أهم ما يجب أن تعرفه عن وقود الطائرات المستدام

7 دقائق
أهم ما يجب أن تعرفه عن وقود الطائرات المستدام
وقود الطائرات المستدام يشبه وقود الطائرات النفاثة المستخدم حالياً. حقوق الصورة: كلاي بانكس/أنسبلاش.

يتسبب الطيران حالياً بنحو 3% من انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم، ما يقابل إنتاج نحو 900 مليار طن من ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً. ومن المتوقع أن يزداد الإجمالي مع زيادة عدد الأشخاص الذين يستخدمون وسائل النقل هذه.   

للحد من ازدياد الانبعاثات المرتبطة بالطيران، تبحث شركات الطيران عن أنواع جديدة من الوقود السائل تسمى «وقود الطيران المستدام». هذه الأنواع من الوقود مماثلة بما يكفي لوقود الطائرات حتى تحل محله، ولكنها مصنوعة من مصادر الطاقة المتجددة. وهي تنتشر ببطء. أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية عن خطة تهدف للوصول إلى إنتاج 13.6 مليار ليتر من من هذا الوقود بحلول عام 2030.   

التقنيات الأخرى التي تهدف إلى إزالة الكربون الناجم عن عمليات الطيران تلوح في الأفق، لكن الوقود المستدام مناسب بشكل خاص لتقليل الانبعاثات بسرعة في عدد كبير من الرحلات الجوية. الطائرات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات قيد التطوير، ولكن من المحتمل أن يقتصر استخدامها على الرحلات الأقصر، وأن تكون حجومها أصغر، أي ستكون بمثابة سيارات أجرة جويّة. الطائرات التي تعمل بالهيدروجين، مثل التصميمات التي أعلنت عنها شركة «إير باص» في عام 2021، ربما لن يتم تسويقها وتوسيع نطاق إنتاجها لعقود، وقد يكون لها مجال محدود أيضاً من ناحية طول الرحلات.  

على الرغم من أن الوقود المستدام يبدو واعداً، لكن لا تزال هناك أسئلة حول مدى سهولة الانتقال إلى استخدامه، ومقدار التكلفة، ومقدار الوقود الذي يمكن أن يقلل الانبعاثات فعلياً. هناك أيضاً مجموعة كبيرة من أنواع الوقود المستدام، وكلها لها مزاياها وعيوبها. وإليك ما تحتاج لمعرفته حول هذه التكنولوجيا.  

ما هو وقود الطيران المستدام؟

يتطابق التركيب الكيميائي لأنواع وقود الطيران المستدام مع وقود الطائرات التقليدي (أو الكيروسين)، وهو مزيج من الهيدروكربونات، ولكن بدلاً من أن تُصنع من الوقود الأحفوري، فهي تصنع من مجموعة من المواد الأولية المتجددة. تُصنع الكثير من أنواع الوقود المستدام من منتجات النفايات الحيوية، ومنها زيوت الطهي المستعملة، ومخلّفات حصاد الذرة، وفضلات الطعام، أو النفايات الصلبة. بعض أنواع الوقود المستدام تكون اصطناعية تماماً، وتدعى «الوقود الإلكتروني»، وهي مصنوعة من ثنائي أوكسيد الكربون والهيدروجين. 

تحتاج المواد الأولية إلى المرور بمجموعة من الخطوات لتحويلها إلى وقود قابل للاستخدام. من أكثر الطرق شيوعاً في إنتاج الوقود المستدام حتى الآن استخدام زيوت النفايات والدهون والشحوم من المطاعم وما شابه ذلك. تخضع هذه المواد لعملية تكرير مماثلة لتلك التي يخضع لها وقود الطائرات التقليدي. وفقاً لـ «زيا عبد الله»، مدير برنامج مختبر الكتلة الحيوية في المختبر الوطني الأميركي للطاقة المتجددة، هذه العملية، والتي تسمى «معالجة الإسترات والأحماض الدهنية بالهيدروجين»، فعالة بشكل خاص، لأنها يمكن أن تُنجز في مصافي النفط الحالية.  

