يبلغ حجم إنسيلادوس، القمر السادس لكوكب زحل، حجم المملكة المتحدة تقريباً، وهو مغطى بطبقةٍ من الجليد يبلغ سمكها عدة أميال. يوجد تحت هذه الطبقة محيط سائل ينبثق من السطح عبر سلسلة من الشقوق في قطبه الجنوبي على شكل نوافير ضخمة مستمرة من المياه الحارة تتناثر في الفضاء. تحتوي هذه النوافير الحارة على آثارٍ من الفتحات الموجودة تحت سطح البحر والمياه المالحة وحتى الميثان، وهي علامة على أن البحر شديد الظلمة يمكن أن يحتوي على الحياة.
يقول ماكسويل رودولف، عالِم الجيوفيزياء بجامعة كاليفورنيا، ديفيس، إن هذا القمر فريد من نوعه في النظام الشمسي. تقترح دراسة جديدة قادها رودولف، ونُشرت في دورية «جيوفيزيكال ريسيرش ليترز»، تفسيراً لـ "خطوط النمر" والينابيع الفوارة الحارة التي تنفجر من خلالها، وهو أنه عندما يسخن القمر إنسيلادوس ويبرد في مداره، تلتوي قشرته الجليدية وتنتفخ تحت الضغط، ما يسمح للماء بالاندفاع نحو السطح.
أثر تغير شكل مدار إنسيلادوس في ظهور النوافير الحارة
دورات التدفئة والتبريد سببها حركة القمر نفسه. كل مائة مليون سنة أو نحو ذلك، يتغير شكل مدار إنسيلادوس حول زحل، من دائري إلى بيضاوي أكثر وبالعكس. عندما يكون المدار بيضاوياً أكثر، ينضغط القمر بإحكام بفعل جاذبية زحل ثم يتمدد مجدداً. يقول رودولف: «يؤدي ذلك إلى تمدد الجرف الجليدي بالكامل، كما لو كان يُعجن تقريباً. مجرد انتفاخ الجليد قليلاً يكفي لتسخين القمر بأكمله وإذابة القشرة الجليدية قليلاً».
ثم، عندما يصبح مدار القمر دائرياً، تبرد قشرته مرة أخرى. يمتد الجرف الجليدي باتجاه الأسفل في المحيط المخفي. ما سيحدث بعد ذلك يجب أن يكون "واضحاً لأي شخص وضع زجاجة من الصودا في الثلاجة" كما يقول رودولف: «يتغير الحجم مع تجمد الماء، ما يتسبب في زيادة الضغط على إنسيلادوس، حيث يحدث ذلك على مستوى القمر بأكمله».
عندما يشتد الضغط، يتشقق الجليد الخارجي، بنفس الطريقة التي تتشقق بها قشرة الخبز مع تمدد الجزء الداخلي اللين. يتراكم الضغط لملايين السنين، لكن الشقوق تظهر في ثوانٍ قليلة، بدءاً من السطح ونزولاً إلى مسافةٍ تصل إلى تسعة أميال تحت المحيط.
يمكن للشقوق أن تمتد عبر المحيط للأسفل عند القطبين فقط، حيث يكون الجليد رقيقاً. يقول رودولف: «تشكل الشق الأول في القطب الجنوبي أو القطب الشمالي هو مسألة صدفة. ولكن عندما يتشكل، فإنه يبدأ سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى ظهور "خطوط النمر". من الممكن أن تكون العملية قد حدثت بشكل متكرر خلال كل دورة باردة».
لكن الضغط وحده لا يفسر ظهور نوافير بخار الماء الحارة بشكل كامل. وفقاً للنماذج التي صممها رودولف وفريقه، لا يكفي حتى كل الجليد المتشكل حديثاً لدفع الماء إلى السطح. كما لا تُظهر صور القمر إنسيلادوس أي آثارٍ واضحة لمياه سائلة تتسرب عبر السطح الخارجي الأملس للقمر.
