في مارس 2017، خاضت إحدى حلقات مسلسل "القانون والنظام-Law and Order: وحدة الضحايا الخاصة" في خضم العلم، عندما قدمت شخصية تدعي امتلاك جين جعلها تقترف اعتداء جنسياً. ولم توضح تلك القصة أي جين يفترض أنه كان مسيطراً على المدعى عليه ليقوم بذلك. ولكن ادعاء امتلاك حمض نووي يهيئ المرء لارتكاب جريمة ما هو بالتأكيد أمر غير خيالي.
فعلى سبيل المثال، تم الربط بين أحد أشهر الجينات "الجنائية"، وهو الجين المسؤول عن جزيء أوكسيداز أحادي الأمين أ، وبين السلوك الإجرامي والمعادي للمجتمع. وفي عام 2009، تلقى متهم مدان بالقتل مدة عقوبة أقصر بفضل هذا الجين.
ولكن ربط جين واحد بسلوك معين أمر معقد. فالعلاقة الجنائية لأوكسيداز أحادي الأمين أ مثيرة للجدل، وهي تناقش عادة بعناية، حيث يوضح العلماء أن الجين وحده لن يجعل شخصاً ما عنيفاً أو غير أخلاقي. وتلعب العوامل الاجتماعية والبيئية دوراً أيضاً؛ فليس كل من لديه طفرة جينية معينة يرتكب جريمة؛ وليس كل مجرم لديه طفرة جينية معينة. ولكن المحامين، الذين يبحثون عن طرق للدفاع عن موكليهم، يمكنهم استخدام البحوث الوراثية للادعاء بأن المتهم لديه استعداد وراثي لبعض الأعمال الإجرامية، ولا ينبغي اعتباره مسؤولاً كبقية الناس.
يقول نيكولاس سكوريتش، أستاذ علم النفس والسلوك الاجتماعي، وعلم الجريمة والقانون والمجتمع في جامعة كاليفورنيا في إيرفين: "إن إحساسي هو أن علماء الوراثة يقومون بالعلوم الأساسية لتعزيز فهمنا للطبيعة البشرية، وأن المحامين الذين يدركون هذه الأشياء، والذين يتمتعون بذكاء حاد، سيجدون وسائل ويحاولون أن يحولوها إلى حجج قانونية".
ولكن هذا لا يعني أن هذه الحجج ناجعة. وقد قضى سكوريتش -جنباً إلى جنب مع بول أبيلباوم، أستاذ الطب النفسي والطب والقانون في جامعة كولومبيا- السنوات القليلة الماضية في محاولة فهم تأثير هذا النوع من الأدلة عملياً على إجراءات المحكمة. وفي تعليق نشر في سبتمبر 2017 في مجلة "الطبيعة - السلوك البشري"، تحدث العالمان عن أبحاثهما، وما يعنيه ذلك لمستقبل علم الوراثة في نظام العدالة.
يقول سكوريتش: "إن استنتاجنا العام هو أنه لا يبدو أن لهذا الأمر أي تأثير". وليس لدى الأشخاص الذين يعملون كمحلفين تعاطف أكثر، ولا يحكمون بأحكام أخف على أساس ادعاءات علم الوراثة غير الصحيحة. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي تقديم أدلة وراثية إلى جعل الأمور أسوأ بالنسبة للمدعى عليه: فقد يعتقد المحلفون أن الشخص الذي لديه جين معين مرتبط بالعنف، قد يكون أكثر عرضة للقيام بالتصرف نفسه في المستقبل.
لكن من غير المرجح أن يتوقف المحامون عن استخدام علم الوراثة في قاعة المحكمة في وقت قريب. ويرى كريستوفر سلوبوجين، أستاذ القانون والطب النفسي في جامعة فاندربيلت، أن محامي الدفاع يقفزون على أي شيء يمكن أن يجدوه لمساعدة موكليهم. ولن تغير البحوث التي تبين أن الأدلة من هذا النوع تكون عادة غير فعالة من هذه الحقيقة. ويقول سلوبوجين إن المحامين سيلقون كل ما لديهم من معلومات متاحة، ولا سيما في الحالات الخطيرة.
ويوافقه سكوريتش حيث يقول: "لن يكون محامو الدفاع راضين عن دراساتنا. وحتى لو كان هناك فرصة بنسبة واحد في المائة بأن أدلتهم سيكون لها قوة إقناع، فالأمر لديهم يستحق ذلك".
غير أن المعلومات الجينية لا تستخدم عادة في إجراءات قاعات المحكمة العادية. وبدلاً من ذلك، فهي تستخدم على الأرجح في جلسة الحكم، بعد أن ثبتت إدانة المدعى عليه، في محاولة للجدال من أجل الوصول إلى عقوبة أخف. ويمكن أن تستخدم أيضاً في محاولة إعطاء ثقل إضافي للحجج القائلة بأن المتهم مريض عقلياً، ولا يمكن أن يكون مسؤولاً عن جرائمه. يقول سكوريش: "لن يكون ذلك مناسباً في الحالات العادية".
وفي حين أن البحوث المتعلقة بعلم الوراثة والسلوك مهمة، واستخدام علم الوراثة في قاعة المحكمة أمر مثير للاهتمام، فإن سكوريتش لا يعتقد أن النتائج العلمية الجديدة ستحدث ثورة في نهج العدالة الجنائية قريباً. فهذه الأدلة ليست من النوع الذي يؤثر على القضاة والمحلفين. وبالنسبة لعلماء القانون، فإن الكثير من الأمور ما تزال غير أكيدة. يقول سكوريتش: "سواء كان الأمر كذلك أم لا، لا يبدو أن الناس يعتقدون أن هذه الأدلة من النوع الذي يقتنعون به".