لكن نظراً لوجود عدد كبير من المواد الأولية وعمليات تصنيع الوقود المستدام، فإن تحديد فوائد هذه الأنواع من الوقود يمكن أن يكون أمراً صعباً. يعتقد «دان رذرفورد»، مدير برامج الطيران والبرامج البحرية في المجلس الدولي للنقل النظيف، أن السبب لا يتعلق بالكيمياء بقدر ما يتعلق بالمحاسبة.  

نظراً لأن أنواع وقود الطيران المستدامة متطابقة كيميائياً إلى حد ما مع وقود الطائرات التقليدي، فإنها تنتج نفس انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون عند الاحتراق. يقول رذرفورد، مشيراً إلى كيفية تصنيع الوقود: «المشكلة تكمن في المرحلة ما قبل التكرير».   

يبدأ وقود الطائرات التقليدي حياته في الأرض. يتم استخراجه وتنقيته وتنبعث منه غازات الدفيئة وغيرها من الملوثات عند حرقه. الكربون الذي كان تحت الأرض ينتهي به المطاف في الهواء. لكن الوقود المستدام يسحب الكربون من العملية عندما يتم تصنيعه، مثلما تستخدم النباتات ثنائي أوكسيد الكربون لإنتاج السكريات، ثم يعيد إصداره عند حرقه، لذلك تكون الانبعاثات الصافية صفراً.   

يعني ذلك أن تفاصيل إنتاج الوقود، مثل ما إذا كان مصنوعاً من مصادر طاقة متجددة وما إذا كان قد أدى تصنيعه إلى إزالة الغابات، سيحدد ما إذا كان يقلل بالفعل من الانبعاثات أم لا.

يقول رذرفورد إن الوقود الاصطناعي بالكامل، والذي يتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة وثنائي أوكسيد الكربون، يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة 99% أو أكثر. من المحتمل أن يتسبب استخدام مخلفات حصاد الذرة والنفايات من محطات معالجة مياه الصرف الصحي بانخفاض بنسبة 80%، بينما من المحتمل أن يتسبب تصنيع الوقود من زيوت الطهي بانخفاض الانبعاثات بنحو 50%. بعض أنواع الوقود البديلة لا تقلل بالضرورة الانبعاثات على الإطلاق. على سبيل المثال، بالنسبة لبعض أنواع الوقود المستدام المصنوعة من المحاصيل، يقوم المزارعون بزراعة المحاصيل خصيصاً لإنتاج الوقود الحيوي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إزالة الغابات بشكل كبير، بالإضافة إلى إنتاج انبعاثات أعلى من تلك الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري إذا أُخذ استخدام الأراضي في الاعتبار، ربما تكون قد سمعت أن زيت النخيل ضار بشكل خاص لهذا السبب.  

اقرأ أيضاً: كيف تحلق الطائرات في الهواء؟

هل يتم استخدام أنواع وقود الطيران المستدام حالياً؟

في الولايات المتحدة، تمت الموافقة على استخدام هذه الأنواع حالياً في مزيج مع وقود الطائرات التقليدي، بنسبة تصل إلى 50%. من الناحية التجارية، فإن الإمداد والبنية التحتية لهذه الصناعة محدودان، لذا فإن الوقود المستدام يُستخدم اليوم في عدد قليل فقط من الرحلات الجوية. مطار لوس أنجلوس الدولي هو أحد المطارات القليلة التي تدير بعض الرحلات الجوية التي تستخدم الوقود المستدام، إذ أنه يحصل على الوقود من شركة تسمى «وورلد إينرجي»، والتي تستخدم مزيجاً من الدهون وزيوت الطهي والشحوم كمواد أولية. تستخدم شركة «يونايتد» الوقود المستدام في مطار لوس أنجلوس الدولي منذ عام 2016، على الرغم من أنها لا تزال مسؤولة عن جزء صغير من إجمالي إمدادات الوقود الخاصة بالمطار.    

مع ذلك، ونظراً لأن معظم المطارات الرئيسية تستخدم خزانات مركزية حيث يتم خلط الوقود لجميع الطائرات، إذا كنت قد سافرت من مطار لوس أنجلوس في العامين الماضيين، وفقاً لـ «جوشوا هاين»، باحث هندسة الطيران في جامعة دايتون: «إن هذه الطائرة التي نقلتك تعمل على الأقل باستخدام نسبة قليلة من الوقود المستدام».

