مستشعر الرادار: وسيلة فعالة لزيادة أمان السيارات ذاتية القيادة

6 دقائق
رادار السيارات ذاتية القيادة: وسيلة الركاب للوصول إلى بر الأمان
حقوق الصورة: شترستوك.

تمثل السيارات ذاتية القيادة مستقبل السيارات. كان يُعتقد أنها ستتنقل في الشوارع في غضون بضع سنوات، لكنها واجهت عدة عقبات أخّرت نشرها على الطرقات، خاصةً وأنها لم تصبح قادرة على استيعاب محيطها وفهمه بعد، لاتخاذ القرار الصحيح بناءً على المعلومات. لحل هذه المعضلة المهمة، تمت الاستعانة بتقنيات الاستشعار والحساسات المختلفة، كالكاميرات والليدارات والرادارات.

كيف ترى السيارات ذاتية القيادة العالم من حولها؟

في الآونة الأخيرة أخذ موضوع القيادة الآلية حيزاً كبيراً من بحوث تطوير السيارات. حتى تعمل هذه الأنظمة بطريقة فعالة، يجب أن يُلحق بالسيارة عدد من الحساسات لجمع المعلومات حول حركة السير والمحيط حول السيارة. يشمل هذا معلومات عن حالة الطريق والتنبؤ بالعقبات على المسار وعلى جانبيه أيضاً كالمركبات والدراجات والمشاة، وكذلك معلومات عن إشارات المرور والسير والسلامة وفي جميع الظروف المناخية. 

معظم السيارات الحالية تستخدم الكاميرات، الأمر الذي يجعلها عديمة النفع في الظلام والظروف المناخية الصعبة، إذ تواجه السيارات ذاتية القيادة مشكلة في الرؤية في الطقس العاصف أو الضبابي أو الماطر، ويؤثر ذلك على قدرتها على قراءة اللافتات والعلامات الطرقية. دفع ذلك بمهندسي المركبات ذاتية القيادة إلى استخدام مستشعرات أخرى.

لماذا تحتاج السيارات ذاتية القيادة إلى مستشعرات؟

يدرك سائق السيارة البشري الطرقات من حوله بحواسه المختلفة. لذلك، عند التخلي عن السائق واستخدام السيارات ذاتية القيادة، لا يجب أن نستغني عن تلك الحواس، ويجب تزويد السيارة بحواس، لكن من نوع آخر. يمكن تحقيق هذا النوع من الحواس والإدراك باستخدام أنواع مختلفة من أجهزة الاستشعار، من أجل جمع المعلومات حول البيئة المحيطة بالسيارة وتنسيقها وتقديمها بطريقة يمكن لحاسوب السيارة فهمها.

وأيضاً، كما عند البشر، لكل حاسة وظيفة تُستخدم في إدراك شيء معين، يجب تزويد السيارة ذاتية القيادة بالمستشعر المناسب لكل ما حولها، وانطلاقاً من هذه النقطة أصبح لها نوعان أساسيان من المستشعرات هما: رادار (RADAR) وليدار (LIDAR).

مستشعرات الليدار: وإمكانية تطبيقها في السيارات ذاتية القيادة

جاءت تسمية الليدار من الحروف الإنجليزية LIDAR، والتي هي اختصار لـ (Light Imaging Detection and Ranging)، والتي تعني اكتشاف التصوير الضوئي وتحديد المدى. تستخدم هذه التقنية نبضات ضوء الليزر لمسح ما يحيط بالسيارة، على عكس تقنية الرادار التي تستخدم موجات الراديو.

تتمتع هذه التقنية بدقة عالية وذلك بفضل الكمية الكبيرة من نبضات الليزر التي تشكل ما يسمى بالسحب النقطية. يمكن بعد ذلك تحليل سحابة النقاط تلك بواسطة الذكاء الاصطناعي أو التعلم الآلي أو الخوارزميات الأخرى، لتحصل السيارة على تمثيل رقمي للعالم من حولها، على شكل صورة دقيقة أحادية اللون ثلاثية الأبعاد.

