الطريقتان الأفضل وفقاً للفيزيائيين لتوليد الطاقة عبر الاندماج النووي على غرار النجوم 

4 دقائق
الاندماج النووي
حقوق الصورة: جيسون لوريا/ إن آي إف.

الأسبوع الماضي، اجتمع مختلف السياسيين وقادة العالم في غلاسكو في مؤتمر «سي أو بي 26» (COP26)، وهو مؤتمر تغير المناخ السنوي الذي تنظّمه الأمم المتحدة، لوضع سياسات قد تخفف من أزمة المناخ التي تمر بها الأرض. نظراً لأن الحاجة إلى توليد الطاقة هي السبب الرئيسي لهذه الأزمة، فقد يكون من المغري التمعّن في الشمس الحارقة والتساؤل عما إذا كان بإمكاننا القيام بما تفعله لتوليد الطاقة: الاندماج النووي.

يحاول العلماء منذ عقود تطبيق هذه الآلية على الأرض. لكن القيام بذلك في الواقع يتطلب التغلب على عدد هائل من التحديات اللوجستية. على الرغم من أن علم الاندماج النووي يتحرك ببطء، إلا أن العلماء يقتربون من تحقيق هذا الحلم.

يوزّع العلماء جهودهم على نوعين من مفاعلات الاندماج. تنطوي إحدى المقاربتين على محاولة إحداث تفاعلات الاندماج في حجرات صغيرة. بينما تنطوي الأخرى على إحداثها في كرات صغيرة بحجم دبوس. لكن كلا المقاربتين، في النهاية، تحاولان تقليد ما يحدث في الشمس.

ينتج نجمنا حرارته الهائلة وضوءه المسبب للعمى عن طريق دمج ذرات الهيدروجين، وهي عملية ينتج عنها الهيليوم وكمية هائلة من الطاقة. هذا ما يريده باحثو علم الاندماج في النهاية: إذا تمكنا من خلق نجم على الأرض، ولو كان صغيراً للغاية، فإن ذلك سيفتح الباب لتوليد كميات هائلة من الطاقة النظيفة.

سنستعرض الطريقتين الواعدتين فيما يلي.

اقرأ أيضاً: اليد التي شاركت بها الفيزياء الفلكية في صناعة القنبلة النووية

طريقة الاندماج النووي في الحجرات الصغيرة: التوكاماك نموذجاَ

يمكن للشمس أن تدمج ذرات الهيدروجين بسهولة بسبب الظروف الخاصة في نواتها. عند درجات حرارة تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، تتغلب الذرات على القوى الكهرومغناطيسية التي تسبب تنافرها في الحالة الطبيعية وتندمج. هذا التفاعل لا ينتج عنه أي نوع من غازات الدفيئة.

تكون الذرات في ظروف درجات الحرارة هذه شديدة السخونة، مما يجعلها تفقد إلكتروناتها وتصبح شوارداً مرتفعة الحرارة من الجسيمات المشحونة كهربائياً، والتي تسمى مجتمعة باسم البلازما. يستطيع العلماء أن يتلاعبوا بهذه البلازما باستخدام الحقول الكهربائية والمغناطيسية.

يمكن توليد البلازما على الأرض. لكن هذه هي الخطوة الأولى فقط. بعد ذلك، يجب على الفيزيائيين ضغط البلازما إلى كثافات عالية بما يكفي. إحدى طرق القيام بذلك هي وضع البلازما في قفص يتخلله حقل مغناطيسي شديد. وتسمى هذه الطريقة «الاندماج بالحصر المغناطيسي».

أشهر قفص يمكن تطبيق هذه الطريقة فيه هو «التوكاماك» (tokamak): وهي حجرة على شكل دونَت بحجم غرفة متوسطة الحجم. تحتوي جدران الحجرة على مغناطيسات قوية، وهي تساعد على حصر البلازما حتى تصل إلى كثافات عالية بما يكفي لبدء تفاعل الاندماج.

هدف الاندماج الاصطناعي الذي طال انتظاره هو الوصول إلى عتبة تسمى « عتبة الاشتعال»، وهي عتبة يصل إليها المفاعل عندما يصبح قادراً على إنتاج طاقة تتجاوز كمية الطاقة المتطلّبة لتشغيله. هذه العتبة هي معيار ضروري يجب تحقيقه حتى يصبح مفاعل الاندماج عملياً. ولكن على الرغم من أن طريقة الاندماج بالحصر المغناطيسي موجودة منذ خمسينيات القرن الماضي، لم يقترب أي مفاعل من هذه العتبة حتى الآن.

لكن يأمل العلماء أن هذا سيتغيّر قريباً. يوجد أكبر وأقوى توكاماك صنعه البشر في تلال جنوب فرنسا، وهو قيد الإنشاء حالياً. اسم المفاعل هو «المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي». ستكون الحجرة الخاصة بهذا المفاعل أكثر اتساعاً بـ 10 مرات من أكبر حجرة بُينت حتى الآن. يأمل العلماء أن يبدأ هذا المفاعل عمله في 2025، وهو قيد الإنشاء لأكثر من عقد. يقول البعض أن هذا المفاعل هو أغلى تجربة علمية ستجرى على الإطلاق.