تسعى بعض الشركات إلى اختبار الرحلات التي تعمل بالطاقة المتجددة بالكامل. أعلنت شركة «رولز رويس» عن إنجاز رحلة تجريبية ناجحة باستخدام الوقود المستدام في أكتوبر/تشرين الأول 2021، إذ تم تشغيل أحد المحركات الأربعة على طائرة «بوينغ 747» باستخدام الوقود المستدام بشكل كامل في رحلة استغرقت 4 ساعات تقريباً. في رحلة تجريبية أخرى تمت في ديسمبر/كانون الأول 2021 قامت بها شركتا «يونايتد» و«جنرال إلكتريك»، كان أحد المحركين في طائرة «بوينغ 737» يعمل بنسبة 100% بالوقود المستدام، وكانت هذه الرحلة بين شيكاغو وواشنطن العاصمة، مع 115 راكباً على متنها.  

اقرأ أيضاً: تصميم جديد لأجنحة الطائرات بوزنٍ أخف ومرونةٍ أعلى

ما الحاجة لأنواع الوقود المستدام؟

يقول «جيم هيلمان»، كبير المسؤولين العلميين والتقنيين للبيئة والطاقة في إدارة الطيران الفيدرالية: «نحتاج إلى إزالة الكربون بسرعة».

في سبتمبر/أيلول 2021، أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية عن هدفها للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، ويتوقع هيلمان أن يكون الوقود المستدام واحداً من العوامل المهمة في الوصول إلى هذا الهدف. قد تلعب التكنولوجيات الأخرى دوراً أيضاً. يقول هيلمان إن تحديات الطيران تجعل تنفيذ بعض حلول الطاقة النظيفة المستخدمة في سياقات أخرى، مثل السيارات أو محطات الطاقة، أكثر صعوبة.   

يجب أن تكون الطائرة خفيفة بما يكفي لتتمكن من التحليق والاحتفاظ بما يكفي من الطاقة طوال رحلتها. هذا يعني أن كثافة الطاقة، وهي كمية الطاقة المخزنة في مساحة ووزن معينين، هي السر. من الصعب إيجاد النوع المناسب من وقود الطائرات. تتطلب طائرة بوينغ 737 بطارية أيونات الليثيوم التي وزنها 600 طناً لتتناسب مع طاقة الوقود التقليدي. يقول عبد الله إن هذا أثقل بعدة مرات من الوزن الإجمالي للطائرة عند الإقلاع، والذي يبلغ نحو 90 طناً.    

يضيف عبد الله أن الهيدروجين أخف وزناً، لكنه يشغل مساحة كبيرة، لذا فإن استخدام ما يكفي منه لتشغيل طائرات كبيرة للرحلات الطويلة يمثل أيضاً تحدياً. ستحتاج طائرة بوينغ 737 التي تستخدم الهيدروجين المسال لتوليد الكهرباء إلى ملء ما بين ثلث ونصف الطائرة بالوقود، ما يحد بشدة من المساحة المخصصة للركاب والبضائع. يمكن للتصميمات الجديدة للطائرات التي تعمل بالهيدروجين أن تحل هذه المشكلة، إلا أن طرحها في السوق سيستغرق عقوداً.  

اقرأ أيضاً: من الطائرات إلى باطن الأرض: هذه روبوتات الاتحاد الأوروبي 

ما هي المشكلة؟

التكلفة هي واحدة من أكبر العوائق التي تحول دون استخدام الوقود المستدام في الوقت الحالي، لأن تكلفة معظم أنواع هذا الوقود أعلى بما يتراوح بين ضعفين وأربعة أضعاف تكلفة وقود الطائرات التقليدي. وفقاً لرذرفورد، في حين أن الأسعار يمكن أن تنخفض قليلاً على الأرجح عندما يتسع نطاق إنتاج هذا الوقود ويصبح أكثر شيوعاً، إلا أنه ليس من المرجح أن يكون هذا الوقود رخيصاً مثل الوقود الأحفوري. 