مع استخدام تقنية ليدار، لن يكون هناك داعٍ للقلق بشأن المشاة أو سائقي السباقات أو إشارات المرور أو الأشياء الصغيرة إذ يمكن الكشف عنها بسهولة بفضل الطول الموجي القصير لأشعة الليزر، فهي التقنية الأفضل في هذه الحالة، لكنها، ومع الأسف، باهظة الثمن، لذلك ليس بالإمكان استخدامها على نطاق واسع الآن، كما لا يمكن استخدامها جيداً ليلاً، أو عندما تسوء الأحوال الجوية، خاصة في الطقس العاصف أو عندما تتساقط الثلوج أو الأمطار، إذ يرتد ضوء الليزر عنها، ما يعطي تفسيراً خاطئاً للمحيط.

اقرأ أيضاً: الانعطاف نحو اليسار يُمثل تحدياً للسيارات ذاتية القيادة

تقنية الرادار: الأفضل حتى الآن

لأكثر من 30 عاماً، قامت شركات صناعة السيارات والسائقون بتضمين الرادار في المركبات للمساعدة في التحكم الآلي أثناء القيادة، والفرملة التلقائية في حالات الطوارئ، وركن السيارات، والمزيد. تلعب هذه التقنية القوية والفعالة دوراً حاسماً في تجربة السائق اليوم، إذ تُستخدم لمساعدة المركبات ذاتية القيادة على التنقل.

تُستَخدم الآن تقنية الرادار في المركبات ذاتية القيادة، كما الليدار، لفحص المناطق المحيطة بالسيارة، واكتشاف الأشياء عن بعد وتحديد سرعتها والابتعاد عنها أو تجاوزها. لتحقيق ذلك، تستخدم موجات الراديو، ويتكون النظام الخاص بها من جهاز إرسال ينتج موجات كهرومغناطيسية في مجال الراديو أو الموجات الدقيقة، وهوائي إرسال، وهوائي استقبال، أو يمكن استخدام هوائي واحد للإرسال والاستقبال، بالإضافة إلى جهاز استقبال ومعالِج لتحديد خصائص الأشياء والأجسام الموجودة في محيط السيارة. تنعكس موجات الراديو الصادرة من جهاز الإرسال عن الجسم وتعود إلى جهاز الاستقبال، ما يوفر معلومات حول موقع الجسم وسرعته.

تتميز تقنية الرادار بأن لها مسافة تشغيل طويلة، ويمكن أن تعمل في ظروف وبيئات أكثر تنوعاً، إذ ليس لها حساس للأوساخ، على سبيل المثال، ولا تحتوي على أي أجزاء متحركة ميكانيكية. يمكن أن يعمل الرادار بشكل جيد في الظروف الجوية السيئة، كما أنه مجدٍ من حيث التكلفة، خاصة عند مقارنته بالليدار والكاميرا. أضف إلى ذلك، أن مستشعرات الرادار لا تتطلب الكثير من الطاقة، فلا تستهلك الكثير من طاقة البطارية.

في المقابل، قد تُخطئ في تحديد حجم الكائن أو ماهيته، بسبب الانعكاس و / أو الاضطراب. على سبيل المثال، يمكنها التعرّف على عبوة صودا على الطريق على أنها مبنى. كما أنها ليست بدقة المستشعرات الأخرى. لكن بالنسبة للمركبات التي تسير بسرعة (50-70 كم / ساعة أو أكثر)، فإن وقت رد الفعل مهم للغاية، وهذا ما تحققه أجهزة الرادار، وهو ما دفع مصنعي السيارات ذاتية القيادة لاستخدامها بكثرة اليوم. 

اقرأ أيضاً: لماذا تسير السيارات ذاتية القيادة مسافات افتراضية؟ إليك السبب

الرادار الذكي: مستقبل السيارات ذاتية القيادة 

الآن، وصل التطور بتقنيات المركبات ذاتية القيادة إلى استخدام البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي ومستشعرات الرادار لقراءة ما يوجد في محيط السيارة ونقل الركاب بأمان إلى وجهتهم. يسمى هذا النوع من المركبات بالمركبات السمعية والبصرية.

