يُعد النشاط البدني، وعلاقته بجسمنا وصحتنا، مرادفاً للنظام الغذائي. قد يكون راسخاً بعمقٍ في ثقافة النظام الغذائي، ولكنه جزء مهم من حياتنا، وربما يكون جانباً من بعض الأنشطة المفضلة لدى أطفالك. من الناحية المثالية، تتعلق ممارسة الرياضة للأطفال والكبار بالمتعة وتطوير مهارات جديدة، ولا تتعلق بفقدان الوزن أو حرق السعرات الحرارية.
وعندما لا تكون ممتعةً ومرغوبة، ولا تناسب الجميع، فقد تكون اختياراً واعياً لدعم القوة البدنية أو التعافي ودعم الصحة العقلية أو بناء المهارات. يتمثل الاختلاف الرئيسي في أسلوبنا في الحركة في أن اختياره يعتمد على قبول الجسم له، ولا تفرضه ثقافة النظام الغذائي. علينا أن ندرك أن الطفل في ثقافتنا، ودون وعي، مهيئ لربط «الصحة» بـ «النحافة» حين نقول أن عليه «المحافظة على صحته». في الحقيقة، «البقاء في صحة جيدة» هو ارتباط يجب أن يخضع للتدقيق ويفضل ألا يكون مرتبطاً بالحركة.
بالطبع، نعلم أن المشاركة في الرياضة أمر إيجابي لكثير من الأطفال؛ فهي تبني الروابط الاجتماعية وتنمي احترام الذات، وهي تُشعرك بالرضى وممتعة. يمكن لبعض الأطفال تطوير اهتمامهم بالنشاط البدني في وقت مبكر ليصبحوا رياضيين شغوفين ومخلصين في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، ما يجعلهم منغمسين أكثر فأكثر في ثقافة الرياضة منذ الصغر. إذا كان طفلك أحد هؤلاء الرياضيين المتحمسين، سنطلعك على الطرق التي يمكن أن يؤثر بها ذلك على احتمال إصابته باضطرابات الأكل.
اضطرابات الأكل واللياقة البدنية
غالباً ما نرى الأطفال يمارسون رياضة معينة لأنهم يحبونها. ثم، مع تقدمهم في السن واقترابهم من سني المرحلة الإعدادية والثانوية، يواجهون ضغوطاً أكثر ليحصلوا على «بنية رياضية» أو جسمٍ نحيف مثالي. في الواقع، تحمل الثقافة الرياضية بحد ذاتها خطورةً أكبر للإصابة باضطرابات الأكل والحركة، فإذا كان لديك طفل رياضي شغوف، فيجب أن تنتبه لما يُقال له عن عادات الطعام والتغذية والتحكم في الوزن من قبل الرياضيين والآباء والمدربين الآخرين في بيئة رياضته.
يُصاب ما يقدر بـ 62% من الإناث و 33% من الذكور الذين يمارسون الرياضة باضطرابات الأكل، خصوصاً من يتنافسون في الألعاب الرياضية التي تركز بشكل كبير على الجماليات والمظهر والحجم والوزن مثل كمال الأجسام والمصارعة والجمباز والتزلج على الجليد والرقص والتجديف والجري والتشجيع وسباق الخيل، على سبيل المثال لا الحصر. من بين الإناث الرياضيات في المدارس الثانوية، قالت 41% منهن أنهن يعانين من اضطرابات الأكل، وكان احتمال تعرضهن للإصابات الرياضية أعلى بثماني مرات من زميلاتهن في الفريق اللواتي لم يبلغن عن اضطرابات الأكل.
بالإضافة إلى ذلك، وجدت إحدى الدراسات أن خطر الإصابة بفقدان الشهية العصبي بين الرياضيين الجامعيين كانت نسبته 25% بين الإناث و10% بين الذكور، وأن خطورة الإصابة بالنهام العصبي كانت 58% بين الإناث و38% بين الذكور. هذه الأرقام مفزعة في الواقع، وتظهر أنه إذا كان طفلك يشارك في رياضاتٍ تنافسية، فإنه في خطر كبير لمجرد أنه جزء من الثقافة الرياضية السائدة.
التوعية بأسباب عدم الرضا عن شكل الجسم
التغيرات على الجسم مع سن البلوغ، بالإضافة إلى الحاجة المتزايدة للطعام لممارسة الرياضة وزيادة الوعي بالوزن والشكل والمظهر، عوامل أساسية لعدم الرضا عن شكل الجسم وزيادة التركيز على الطعام والوزن. من الشائع أن تجد المراهقين والشباب، مع حريتهم الجديدة بتناول الطعام بعيداً عن رقابة الأهل غالباً، يتبنون حميةً غذائية جديدة دون أن يلاحظ أحد ذلك، إلى أن يلاحظ الوالدان ذلك. قد يخيف هذا الأمر الآباء، لكنه يسلط الضوء على أهمية الحديث مع أطفالنا عن الأجسام وتنوعها في سن مبكرة بحيث يكون طفلك مستعداً أكثر لرفض إغراء اتباع نظام غذائي يُصور له على أنه خطوة ضرورية لمساعدته على النجاح في رياضته.
