أثّرت حالات الانقراض الجماعي كثيراً على تطور الحياة على الأرض. على سبيل المثال، عندما اصطدم كويكبٌ بالأرض قبل 66 مليون سنة، أدى ذلك إلى انقراض الديناصورات، مما أدى بدوره إلى هيمنة الثدييات على الكوكب.
نشرتُ مع زملائي بحثاً جديداً حول حادثة الانقراض الجماعي التي وقعت قبل 359 مليون سنة في المرحلة التي فصلت بين العصرين الديفوني والكربوني الجيولوجيين. كانت هناك العديد من الافتراضات السابقة حول سبب هذا الحدث، ومنها الانفجارات البركانية واصطدام الكويكبات وتغير المناخ وتغيرات مستوى سطح البحر وحرائق المناطق البرية وظهور الغابات الأولى.
لكننا أظهرنا أن حوادث الانقراض التي وقعت في ذلك الوقت على البر قد تكون ناجمة عن ترقّق كارثي لطبقة الأوزون، مما سمح بمرور الأشعة فوق البنفسجية بنسب ضارة. ساهم عامل مشابه في حوادث الانقراض الجماعي التي وقعت في نهاية العصر البرمي والترياسي (يعرف باسم العصر الثلاثي أيضاً)، لكن هذه الأحداث كانت ناجمة عن الانفجارات البركانية بشكل أساسي. يشير بحثنا إلى أن الأرض تمر بعملية داخلية طبيعية يحفّزها ارتفاع درجة حرارة المناخ لمستوى يمكن أن يدمر طبقة الأوزون، وهو تحذير جدّي بالنسبة لنا حالياً.
لعب انقراض العصر الديفوني المتأخر دوراً مهماً في تطور حياة الفقاريات. وشمل ذلك الانقراض شبه الكامل للمجموعة المهيمنة من أسماك المياه العذبة المدرعة. نجت من هذه المجموعة أسماك القرش والمجموعة الصغيرة من الأسماك العظمية التي انتشرت بعد ذلك لتهيمن على محيطات الأرض.
أثّر هذا الحدث أيضاً على تطور البشر لأنه أدى إلى انقراض أول «رباعيات الأرجل». كانت هذه «أسماكاً» تطورت زعانفها لتصبح أطرافاً يتراوح عدد أصابع الأيدي والأرجل فيها بين 6 و 8. لا تظهر أول رباعيات الأرجل التي تعيش في البر والتي لها 5 أصابع في كل يد وقدم، أي أسلافنا، في السجل الأحفوري إلا بعد هذا الانقراض.
ما هي أسباب الانقراض الجماعي الذي حدث في العصر الديفوني؟
لمعرفة السبب وراء انقراض العصر الديفوني المتأخر بالضبط، بحثنا عن أدلة للتغيّرات التي طرأت على الغلاف الجوي، والتي تركت أثرها في النباتات المتحجرة قبل الحدث وبعده. على وجه الخصوص، نظرنا إلى الجدران المقاومة للبقايا المجهرية لحبوب الطلع والأبواغ المأخوذة من الحفريات الموجودة في شرق غرينلاند، والتي يمكننا فحصها بتذويب عينات الصخور في الحمض.
إن وظيفة الجدران المقاومة في الأبواغ وحبوب الطلع هي حماية محتويات الخلية من الأشعة فوق البنفسجية. لكن هناك فترة وجيزة من الزمن بين تكوين خلية جديدة وتشكيل جدارها الواقي تكون فيها الخلية معرضة للخطر.
أنواع الأبواغ التي فحصناها مغطاة بامتدادات صغيرة متطابقة في الطول ولها أطراف مدببة. لكن معظم الامتدادات الموجودة في عيناتنا كانت مشوهة بطرق عدة، مما يشير إلى أن الحمض النووي لخلاياها قد تضرر بسبب الأشعة فوق البنفسجية. هذا يشير إلى أن درع الأوزون الواقي للأرض كان متضرراً خلال تشكّل هذه الأبواغ.
