كيف تطوّرت الخفافيش مصاصة الدماء لتستفيد من نظامها الغذائي بأحسن طريقة ممكنة؟

4 دقائق
كيف تطوّرت الخفافيش الماصة للدم لتستفيد من نظامها الغذائي بأحسن طريقة ممكنة؟
حقوق الصورة: شترستوك.

الخفافيش الماصة للدم كائنات غريبة للغاية، حتى بالنسبة لأنواع الخفافيش الأخرى. 

تعتبر هذه الخفافيش الثدييات الوحيدة التي تتغذّى كلياً على الدماء، ما يعني أن أجسادها اضطرت للتكيّف بطرق عديدة مع هذا النظام الغذائي القاسي. وفقاً لـ «مايكل هيلر»، أستاذ علم الجينوم المقارن في مركز «لوفيه» لعلم جينوم التنوّع الحيوي المتعدّي (أي المتعلق بتحويل العلوم النظرية إلى تطبيقات عملية)، تتميز الخفافيش الماصة للدم أيضاً بمهارات اجتماعية متقدمة.  

ما هي السمات الوراثية المميزة للخفافيش؟

يحقق هيلر وزملاؤه في التغيرات الوراثية التي مكّنت الخفافيش الماصة للدماء من النجاح تطورياً. حلل الباحثون جينومات الخفافيش الماصة للدماء الشائعة وأكثر من 20 نوعاً آخر من الخفافيش، وحددوا 10 مورثات أصبحت معطّلة لدى هذه الخفافيش. وفقاً لما أفاد به فريق هيلر في 25 مارس/آذار 2022 في دورية «تقدّمات علمية»، قد تساعد العديد من هذه التغيرات الوراثية الخفافيش الماصة للدم في التكيف مع المستويات المرتفعة من الحديد في دمها، كما أنها قد تساهم في قدراتها المعرفية المثيرة للإعجاب.  

قال «جيرالد كارتر»، عالم البيئة السلوكية في جامعة ولاية أوهايو، والذي لم يشارك في البحث الجديد، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «يمكن أن تعطينا هذه التغيّرات الوراثية معلومات عن الانتقاء الطبيعي الذي خضعت له سلالة الخفافيش الماصة للدماء في الماضي»، وأضاف: «لا تتعلق هذه السمات بالطريقة التي تهضم فيها هذه الخفافيش الدماء فقط، بل تتعلق أيضاً بسلوك هذه الثدييات وطرق تفكيرها».  

يقول هيلر إن الدم مصدر غذائي غير مثالي لأنه يتألف من السوائل بنسبة 80% تقريباً، بينما تتألف النسبة الباقية بأغلبها من البروتينات، مع نسبة قليلة من الدهون والسكريات. نظراً لأن نسبة السعرات الحرارية في الدم منخفضة للغاية، تضطر الخفافيش الماصة للدم لشرب كمية من الدم تساوي 1.4 أضعاف وزن جسمها في وجبة واحدة.

من بين سماتها الخاصة الأخرى، تمتلك الخفافيش الماصة للدم حساسات للأشعة تحت الحمراء حول أنوفها، وقواطعاً حادة خالية من المينا تساعدها في اختراق جلد فرائسها، بالإضافة إلى أن لعابها يحتوي على مضادات التخثّر التي تحافظ على ميوعة الدم أثناء مصّه. تعتبر هذه الخفافيش بارعة في التسلل نحو فرائسها من خلال القيام بقفزات قصيرة مستندة إلى أكواعها، كما أنها تستطيع أن تجري وتقفز. يقول هيلر: «تتمتّع هذه الخفافيش بمهارات حركية استثنائية، في حين أن هذه المهارات محدودة للغاية لدى أنواع الخفافيش الأخرى».   

الخفافيش طورت أنماطاً اجتماعية أيضاً

نظراً لأن الخفافيش الماصة للدم تتّبع نظاماً غذائياً منخفض المغذّيات، فهي عرضة للجوع الشديد. تشارك الخفافيش الشبعى عادةً الدماء المجترّة مع الخفافيش الأخرى التي لم تنجح في الصيد ليلاً. ويقول هيلر: «تختار الخفافيش الأفراد التي تريد مشاركة الدماء معها بناءً على من شارك الدماء معها من قبل». يعني هذا أن هذه الخفافيش تستطيع تمييز شركائها في المسكن، وتتذكّر سلوكها السابق. تشكل الخفافيش الماصة للدم أيضاً روابطاً اجتماعية طويلة الأمد، إذ لاحظ كارتر وزملاؤه أن الخفافيش الأسيرة تبقى مترافقة حتى بعد إطلاق سراحها.     

وفقاً لهيلر، على الأرجح أن التعليمات الوراثية للخفافيش الماصة للدم تغيّرت بعدة طرق لتوافق نمط حياتها المعتمد على تغذّيها على الدم. ركّز فريق هيلر على المورثات التي تحتوي على طفرات تبطل قدرتها على تشفير بعض البروتينات الوظيفية. عادةً، يتم تعطيل هذه المورثات عندما تصبح غير مفيدة، بينما يمكن أن يؤدي فقدان إحدى المورثات في حالات أخرى إلى اكتساب أفضلية تطوّرية.   