يمكن تحسين تقنيات الرادار بإضافة المزيد من الهوائيات، لكن ذلك يعني زيادة تعقيد الرادار واستهلاكه للطاقة وحجمه، مقابل تحسين طفيف في الأداء، وزيادة في التكلفة أيضاً. لكن مع انتشار تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحسين تقنية الرادار، كما فعلت مع الكاميرات. 

يمكن زيادة دقة الرادار التقليدي بما يصل إلى 100 مرة، بوجود تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، فهي تساعد في إصدار شكل موجة معدل يتغير في الوقت الفعلي. من السهل تطبيق هذه التقنيات في أجهزة الرادار الحالية، فالمستشعرات الذكية المعنية تتلاءم مع عبوة الرادار الحالية، كما أنها أكثر موثوقية، ولا يؤدي استخدامها إلى زيادة التكلفة، أي أنها تمنحنا أداءً أفضل بسعر أقل، ليصبح بالإمكان زيادة سرعة المركبات ذاتية القيادة، مع الحفاظ على صفة الأمان. 

دمج جميع أنواع المستشعرات لأداء أفضل 

تقوم بعض الشركات المصنعة للمركبات ذاتية القيادة بدمج المستشعرات الثلاثة: الكاميرات والرادارات والليدارات، في نظام استشعار واحد، بطريقة تُعرف باسم "اندماج المستشعرات". من هذه الشركات شركة موبايل آي (Mobileye)، إذ تعمل على تطوير نظامين فرعيين متوازيين للمركبات، مع نموذجين يعمل كل منهما بشكل مستقل عن الآخر، أحدهما من الكاميرات والآخر من الرادار والليدار. 

يقدم رادار التصوير الرقمي المحدد بالبرمجيات تصويراً حقيقيّاً رباعي الأبعاد، بدقة عالية جداً، مقارنة مع الرادار التناظري التقليدي. ويسمح باكتشاف الأهداف الدقيقة من مسافة بعيدة، حتى مع وجود أهداف أكبر وأقرب أو في نفس النطاق، مع التعامل بفعالية مع التداخلات.

أما الليدار الذي تطوره الشركة، فأقل حساسية للتداخل بوجود ضوء الشمس والانعكاسات. ويرسل موجة مستمرة من الضوء بدلاً من النبضات القصيرة، ما يجعله يستهلك مستويات طاقة أقل وأكثر أماناً مع تحقيق اكتشاف أعلى، ويقلل بذلك التداخل غير المرغوب فيه من العواكس مثل إشارات المرور والشاخصات المرورية.

رادار بدقة الليدار وبتكلفة منخفضة

ولتطوير تقنيات الرادار أكثر، عمل فريق من المهندسين الكهربائيين في جامعة كاليفورنيا على تطوير طريقة جديدة لتحسين قدرة التصوير لأجهزة استشعار الرادار الحالية بحيث تتنبأ بدقة بشكل وحجم الأشياء في عرض سيارة ذاتية القيادة. الرادار الذي عملوا على تطويره، هو رادار يشبه الليدار، لكنه غير مكلف وقادر على العمل بفعالية في الأحوال الجوية السيئة.

يتكون النظام من اثنين من أجهزة استشعار الرادار الموضوعة على الغطاء ما يمكّن النظام من رؤية مساحة وتفاصيل أكبر من مستشعر الرادار الفردي. فهي لا ترى السيارات المحيطة فقط، بل يمكن أن تعرف عن طريقها السرعة التي تتجه بها تلك السيارات، وأبعادها من طول وعرض وارتفاع، وتحديد موقعها بدقة، حتى في أسوأ الظروف، كالضباب مثلاً.