طريقة الكُرات الصغيرة

أجري نوع آخر من التفاعلات في أغسطس/آب 2021 في الولايات المتحدة. أعلن العلماء من «منشأة الإشعال الوطني» (National Ignition Facility (NIF)) في مختبر «لورانس ليفرمور الوطني» (Lawrence Livermore National Laboratory) في كاليفورنيا أنهم أجروا عملية الاندماج النووي بكفاءة عالية لدرجة أنها كادت أن تصل إلى عتبة الاشتعال.

لم تُستخدم الحجرات في هذه التجربة الناجحة. بدلاً من ذلك، استخدم العلماء نوعاً من التفاعلات يسمى «الاندماج بحصر القصور الذاتي». تعتمد هذه الآلية على تحضير كُريّة صغيرة من وقود الهيدروجين، عادة بحجم رأس الدبوس، وهزّها باستخدام موجات صادمة قوية عليها. عندما يحدث ذلك، تضغط الموجات الصادمة ذرات الهيدروجين وتسخنّها حتى تصل إلى ضغوط ودرجات حرارة عالية بما يكفي لإحداث تفاعل اندماج نووي.

يمكن للفيزيائيين توليد هذه الموجات الصادمة بطرق متعددة، لكن تعتمد كل هذه الطرق تقريباً على استخدام أشعة الليزر عالية الطاقة. يفجّر العلماء في بعض المنشآت الكريات مباشرة باستخدام الليزر عالي الطاقة. لكن العلماء في منشأة الإشعال الوطني يحولون طاقة الليزر إلى أشعة سينية، والتي تصطدم بدورها بالكريات.

يتطلب هذا المزيد من الطاقة، ولكنه أيضاً يجعل التجربة أقل حساسية وأكثر قابلية للتطبيق من خلال منح العلماء مساحة أكبر قليلاً للعمل. يقول «دوغ لارسون»، مدير المنشأة: «عملية ضغط هذه الكريات... هي عملية دقيقة للغاية»، ويضيف: «يجب أن تكون كل خطوة دقيقة تماماً».

يمكن أن تولد مثل هذه المنشآت ضغوطاً هائلة، أكثر مما يمكن توليده في الحجرات سابقة الذكر، لكن الضغوط في الحجرات تستمر لفترة أطول.

يقول لارسون: «في منشأتنا، يمكننا توليد ضغوط تصل إلى ما يقرب من 100 مليار ضعف الضغط الجوي، وهي ضغوطات متطرفة بشكل مجنون حقاً. لكن هذه الكريات المضغوطة تبقى موجودة فقط لمدة جزء من تريليون جزء من الثانية».

هذه المنشأة هي أكبر منشأة تطبق طريقة الاندماج بحصر القصور الذاتي في العالم، على الرغم من أن المنشآت الأخرى، مثل «ليزر ميغا جول» في بوردو، فرنسا، و منشأة «شينغوانغ 4» المقترحة في الصين قد تصلان إلى حجم منشأة الإشعال الوطني يوماً ما.

اقرأ أيضاً: لماذا لا نعتمد كلياً على الطاقة الشمسية؟

هل سيكون مستقبل تفاعلات الاندماج النووي على الأرض مشرقاً؟ 

يقول الفيزيائيون إن هذه المرحلة هي مرحلة مثيرة في تاريخ علم الاندماج النووي. يقول لارسون: «خلال العام الماضي، تكاملت الكثير من المعارف بطريقة جعلت التقدّم التكنولوجي سريعاً» في منشأتنا.

تبدو مفاعلات الاندماج واعدةً من ناحية جعل البشر قادرين على توليد كمية غير محدودة تقريباً من الطاقة، لكنها لا تزال بعيدة عن أن تكون حلاً فورياً لأزمة المناخ. مثلاً، اعتمدت منشأة الإشعال الوطني على استخدام ليزر يمكنه إطلاق الإشعاع كل بضع ساعات فقط. لكن وفقاً للارسون، لكي يكون مفاعل الاندماج بحصر القصور الذاتي عملياً، يجب أن يطلق الليزر الإشعاع كل بضع ثوانٍ. يخطط العلماء في هذه المنشأة الآن لتطوير هذا الليزر.

أما بالنسبة إلى المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي في فرنسا، فهو يمثّل مجرد خطوة انتقالية تجاه جعل توليد الطاقة بالاندماج ممكناً. يأمل مصممو هذا المفاعل أن ما سيتعلّمونه منه سيساعدهم على تصميم مفاعلات الجيل الثاني بكفاءة أكثر. تسمى هذه المفاعلات «مفاعلات الاندماج النووي العمليّة». يأمل العلماء أن هذه المفاعلات ستسخّر تفاعلات الاندماج لتوليد الطاقة للبشر. لن يبدأ بناء هذه المفاعلات حتى العقد الثالث من القرن الجاري.

المحتوى محمي