لفهم الطريقة التي تتجلّى بها هذه العمليات في الخفافيش الماصة للدم، قام الباحثون بسَلسلة جينوم أحد الأنواع الثلاثة المعروفة منها. ثم قارنوه بالجينومات التي تعود لـ 26 نوعاً آخر من الخفافيش، بحثاً عن المورثات المفقودة في جينوم الخفافيش الماصة للدم، ولكن الموجودة في جينومات أقاربها البعيدة والقريبة.   

يقول هيلر: «في دراستنا لهذا الجينوم الجديد، كنا نحاول كشف المورثات التي كانت معطّلة في الفرع الذي تنتمي إليه الخفافيش الماصة». حدد هيلر وزملاؤه 13 مورثة مفقودة من جينوم الخفافيش الماصة للدم، والتي تبدو أنها تتعلق بسماتها المميزة.  

تم وصف 3 مورثات من المورثات المفقودة في أوراق بحثية سابقة، وتم ربطها بإدراك الخفافيش للطعم الحلو والمر، ما يشير إلى أن الخفافيش الماصة للدم تمتلك حاسة تذوّق سيئة. يقول كارتر: «إذا كان الحيوان يتغذّى على دماء الحيوانات الحية فقط، فلن يحتاج لإدراك الطعوم الجديدة، أو لتحسس أن الطعام فاسد». 

اقرأ أيضاً: تحديد المواقع بالصدى عند الخفاش قد يساعد في فهم اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة

زوال مورثات غير مستخدمة

وبالمثل، يقول هيلر إنه بالنسبة للمورثات الـ 10 المفقودة المكتشفة حديثاً، «نعتقد أن التفسير الأبسط لزوال معظمها هو ما يعبر عنه بعض العلماء بعبارة "إن لم تستخدمه فستفقده"». (أي إذا كانت المورثة غير مفيدة، فستزول في النهاية). 

تحصل الخفافيش الماصة للدم على كميات قليلة جداً من السكريات والدهون من غذائها، لذلك، ربما لم تعد هناك حاجة لعدد من المورثات التي لها دور في معالجة تلك المغذيات، وربما لم تعد بعض هذه المورثات مرتبطة بإفراز الحموض المَعديّة لدى هذه الخفافيش. يقول هيلر: «تحوّلت معدة الخفاش الماص للدم من عضو هضمي يُفرز الحموض، مثل معدة البشر والخفافيش الأخرى، إلى عضو تخزين قابل للتمدد». تفضّل الخفافيش الماصة للدم الصيد خلال أحلك ساعات الليل، بل إنها تتجنّب ضوء القمر، لذلك، أصبحت أيضاً المورثات المسؤولة عن الرؤية اللونيّة بلا فائدة على الأرجح.     

تلعب مورّثات أخرى أدواراً في هضم البروتينات ومقاومة الميكروبات التي قد تشكل خطراً على الخفافيش، ولكن ليس من الواضح بعد سبب تعطيلها. يقول هيلر إن أحد الاحتمالات أن المورثات المرتبطة بالمناعة فقدت أهمّيتها لأن العوامل المُمرضة الموجودة في الدم الذي تتغذّى عليه الخفافيش تختلف كثيراً عن تلك التي توجد في الأنسجة الأخرى لفرائسها.

يقول هيلر إن الأمر الأكثر إثارة أنه في حالتين، يبدو أن التخلّي عن مورثة معينة ساعد الخفافيش على التكيف بشكل مباشر مع نمط حياتها «الخاص للغاية». 

تستهلك الخفافيش الماصة للدم كمية من الحديد تصل إلى 800 ضعف تلك التي يستهلكها البشر، ما يمكن أن يكون له عواقب وخيمة. ومع ذلك، اكتشف الباحثون أنه في الحالة الأولى من الحالتين سابقتي الذكر، سمح فقدان إحدى المورثات للخلايا المعوية قصيرة العمر بامتصاص كمية إضافية من الحديد، قبل أن تنسلخ ساقطة في الأمعاء ويتم إطراحها مع البراز. قد يساعد ذلك في الحفاظ على نسب الحديد لدى الخفافيش تحت السيطرة.  

تُشفّر المورثة المعطلّة الأخرى إنزيماً يفكك جزيئاً يتم تركيبه من الكولسترول. يحفّز هذا الجزيء أجزاء من الدماغ لها علاقة بعملية التعلم، وبالذاكرة والسلوك الاجتماعي. في المستقبل، يخطط الباحثون لتحديد ما إذا كان فقدان هذا الإنزيم يتسبب في ارتفاع نسب الجزيء سابق الذكر لدى الأنواع الشائعة من الخفافيش الماصة للدم، ما يمكن أن يمثّل تفسيراً لبعض العادات الاجتماعية لهذه الثدييات.    

اقرأ أيضاً: أمومة طائر: أنثى خفاش مصاص الدماء تتبنى فرخ صديقتها

قام فريق هيلر مؤخراً بسَلسلة جينومَيّ النوعين المتبقيين من الخفافيش الماصة للدم، كما أنه سيقارن بالتفصيل بين الجينومات الثلاث المدروسة. ويقول هيلر إنه على الرغم من أن المكتشفات الجديدة تسلّط الضوء على الطريقة التي تجعل فقدان المورثات أو تعطيلها آلية تطورية مهمة، إلا أن هذه الآلية ليست الوحيدة.   

يقول هيلر: «فقدان المورثات هو شكل واحد من أشكال التغيّرات الجينوميّة»، ويضيف: «نرغب الآن بإجراء المزيد من الفحوصات الأكثر شمولاً لفهم أسس هذه التكيّفات بشكل أفضل». 

المحتوى محمي