في ذهن الكثير من الأطفال السؤال التالي: لماذا يُرصد الشفق القطبي في المناطق القريبة من القطب الشمالي فقط؟
يدعى الشفق القطبي أيضاً باسم «الأضواء الشمالية» (الأورورا)، وهو يُرصد عادة قرب القطب الشمالي والجنوبي للأرض. وهو يمثّل ارتباطاً مباشراً بين الأرض وما يحدث على الشمس.
هل تعلم أن الشمس لها طقس خاص بها؟ ولكن بخلاف طقس الأرض، فإن طقس الشمس يمكن أن يؤثّر بالمجموعة الشمسية كلها! وندعوه «طقس الفضاء».
كيف يتشكل الشفق القطبي؟
تصدر الشمس رذاذاً من الجسيمات الصغيرة في كل الاتجاهات بشكل دائم، ويسمى هذا الرذاذ «الرياح الشمسية». هذه الرياح ليست هواءً مثل الرياح على الأرض. بل إنها تتألف من الهيدروجين بأغلبها، وهي تهب بسرعة مئات الكيلومترات في الساعة (وهي أسرع بأكثر من ألف مرة من الرياح التي تولّدها الأعاصير على الأرض).
هذه الرياح السريعة للغاية ضربت الأرض لمليارات السنين. لماذا إذن لم تعصف بهواء الأرض بعيداً بسبب اصطدامها به؟
لحسن حظ الكائنات الحية مثلنا، الأرض تمتلك حقلاً مغناطيسياً، وهو حقل يجعل الأرض تتصرف وكأنها مغناطيس كبير في الفضاء، ويحميها من الرياح الشمسية. الحقل المغناطيسي للأرض هو السبب الذي يجعل البوصلات تعمل. تتّجه الإبرة المغناطيسية الصغيرة الموجودة في البوصلة باتجاه الحقل المغناطيسي للأرض، وهي تشير دائماً تجاه القطب الشمالي المغناطيسي للأرض.
الحقل المغناطيسي الأرضي غير مرئي تماماً بالنسبة لنا، ولكننا نستطيع قياسه باستخدام المغانط والأجهزة العلمية الأخرى.
فيديو من وكالة ناسا يبيّن الطريقة التي يحمي بها الحقل المغناطيسي الأرضي الأرض من الرياح الشمسية.
الجسيمات التي تتألف منها الرياح الشمسية تنحرف مبتعدةً عن الأرض بسبب الحقل المغناطيسي. إذن تمر معظم هذه الجسيمات بجانب الأرض دون أن تصطدم بها. لكن الحقل المغناطيسي ليس درعاً مثالياً، إذ أنه نتيجة لشكله، يمكن للقليل من الرياح الشمسية أحياناً أن تمر وتصطدم مباشرة بالغلاف الجوي للأرض في مناطق قريبة من القطبين الشمالي والجنوبي.
هذا التصادم يقع بين جسيمات صغيرة للغاية تتحرك بسرعة أكبر بكثير من سرعة الطلقة، لذا تكون نتيجة التصادم مختلفة للغاية عن تصادم سيارتين مثلاً. بدلاً من الانفجار وتبعثر القطع الصغيرة، ينتج عن هذا التصادم ضوء. نستطيع أن نعرف من الألوان الصادرة عن التصادم نوع جسيمات الغلاف الجوي التي تصطدم بها الرياح الشمسية. تنتج ألوان حمراء وخضراء من تصادم الرياح بجزيئات الأوكسجين، بينما تنتج ألوان زرقاء من التصادم مع جزيئات النيتروجين.
اقرأ أيضاً: شمسنا «مملة وكسولة»: هكذا يقول العلماء، فماذا يعني ذلك؟
طقس الفضاء
يعتمد قليلاً شكل الشفق القطبي على حالة الحقل المغناطيسي الأرضي وغلافها الجوي، ولكنه يعتمد بشكل رئيسي على على طقس الفضاء. تنتج الشمس أحياناً عواصفاً من الرياح الشمسية، وهي تدعى «التوهّجات الشمسية»، أو «الانبعاث الكتلي الإكليلي»، وهي تحدث عندما تزيد كمية الجسيمات في الرياح الشمسية بشكل مفاجئ، مما يجعل الرياح أشد من العادة. نستطيع أن نعرف أن هذه العواصف حدثت على الشمس قبل 3 أيام من وصولها إلى الأرض، وذلك بسبب التلسكوبات التي نستخدمها على الأرض وتلك التي أرسلناها إلى الفضاء، والتي تراقب الشمس بدقة لترصد تلك العواصف.
عادةً ما تولّد العواصف الشمسية عرضاً مثيراً للإعجاب من الأشفاق القطبية يراه فقط الأشخاص الذين يعيشون في أقصى شمال وجنوب العالم، تحت الجزء من الحقل المغناطيسي الأرضي الذي يسمح للرياح الشمسية بالمرور. لكن في بعض الأحيان، يمكن لعاصفة شمسية شديدة للغاية أن تتسبب في ظهور الشفق القطبي بالقرب من خط الاستواء.
عندما يحدث ذلك، فهذا يعني أن الكثير من الجسيمات التي تتشكل منها الرياح الشمسية تصطدم في جميع أنحاء الغلاف الجوي للأرض. لا تشكل هذه العواصف خطراً علينا بشكل مباشر، وذلك لأن الغلاف الجوي للأرض يحمينا من هذه الجسيمات سريعة الحركة. لكن قد يضطر رواد الفضاء الموجودين خارج الغلاف الجوي إلى الاحتماء في جزء محمي للغاية من المحطة الفضائية التي يتبعون لها، كما يمكن إيقاف عمل بعض الأقمار الصناعية مؤقتاً بسبب هذه العواصف، ويمكن أن يُتلف بعضها أحياناً.
اقرأ أيضاً: أضواء تتراقص في السماء ليلاً: كيف تحدث ظاهرة الشفق القطبي؟
ما هي تأثيرات الشفق القطبي؟
في حالات نادرة جداً، يمكن أن يكون الشفق القطبي الذي ينتج من العواصف الشمسية شديداً لدرجة أن الخطوط الكهربائية على الأرض يمكن أن تتلف، مما يتسبب بقطع التيار الكهربائي عن الكثير من المنازل.
تمر الشمس في دورة محددة تحدث فيها العواصف بشكل متكرر كل 11 سنة، وهو ما يسمى بفترة «الذروة الشمسية». عندما تكون الشمس قريبة من ذروتها، من المرجح أن يحدث الشفق القطبي. من المتوقع أن تبدأ فترة الذروة الشمسية التالية في أواخر عام 2024 أو أوائل عام 2025، لذلك يمكننا أن نرى المزيد من الأشفاق القطبية خلال السنوات القليلة المقبلة.
إذا أردت أن ترى الشفق القطبي، يمكنك أن تتفقد الأرصاد الجوية الفضائية كل ليلة كما تتفقد الأرصاد الجوية المحلية يومياً.
تعتقد الكثير من الثقافات في المناطق القريبة من القطبين - حيث راقب البشر الشفق القطبي منذ قديم الأزل - أن هذه الأضواء تمثّل ارتباطاً بين الأرض والكون.
العرض الشفقي الساطع للغاية هو تجربة لا تصدق. إنه تذكير بالاتصال بين الغلاف الجوي للأرض وحقلها المغناطيسي والشمس، وهي عوامل عميقة التأثير في الحياة على الأرض.