اقرأ أيضاً: شركة تخطط لبناء سيارة ذاتية القيادة مجهزة برقائق ضوئية لتحسين أدائها وزيادة عمر بطاريتها

السيليكون لرادار أكثر فعالية وبتكلفة أقل

وفي محاولة أخرى لتقليل تكلفة إنتاج الرادار، تعاون باحثون من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (كاكست) في المملكة العربية السعودية مع آخرين من جامعة ميتشيغن الأميركية، متخصصين في مجال الإلكترونيات ذات الموجات المليمترية عالية التردد، لتطوير رادار (FMCW) المتكامل منخفض التكلفة بقاعدة السيليكون.

يهدف المشروع إلى تصميم وتصنيع رادار بترددات عالية جداً تصل إلى 240 غيغاهيرتز متكامل لتطبيقات رادار السيارات. إن استحداث صناعة مثل هذا الرادار سيكون ثورة صناعية في مجال رادارات السيارات، إذ يؤدي إلى خفض التكلفة الإجمالية للنظام عن طريق استخدام السيليكون ليكون التصنيع والإنتاج مثالياً. 

وينقسم العمل في هذا المشروع إلى عدة مراحل كالتالي: 

  • دراسة وتحليل احتياجات صناعة السيارات وعمل المواصفات اللازمة للنظام ومحاكاته مع جميع الدوائر غير المثالية لإعطاء رؤية واضحة حول نظام الرادار المتكامل. 
  • يتم تحسين الطاقة لكل جزء من أجزاء النظام عن طريق دمج فيزياء الجهاز مع مكونات الدائرة لتوليد الطاقة العالية في السيليكون. 
  • تصميم الجهد العالي ومتحكم الجهد المذبذب من خلال التكبير والضبط للجهد بالدائرة وتقليل التشويش. 
  • يتم تصنيع جميع دوائر الرادار بعد تصميمها وإجراء الاختبارات اللازمة على ركيزة السيليكون من خلال معمل عالي التقنية. 

اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تؤكد أن السيارات الكهربائية أقل عرضة للاحتراق

رادار الموجات المليمترية لأمان أكثر

يعمل الباحثون أيضاً في كاكست على تطوير رادار يعمل في الموجات المليمترية، بهدف زيادة الأمان في القيادة وتقليل الحوادث. تعد هذه التقنية من التقنيات المعقدة التي ستساهم في التطور الصناعي والتقني للمملكة العربية السعودية بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030، وينقسم العمل في هذا المشروع إلى ثلاثة مسارات على النحو التالي:

  • بناء رادار في نطاق الموجات الملليمترية لعمل التجارب على الأهداف وتصنيفها. 
  • دراسة الموجات الكھرومغناطیسیة المنعكسة من مختلف أنواع الطرق والأجسام المختلفة والمتوقع وجودها على الطريق. 
  • تصميم وتصنيع الدوائر التي تعمل في نطاق الأمواج الميكروية.. 

في هذا الصدد، تمكن الباحثون من معايرة نموذج لرادار في نطاق الأمواج الميكروية لعمل التجارب اللازمة، وأجروا دراسات وتجارب علمية للموجات الكھرومغناطیسیة المنعكسة من المركبات. كما تم تصميم وبناء واختبار مُزيح للطور (Phase shifter) كأول مزيح للطور يعمل على الترددات الميلليمترية. وتم استخدام طيف دوبلر للجسم المتحرك بواسطة رادارات السيارات للتعرف على المشاة من الأجسام الأخرى ذات المقطع العرضي الراداري المماثل. 

يهدف هذا المشروع إلى زيادة سوق المركبات ذاتية القيادة من 1% عام 2020 إلى 75% في عام 2035، وتوجهات المستقبل في أنظمة وأجهزة الملاحة والأمان والاتصالات المتقدمة المعتمدة على ترددات المركبات ذاتية القيادة.

ستستمر جهود الباحثين والمهندسين من حول العالم لتطوير مستشعرات أكثر فعالية، وبتكلفة منخفضة قدر الإمكان، تسهم في وصول راكبي السيارات ذاتية القيادة إلى وجهاتهم آمنين.

 

المحتوى محمي