"في الفضاء لن يسمع أحد صراخك" العبارة المستخدمة للإعلان عن فيلم الفضاء (Alien)، وهي علمياً صحيحة، إذ لا يمكن للصوت أن ينتقل في الفضاء الخارجي. ليس فقط الصراخ ما لا يمكن سماعه في الفراغ الشاسع ما بين النجوم والكواكب بل حتى انفجار مركبة فضائية أو هدير نيزك، فلماذا لا ينتقل الصوت في الفضاء؟
كيف نسمع الأصوات؟
تعمل الموجات الصوتية كالموجات التي نراها على سطح بركة ماء بعد رمي حجر فيها، فعندما نتحدث تتحرك الحبال الصوتية، وينقل الهواء الخارج من الرئتين الاهتزازات من جزيء إلى آخر، على غرار الأمواج على سطح بركة المياه. تصل الاهتزازات إلى الأذن البشرية حيث يلتقط غشاء الطبل الاهتزازات وينقلها إلى عظام صغيرة في الأذن، فالسائل الذي يملأ الحلزون في الأذن الداخلية ثم الخلايا الشعرانية. تعمل الخلايا الشعرانية كالهوائيات إذا تلتقط الاهتزازات وتحولها إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر العصب السمعي إلى الدماغ حيث يتم تفسيرها، فنسمع الصوت.
ولكن يكاد يخلو الفضاء من الجزيئات، بحيث لا يتجاوز عددها بضع مئات في كل سنتيمتر مكعب، وبالتالي لا تجد الأمواج الصوتية ما يكفي من جزيئات لتنتقل عبرها، لذا لا يمكن للصوت أن ينتقل في الفضاء. إذاً على عكس الضوء تحتاج الأمواج الصوتية إلى وسط للانتقال خلاله، ربما هذا من حسن حظ البشر، لأنه وبخلاف ذلك كان سيصل صوت هدير الشمس إلينا بشكل متواصل، لنعيش في ضوضاء بقوة حفل موسيقي على مدار اليوم.
اقرأ أيضاً: هل جاءت لبنات الحياة الأساسية على الأرض من الفضاء؟
كيف تتواصل ناسا مع رواد الفضاء؟
يمكن التواصل مع رواد الفضاء من خلال موجات الراديو، فهي عبارة عن موجات كهرومغناطيسية يمكنها الانتقال على الرغم من الوسط الفارغ تقريباً ما بين الشمس والأرض، مثل موجات الضوء، وبالتالي حتى تتمكن وكالة الفضاء الدولية ناسا من التواصل مع رواد الفضاء، لا بد من وجود أجهزة استقبال وإرسال في خوذهم، حيث يقوم جهاز الإرسال بتشفير الرسالة الصوتية إلى الموجات الكهرومغناطيسية من خلال التعديل على خصائص الموجة بما يتلاءم مع البيانات المحملة في الرسالة. تنتشر موجات الراديو الكهرومغناطيسية عبر الفضاء باتجاه الجهاز المستقبل، وهي أجهزة رادار كبيرة موزعة حول العالم يمكنها فك التشفير وتحويل موجات الراديو الكهرومغناطيسية إلى رسائل صوتية ومرئية.
اقرأ أيضاً: ما هي رائحة الفضاء؟
أصوات الكواكب
على الرغم من الصمت المطبق في نظامنا الشمسي، إلا أن مجموعة الكواكب في فراغه الشاسع تعزف سيمفونية خاصة فيما بينها. كل جسم كوني يصدر عنه انبعاثات يمكن سماعها أو رؤيتها. فما نراه بأعيننا هو جزء فقط من طيف الضوء، وهو الجزء الذي يُدعى بالطيف المرئي، وبالإضافة له هناك أشعة جاما والأشعة السينية وفوق البنفسجية وصولاً إلى موجات الراديو؛ وهي التي يمكن التقاطها وتحويلها إلى صوت.
اقرأ أيضاً: نحن محاطون بها في كل مكان: ما هي الموجات الصوتية؟
تمكنت وكالة الفضاء الدولية ناسا خلال العقود الماضية من تسجيل وترجمة مجموعة من الموجات الكهرومغناطيسية الراديوية لمختلف كواكب المجموعة الشمسية، لإعطاء فكرة عما قد تبدو عليه الأصوات فيما لو كان بالإمكان سماعها. على سبيل المثال، لدى اصطدام الجسيمات المشحونة للريح الشمسية بالمجال المغناطيسي لكوكب الأرض، تتشكل إشارات كهرومغناطيسية ذات ترددات عالية تفوق قدرة الأذن البشرية على سماعها، ولكن يمكن إبطاؤها لتحويلها إلى صوت مسموع. كذلك الأمر بالنسبة للإشارات الصادرة عن الكواكب الأخرى، ربما ليست بالموسيقى الجميلة، بل قد تكون مخيفة أو غريبة إلا أنها تبقى أصواتاً مهيبة للفضاء الخارجي. تمكنت ناسا من التقاط هذه الموجات من خلال عدة مسابير مثل: فويايجر وجاليليو وكاسيني ونيو هورايزونز، وعالجت البيانات حتى نتمكن من سماعها، ونشرت بعض المقاطع منها في قناتها على اليوتيوب.
تختلف الأصوات الخاصة بكل كوكب لاختلاف الانبعاثات الصادرة من كل منها، فلكل منها جسيماته المشحونة التي تحلق حوله. كما تختلف شدة المجال المغناطيسي في النظام الشمسي، حيث ترتد الجسيمات المشحونة الصادرة عن الشمس عن الكواكب أو تنتج الكواكب نفسها مثل هذه الجسيمات.
اقرأ أيضاً: صوت قمر المشتري الأكبر «غانيميد» يشبه صوت روبوت لطيف
ختاماً، قد لا يكون سماع صوت سفينة فضاء تمر بالقرب منك في الفضاء ممكناً مثلما تسمع هدير محرك سيارة أو شاحنة تمر بجوارك على الأرض، ولكن ذلك لا يلغي وجود انبعاثات للكواكب والنجوم والأجسام الفضائية يمكن للأذن البشرية إدراكها بعد تحويلها إلى موجات صوتية مسموعة.