كلما زادت حركة الطفل، زاد شعوره بالجوع بشكل طبيعي. لذلك من الطبيعي أن تلاحظ أن ابنك المراهق الذي يبلغ المرحلة الإعدادية يأكل ما يظهر أنه كميات أكبر من الطعام على الوجبات. قد يكون رد فعلك الطبيعي هو نصحه بتناول كميات أقل من الطعام، أو الانتظار حتى العشاء، أو تناول أطعمةٍ صحية أكثر، الأمر الذي يدفع طفلك للشعور بالخجل الشديد لأنه يعتقد أن طريقة أكله لا تعجبك. اسأل نفسك: هل تعرف مقدار ما تناوله في ذلك اليوم؟ (لا، لا تعلم غالباً). هل من المحتمل أن يكون جائعاً حقاً ويحتاج إلى الحصول على إذن لتناول ما يشاء دون أن يجعله ذلك يشعر بالذنب أو الحرج؟ ربما كان محرجاً حقاً. إذا كان الأمر كذلك، فإن ما يحتاج إليه هو الدعم والمساحة والإذن والحب، وليس الخجل من تناول الطعام.
انتبه إلى العبارات التي تقولها لطفلك حول الطعام
إن قول عباراتٍ فظة لهم من قبيل «هل أنت جائع إلى هذه الدرجة» و«جسدك لا يحتاج إلى كل هذا الطعام، لقد أكلت طبقين من الحبوب»، لن يساعدهم في الشعور بالدعم، ومن المحتمل أن يدخلوا جراء ذلك في دوامةٍ من الخجل ويرغبون بتناول الطعام لوحدهم بعيداً عنك. ادعمهم من خلال تذكيرهم بتناول الوجبات مع العائلة وتناول الوجبات الخفيفة، وتوفير الطعام لهم وسؤالهم عما يرغبون بتناوله على الفطور والغداء، وما هي الوجبات الخفيفة التي يفضلون تناولها بعد المدرسة. أشركهم وأظهر لهم أنك تريد دعمهم في الحصول على ما يكفي من الطعام والشعور بالرضا. يجب ألا يكون المنزل مكاناً يشعر فيه الشخص بالسوء حيال ما يأكله.
اقرأ أيضاً: الأطفال الذين يأكلون الخضار والفواكه يتمتعون بصحةٍ نفسية أفضل
مخاطر تبني حميات غذائية منخفضة السعرات الحرارية على صحة الأطفال الرياضيين
إذا كان طفلك يأكل الكثير من الأطعمة «الخفيفة» أو أطعمة الحمية، خصوصاً إذا كان في سن المرحلة الثانوية أو أكبر، وكان من الرياضيين النشطين، فمن المحتمل أنه لا يحصل على سعرات حرارية كافية لتلبية احتياجاته، وبالتالي سيأكل أكثر. عندما يدرك الجسم والدماغ أن هناك عجزاً في السعرات الحرارية، يفرز الجسم مواد كيميائية عصبية وهرموناتٍ لحماية الجسم، حيث يظهر أثرها على شكل زيادةٍ ملحوظة في الشهية وتناول الطعام. قد يظهر الأمر عند البعض بالإفراط بتناول الطعام في بعض الأوقات والحد من ذلك في أوقات أخرى، ويستمر الأمر على هذا النحو. وهكذا، يبدأ العديد من الرياضيين الشباب والنشطين جداً، والذين يحتاجون كمياتٍ كبيرة من السعرات الحرارية ويضعون تناول الطعام الصحي في قائمة أولوياتهم (الأمر الذي قد ينطوي على تناول كمياتٍ أقل من السعرات الحرارية)، بالمعاناة من الرغبة بالإفراط في تناول الطعام.
على الرغم من شيوع اضطراب نهم الطعام، إلا أنه نتيجة مباشرة لقلة الطعام أو الإصابة بسوء التغذية دون قصد. لذلك إن اشتكى طفلك أو ابنك المراهق من أنه يشعر بعدم قدرته على السيطرة على شهيته أو يأكل كثيراً، وربما يكتسب وزناً أيضاً، فقد تكمن المشكلة في قلة الأكل، وليس في الإفراط بتناول الطعام. التقييد ليس أبداً الطريقة المثالية للتعامل مع الطعام.
يمكن أن يكون تناول كميات كبيرة أمراً طبيعياً، ولكن الشعور بالذنب والعار، والحاجة للتعويض بممارسة التمارين الرياضية أو تقييد الطعام، أو التقيؤ واستخدام المسهلات أو مدرات البول، علاماتٌ على اضطراباتٍ أكثر خطورة. تحتاج اضطرابات الأكل علاجاً متخصصاً بالإضافة إلى بيئة منزلية عطوفة وداعمة تسمح للطفل بالتعافي من الأفكار والسلوكيات المضطربة. إن وضع قيود على الطعام، بغض النظر عن مقدار ما يأكله أطفالك، ليس هو الحل مطلقاً. في الواقع، يمكن أن تكون سلوكيات الأكل المضطربة آلية تأقلمٍ يطورها الطفل لتجاوز الظروف الصعبة.
المقال مُقتبس من كتاب «كيف تربي آكلاً بديهياً: تنمية ثقة الجيل القادم بالطعام والجسم» للمؤلفين؛ سمنر بروكس وإيمي سيفرسون.