يمكن أن تزداد هذه التكاليف بسرعة، خاصة بالنسبة للطائرات الأقل كفاءة في استهلاك الوقود. قد تمثل هذه المشكلة تحدياً لـ «بوم سوبرسونِك»، وهي شركة ناشئة تهدف لإجراء رحلات تجارية سرعتها أكبر من سرعة الصوت بحلول عام 2030، وقد تعهدت بالاعتماد فقط على الوقود المستدام لتشغيل طائراتها. 

في تحليل حديث، قدّر رذرفورد وزملاؤه من «المجلس الدولي للنقل النظيف» تكاليف الوقود التي يجب على شركة بوم سوبرسونك دفعها إذا استخدمت الوقود المستدام، ووجدوا أن الشركة قد تواجه على الأرجح تكاليف تزيد عن 25 ضعف ما تدفعه شركة الطيران التقليدية، لأن الوقود البديل أغلى بـ 3 مرات من الوقود التقليدي، والطائرات الأسرع من الصوت تتطلب وقوداً أكثر لكل كيلومتر تقطعه، لكل راكب. 

حتى إذا كانت الشركات على استعداد لمضاعفة تكاليف الوقود 3 مرات، فلا يزال هناك أيضاً إمداد محدود من الوقود المستدام الأكثر شيوعاً في الوقت الحالي. تبلغ السعة الإجمالية لزيوت الطهي والدهون والشحوم المستخدمة حالياً نحو 6.8 مليار ليتر سنوياً. تستهلك الولايات المتحدة وحدها حالياً نحو 90.2 مليار ليتر من وقود الطائرات سنوياً، ومن المرجح أن تصل إلى 159.1 ملياراً بحلول عام 2050، لذلك سنحتاج إلى مواد أولية أخرى لتلبية هذا الطلب المتزايد.   

يقول رذرفورد إن توسيع نطاق البنية التحتية اللازمة لإنتاج كل أنواع الوقود الحيوي سيكون صعباً. ويضيف أنه سيتعين تشغيل نحو 7000 منشأة إنتاج بحلول عام 2050 لتوفير ما يكفي من الوقود المستدام لدعم كل الرحلات، ويوجد حاليا 3 منشآت فقط.   

يقول عبد الله إنه يمكن إعادة استخدام بعض تقنيات التصفية الحالية للمساعدة في تقليل أعمال البناء الجديدة المطلوبة. ولكن ستكون هناك حاجة إلى معدات جديدة لتحويل المواد الأولية المختلفة إلى حالة تكون فيها متوافقة مع المصافي التي يمكنها صنع الوقود المستدام.  

ما هي الخطوة التالية؟

لدى الاتحاد الأوروبي اقتراح يشق طريقه عبر العملية التشريعية وهو يتطلب من شركات الطيران استخدام نسبة دنيا تبلغ 2% من الوقود المستدام بحلول عام 2025، تصل إلى 63% بحلول عام 2050. من المتوقع أن تستغرق العملية الكاملة، التي بدأت في يوليو 2021، ما بين 8 و18 شهراً. الولايات المتحدة ليس لديها تفويض مخطط له، على الرغم من أن إدارة الرئيس «جو بايدن» قد دعت إلى إعفاء ضريبي لشركات الطيران التي تستخدم الوقود المستدام. يمكن أن يساعد ذلك أنواع الوقود هذه على أن تصبح أكثر تنافسية من حيث التكلفة مع وقود الطائرات التقليدي.    

ستساعد الموافقة على استخدام نسب أكبر من الوقود المستدام في الرحلات التجارية (لتصل إلى 100%)، بالإضافة إلى توفير دوافع للشركات للقيام باستثمارات في هذه التكنولوجيا، في تحديد مدى تأثير الوقود المستدام على قطاع الطيران الذي يواجه صعوبة حتى الآن في خفض الانبعاثات. 

يقول هيلمان: «إزالة الكربون ستكون صعبة». لكنه يعتمد على الوقود المستدام ليكون على الأقل جزءاً من الحل، ويضيف: «ليس لدينا خيار آخر». 

المحتوى محمي