشهد ظهور طائرة تجارية تعمل كلياً بالكهرباء. ولكن، يمكننا أن نتطلع إلى ظهور طائرات تعمل بالوقود الحيوي في المستقبل القريب. وهو الوقود المصنوع من الذرة، أو قصب السكر، أو الطحالب. لنركز حالياً على الطحالب.

تقوم الطحالب بعملية التمثيل الضوئي. أي أنها تأخذ ثنائي أوكسيد الكربون، والماء، وضوء الشمس، وتنتج زيوتاً دهنية يمكن تحويلها إلى وقود للطائرات. وعند حرق هذا الوقود الناتج عن الطحالب، ينتج لدينا ثنائي أوكسيد الكربون. أي أن هذه الطحالب حيادية من ناحية الكربون، ما يعني أنها لا تتسبب بإضافة فعلية لثنائي أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

 

ليس الوقود الحيوي خالياً من العيوب. فقد يتسبب مزارعو الطحالب بالتلوث الكربوني لتزويد عملياتهم بالطاقة المطلوبة، وذلك باستجرار الكهرباء من المحطات التي تعمل بالفحم أو قيادة سيارات أو شاحنات تعمل بالبنزين. وستزداد نظافة هذا الوقود بزيادة نظافة العمليات.

يعتبر الوقود الحيوي واعداً للغاية في مجال السفر الجوي. ومن المتوقع أن نقرأ المزيد عن هذا الوقود في السنوات المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن شركة بوينغ، بالتعاون مع عدة شركات نقل جوي يابانية، ستؤمن رحلات تعمل بالوقود الحيوي المصنوع من الطحالب إلى الألعاب الأولمبية في طوكيو في 2020.

مستقبل السفر الجوي الدولي

تتحدث بيتسونك عن إحدى مراحل تاريخ السفر الجوي، حيث تسبب صعود مفاجئ لسعر الوقود في زيادة الإبداع والابتكار في شركات تصنيع الطائرات وعمليات شركات الطيران. وعندما هبطت الأسعار، لم تعد شركات الطيران ترى سبباً موجباً للاستثمار في تحسين الفعالية. ونتج عن هذا انخفاض الاستثمار في الابتكار مع انخفاض أسعار وقود الطائرات.

يرسل اتفاق إيكاو إشارة واضحة إلى شركات الطيران لزيادة الأبحاث في الطائرات الفعالة والوقود منخفض الكربون. حيث وقعت عليه مجموعة من البلدان ذات شركات الطيران الكبرى، بما في ذلك الصين، سنغافورة، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وسنشهد استقرار نسبة الانبعاثات مع زيادة أرباح شركات الطيران.

هل سيتسبب هذا بارتفاع أسعار التذاكر؟ تقدر الجمعية العالمية للنقل الجوي أن الاتفاق سيتسبب بزيادة حوالي 5 إلى 7 دولارات على سعر التذكرة في 2030. وهو رقم يعتبر رمزياً، حوالي ثلث كلفة الأمتعة في معظم الشركات. إنه سعر صغير بالمقارنة مع ما سينتج عنه من ناحية التلوث الكربوني. ويمثل ربحاً ضخماً بالنسبة لمن يعانون من الجفاف، الحرارة المرتفعة والعواصف الشديدة التي يتسبب بها التغير المناخي. تستذكر بيتسونك هذا المشهد من مفاوضات إيكاو:

"كانت هناك بلدان تقع في المسار المباشر المعرض للإعصار ماثيو، وكان ممثلوها يتوسلون لزملائهم في الاجتماع: (نرجو أن توافقوا على هذا القرار، إنه يتعلق ببقائنا ومستقبلنا). يجب على شركات الطيران أن تلعب دورها في التخفيف من الانبعاثات التي تساهم في الاضطرابات المناخية".

المحتوى محمي