تحتوي أنواع أخرى من الأبواغ وحبوب الطلع على جدران متصبّغة لها وظيفة وقائية، مما يسمح لتلك النباتات بالبقاء على قيد الحياة. ولكن انقرض عدد من المجموعات النباتية الهامة في تلك الفترة، وانهار النظام البيئي للغابات. تلك المجموعات التي نجت كانت لا تزال متضررة، واستغرق الأمر عدة ملايين من السنين حتى استعادت عافيتها، مما خلق نظاماً بيئياً مختلفاً تماماً.
وُجدت العينات التي درسناها في بحيرة قديمة كبيرة جداً كانت لا تجف على مدار السنة على الرغم من أنها كانت توجد في جزء قاحل جداً من العالم. تتشكل مثل هذه البحيرات فقط عندما تنهار الأنهار الجليدية وتكون الرياح الموسمية في العالم نشطة للغاية بسبب الحرارة الشمسية، لذلك لا بد أن المناخ العالمي كان في فترة الاحترار.
آلية الانقراض
بيّن علماء آخرون أن درجات الحرارة المرتفعة خلال الصيف في المناطق القارية يمكن أن تزيد من معدل انتقال بخار الماء إلى الغلاف الجوي. يحمل بخار الماء هذا مركبات الكربون العضوية (والتي تحتوي على الكلور) إلى الغلاف الجوي، وهي مركبات تنتجها مجموعة متنوعة من النباتات والطحالب والفطريات بشكل طبيعي. بمجرد أن تصبح هذه المركبات بالقرب من طبقة الأوزون، فإنها تطلق الكلور، وهذا يؤدي إلى تفكيك جزيئات الأوزون.
ينتج عن ذلك حلقة تغذية راجعة إيجابية لأن النظام البيئي الأرضي المنهار سينتج تدفقاً من العناصر الغذائية في المحيطات، مما سيتسبب في زيادة سريعة في أعداد الطحالب. لذلك كلما تضررت طبقة الأوزون أكثر، ستموت المزيد من النباتات، وسيزداد إنتاج المركبات الضارة بطبقة الأوزون. في وقت لاحق، سوف تتعافى طبقة الأوزون بشكل طبيعي مع زيادة برودة المناخ، وستساعد الطحالب على إزالة ثنائي أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
يشير اكتشاف آلية الانقراض الجديدة المحتملة هذه إلى أن ارتفاع درجة حرارة المناخ، مثل الحالة التي نمر بها الآن، لديه القدرة على إتلاف طبقة الأوزون، مما يسمح للأشعة فوق البنفسجية بالمرور. هذا له عواقب على جميع أشكال الحياة على الأرض، سواء على البر أم في المياه الضحلة.
نعتقد أن هذا الاكتشاف لا يقل أهمية عن اكتشاف أن اصطدام الكويكبات تسبب في حالات انقراض جماعية. بمجرد أن علمنا بعواقب اصطدام الكويكبات، تبع ذلك جهود بحثية جماعية مكثفة لتقدير احتمال حدوث هذه الاصطدامات في المستقبل. إذ أننا الآن نراقب مسارات جميع الأجسام الخارجية (أي خارج كوكب الأرض) الكبيرة التي من المحتمل أن تقترب من مدار الأرض.
بالمثل، يجب علينا الآن أن نركّز الجهود على فهم الروابط بين الاحتباس الحراري وإنتاج مركبات الكربون الحاملة للكلور وانتقالها في الغلاف الجوي، والتي لديها القدرة على التسبب في إتلاف مماثل لطبقة الأوزون.
يجب علينا الآن أن نجري المزيد من الدراسات على الصخور ذات الأبواغ المشوهة لمعرفة مدّة فترة الانقراض والمعدل المحتمل لتغير درجة الحرارة المطلوب لدفع ما يكفي من المواد الكيميائية المُتلفة للأوزون إلى الطبقات المرتفعة من الغلاف الجوي. نريد أيضاً إجراء تجارب للكشف عن التشوه الناجم عن الإشعاع فوق البنفسجي في نباتات حية شبيهة بالسراخس، والتي تحتوي على أبواغ ذات امتدادات مدببة.