اقرأ أيضًا: لماذا لا يمكننا بناء محطة فضائية على القمر؟
عوامل أخرى لانبثاق النوافير الحارة في قمر زحل إنسيلادوس
وهنا يمكن أن تلعب العملية التي وصفها ميكي ناكاجيما، عالم الكواكب في جامعة روتشستر، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، دوراً في تفسير ذلك. في عام 2016، أظهر ناكاجيما أنه إذا دفع الماء السائل جزءاً من طريقه إلى أعلى الشق في الجليد، فقد يبدأ في الغليان تلقائياً في فراغ الفضاء. يقول ناكاجيما: «نعرف سمك الشق على السطح، لكننا لا نعرف حقاً ما الذي يحدث في الداخل. قد يكون خط سير الماء للأعلى مستقيماً، وقد يكون غير منتظم. ومع ذلك، يمكن أن يتسرب البخار لأن الغليان يمكن أن يحدث حتى في أضيق الشقوق».
لن ينتج أي صدع يؤدي إلى المحيط الكثير من الماء. في أعماق الشقوق، من المحتمل أن يكون الماء يغلي، وسيرى الشخص الواقف على السطح رذاذاً خفيفاً، وليس نفاثاً. سوف يتطلب الأمر العديد من الشقوق والتكهفات لإنتاج النوافير الحارة التي صورها البشر من الفضاء. يقول ناكاجيما: «إذا كان هذا التفسير صحيحاً، فهناك العديد من الشقوق الأصغر من خطوط النمر على إنسيلادوس، والتي لم يقترب علماء الفلك منها بما يكفي لرؤيتها بعد».
يمكن أن تلعب قوى أخرى دوراً كذلك. يمكن أن يتصاعد ثاني أكسيد الكربون المذاب أو الغازات الأخرى على السطح على غرار الكربونات الموجودة في الصودا، ما يؤدي إلى إطلاق الماء على السطح. كما يشير العمل غير المنشور، والذي عُرض في اجتماع الاتحاد الجيوفيزيائي الأميركي العام الماضي، إلى أن المياه يمكن أن تنطلق عن طريق ذوبان الجليد في الشقوق، وليس من المحيط المدفون.
يقول ناكاجيما: «أعتقد أن جميع الاحتمالات قائمة».
الانفجارات الجليدية في قمر المشتري يوروبا
نظرت دراسة رودولف أيضاً في يوروبا، أحد أشهر أقمار المشتري، والذي يحتوي على قشرة جليدية ومحيط سائل تحت الأرض. لكن نصف قطر يوروبا يبلغ خمسة أضعاف قطر إنسيلادوس، ودورات الجاذبية الساخنة والباردة ليست كبيرة بما يكفي لتخترق قشرته السميكة.
يقول ناكاجيما: «أنا مندهش حقاً لأن النموذج قادر على شرح الظاهرة على إنسيلادوس، ولكن ليس على يوروبا».
تكتب إيلودي ليساج، الخبيرة في القمر يوروبا في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى دورية بوبيولار ساينس: «لا يوجد دليل مباشر على وجود براكين جليدية على قمر المشتري، على الرغم من أن بعض السهول على سطحه تبدو وكأنها ناتجةٌ عن الماء السائل». لكن استناداً إلى النتائج الجديدة، فإن أي براكين جليدية محتملة على يوروبا ربما تتشكل لأسباب مختلفة تماماً عن تلك الموجودة على إنسيلادوس. تقول ليساج موضحةً: «من غير المحتمل أن ترتفع المياه السائلة من المحيط إلى السطح على قمر يوروبا. بدلاً من ذلك، يمكن أن تكون هناك جيوب من الماء مغروسة في القشرة تنفجر عند التجمد، على غرار ما يحدث عندما ينسى شخصٌ ما علبة مشروب غازي في الثلاجة لفترة طويلة».
تمت دراسة إنسيلادوس آخر مرة في عام 2015 من قبل مركبة الفضاء كاسيني، والتي حلقت على ارتفاع 30 ميلاً فوق سطح القمر، في حين أن البيانات المتعلقة بالانفجارات الجليدية في يوروبا تأتي في الغالب من الصور التلسكوبية البعيدة. من المقرر إطلاق المهمة التالية إلى يوروبا في عام 2024. يقول رودولف: «ما يحدث هناك لم يُفهم كثيراً».
اقرأ أيضًا: «يوروبا»: قمر المشتري يضيء باستمرار وبعيداً عن الشمس
يعني هذا الاختلاف أن البحث عن حياة خارج كوكب الأرض سيستمر بطرق مختلفة على القمرين. إذا كانت هناك كائنات تعيش في أعماق الجليد، يبدو أن نوافير إنسيلادوس ستمنحنا وصولاً مباشراً إلى عالمها. بينما قد يكون فهم ما يحدث داخل يوروبا أكثر صعوبة.