يُعتبر قراد الغزال السبب الرئيسي وراء معظم الأمراض المنقولة بالنواقل في أميركا الشمالية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأدوات الجزيئية لدراسة هذه المفصليات وتعديلها وراثياً متخلفة عن ناقلات الحشرات الأخرى، مثل البعوض. في بحثٍ جديد نُشر في دورية «آي ساينس»، يقول الباحثون إنهم نجحوا لأول مرة بتغيير الحمض النووي للقراد ذو الأرجل السوداء، والمعروف باسم قراد الغزال، ونجحوا في تفقيس حضنة اليرقات المعدلة جينياً من البيوض. ويذكر العلماء أنهم استهدفوا الجينات التي تساعد في تشكل أجزاء الفم والدروع لدى القراد.
أبحاث نادرة حول القراد
تقول مؤلفة الدراسة مونيكا غوليا نوس، عالمة بيولوجيا النواقل في جامعة نيفادا، رينو: «كان سد الثغرات التي كانت لدينا في أبحاث القراد هو مصدر إلهامنا. أردنا معرفة ما إذا كان بإمكاننا تطوير أدواتٍ وراثية مماثلة للأدوات الحالية التي نمتلكها ضد البعوض، بالإضافة لفهم بيولوجيا القراد على مستوى جزيئي أعمق».
تُعتبر تقنية «كريسبر/ كاس 9»، أو المقص الجيني، أداة تحرير جينية حديثة يمكن تطبيقها على نطاق واسع على الكائنات الحية لتعديل السمات الموروثة في ذريتها بشكل دائم. لكن هناك بعض التحديات التقنية التي تعيق استخدامها على القراد. يقول مؤلف الدراسة أندرو نوس، عالم أحياء مفصليات الأرجل في جامعة نيفادا، رينو: «على الرغم من أن حشرة القراد قاسية جداً، إلا أن بيضها هش وصلب في نفس الوقت. يضع القراد بيوضه خلال الخريف، ويفقس في الربيع التالي، وهي مغطاة بطبقة سميكة من الشمع لمنعها من الجفاف أثناء سكونها الطويل. كل بيضة محصنة بقشرة صلبة. الضغط التناضحي داخل البيضة مرتفع جداً، وحتى أعلى مقارنةً ببيوض الحشرات الأخرى، الأمر الذي يجعل أكياس البيوض أكثر عرضةً للانفجار كبالونٍ من الماء عند أقل ضغط عليها. بالإضافة إلى هذه التحديات، فإن دورة حياة الطفيلي الطويلة والمرحلة الجنينية الغامضة نسبياً تصعّب التعامل معه بتقنية كريسبر».
وتضيف نوس: «لقد أجرى العديد من الباحثين الآخرين في الماضي تجارب غير ناجحة. لكننا، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية التي استغرقها إكمال المشروع، جربنا كل شيء لم يتم تجريبه».
اقرأ أيضاً: التعديل الجيني يمكن أن يساعد في القضاء على فيروس الإيدز
استخدام كريسبر/ كاس 9
لقد كان على الباحثين قبل أن يتمكنوا من تعديل نسل قراد الغزال إيجاد طرقٍ بديلة لإيصال كواشف «كريسبر/ كاس 9» إلى البيض. في البداية، قام الباحثون بإزالة العضو المسؤول عن إفراز الطبقة الشمعية الخارجية من إناث القراد، ما جعل الإناث تضع بيضاً غير محمي بهذه الطبقة. بعد ذلك، جرب الفريق طريقتين لإيصال المواد الكيميائية الحيوية المعدلة للجينات: حقنها في أنثى القراد التي تحمل البيوض، وحقنها في الأجنة الموضوعة حديثاً داخل البيض.
في الطريقة الأولى، كان الهدف من مزيج بروتين «كاس 9» تعديل الحمض النووي لليرقات. في الطريقة الثانية، عالج الباحثون البيض الموضوع بالملح لتقليل الضغط التناضحي الداخلي وتليين القشرة الخارجية، ما سمح لهم بإدخال المواد الكيميائية إلى البيضة بالوخز دون انفجارها. وتقدر غوليا نوس أن فريقها حقن آلاف البيوض في تجاربه بإبرة أرّق بمئة مرة من شعر الإنسان.
كإثباتٍ للمفهوم، حذف الباحثون جينين قياسيين من الجيل التالي من القراد يتحكمان في تطور أجزاء فم الحيوانات والبشرة الخارجية الصلبة. قام الفريق بسَلسَلة الجينات في اليرقات الناجية ووجد أن معدل نجاح التحول الجيني كان مشابهاً لمعدل نجاحه في دراسات كريسبر الأخرى التي تم الإبلاغ عنها سابقاً. نجا كل القراد من الحقن، ونحو 10% من البيض المحقون في التجربة فقس ونما إلى يرقات.
يصف وانز ديرماو، عالم الحشرات في معهد أبحاث الزراعة ومصائد الأسماك والغذاء في فلاندرز ببلجيكا، والذي لم يشارك في الدراسة، البحث بأنه "اختراق". ويقول: «إن القدرة على تغيير جينات القراد ستمهد الطريق لدراسة وظيفة الجينات المشاركة أو المهمة في نقل الأمراض مثل مرض لايم».
اقرأ أيضاً: كريسبر المُصغر: تطوير أداة هندسة الجينوم للوصول إلى علاجات جينية ثورية
يقول كل من أندرو نوس وغوليا نوس إنهما متحمسان للفرص التي تفتحها أدواتهما الجديدة للبحث في البيولوجيا الجزيئية في القراد. ويطمحان في المستقبل إلى تحسين معدلات نجاح التحول الجيني، وتطوير دراسة الجينات المسؤولة عن جعل القراد طفيلياتٍ مزعجة، وإمكانية تعديل مفصليات الأرجل جينياً لجعلها نواقل لأمراضٍ أقل عدوى. مع هذه الأدوات الجزيئية الجديدة، يأملان أن يتمكن الباحثون في هذا المجال أخيراً من كشف الأسرار الجينية للقراد.
يقول نوس: «كانت هذه التقنيات مطلوبةً بالفعل في هذا المجال منذ فترة طويلة، لأننا لا نعرف الكثير عن القراد».