كل ما تحتاج معرفته عن الماس المستدام

6 دقائق
كل ما تحتاج معرفته عن الماس المستدام
حقوق الصورة: أنسبلاش.

عندما تفكر في الرفاهية، قد تفكر في شيئ نادر وجميل. وبالنسبة للبعض، فإن مثال الرفاهية هو الماس المتلألئ. في حين أن العرف الخاص بتقديم خواتم الزفاف والخطوبة كان موجوداً منذ قرون، يمكن إرجاع اعتبار الماس ذروة الرفاهية في مرحلة قبل الزواج إلى حد كبير إلى إعلان شركة "دي بيرز" (De Beers) الذي عُرض في عام 1947 والذي احتوى على عبارة "الماس أبدي".

زاد منذ ذلك الحين رواج الماس أكثر فأكثر. إذ تم بيع 1.8 مليون خاتم خطوبة سنوياً في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وكان 96% منها مرصعاً بالماس. ارتفع الطلب على الماس (وغيره من الكماليات المرتبطة بالزواج) في السنوات الأخيرة بعد انقضاء أسوأ فترات الحجر بسبب جائحة كوفيد-19، كما ارتفعت أسعار هذا الحجر الكريم التي كان الأشخاص مستعدين لدفعها.

لكن على الرغم من جمال خاتم الماس، إلا أنه توجد أحياناً قصة مظلمة وراءه إذا كان مستخرجاً بالتعدين. واجه تعدين الماس من الناحية البيئية والأخلاقية عدداً لا يحصى من المخاوف من التدمير البيئي إلى انتهاكات حقوق الإنسان، ما دفع المستهلكين إلى التساؤل عما إذا كان الماس المصنوع في المختبرات خياراً أفضل أو حتى إذا كان الماس مناسباً لهم.

تشبثت بعض شركات استخراج الماس بموقفها المتمثل في أن الماس الذي يتم تعدينه يتفوق على المنتجات المختبرية. ولكن قد يكون تحديد ما هو الخيار "الأفضل" للمستهلك وللكوكب أمراً محيراً مع ظهور المزيد من الخيارات.

اقرأ أيضاً: دليلك إلى شراء الماس «الأخلاقي»

الآثار البيئية والأخلاقية لتعدين الماس

يمكن أن تكون الآثار البيئية والاجتماعية هائلة عندما يتعلق الأمر بتعدين الماس. يتم استخراج الماس من خلال 3 عمليات تعدين منفصلة، وهي التعدين بالأنابيب والتعدين الرسوبي والتعدين البحري. يوجد نوعان لعملية التعدين بالأنابيب، وهما التعدين بالفتحات المكشوفة (والذي يؤدي إلى تشكل حفر هائلة الحجم في الأرض مثل حفرة "كيمبرلي الكبيرة" في جنوب إفريقيا) والتعدين تحت الأرضي. بينما يستخدم التعدين الرسوبي عملية فرز الحصى بحثاً عن الماس الخام، ما يمكن أن يساهم في زيادة الجريان السطحي وتلوث الأنهار. وأخيراً، يتطلب التعدين البحري تجميع الماس من قاع البحر. يتم استخراج معظم الماس في مناطق مثل نامبيا بهذه الطريقة. لكن هذه العملية لها تأثيرات مشابهة لعملية التجريف البحري نظراً لأنها تتسبب في تدمير طبقات عشب البحر والشعاب المرجانية.

تتطلب كل العمليات السابقة الموارد. وفقاً لتقرير نشرته كلية لندن الإمبراطورية في عام 2021، يبلغ متوسط كمية ثنائي أوكسيد الكربون المستهلكة لإنتاج قيراط واحد من الماس المستخرج نحو 108.5 كيلوغراماً. بينما تبلغ الكمية المقابلة للما المستخرج من القشرة الأرضية نحو 250 إلى 1750 طناً للقيراط الواحد. يمكن أن تؤثر عمليات التعدين أيضاً بشكل سلبي على النظم البيئية المحلية وتطلق الملوثات في الماء والهواء وتحدث الكثير من الضوضاء. كتب مؤلفو التقرير السابق أن "استغلال الموارد المعدنية يسبب ضرراً غير قابل للعكس على البيئة الطبيعية يظهر من خلال التأثيرات السلبية على موارد المياه وجودة الهواء والتربة والحياة البرية والاعتبارات المتعلقة بتغير المناخ".

لا تقتصر مشكلات تعدين الماس على التأثيرات البيئية. فلقرون، كانت صناعة الماس مقترنة بانتهاكات العمل، بما في ذلك الحدث المثير للجدل المرتبط بشركة "دي بيرز" الذي وقع في أواخر تسعينيات القرن الماضي والمتعلق بـ "الماس الدموي" أو الماس المستخرج في مناطق الحرب والذي يمكن أن يمول الصراعات العنيفة، بالإضافة إلى حوادث إساءة معاملة العمال الحديثة في شركة "بيترا دايموند" (Petra Diamond) في تنزانيا. أنهت الحكومات منذ ما يقرب من عقدين من الزمن التجارة في الماس الدموي أو "ماس الصراعات" الذي أدى إلى العديد من النزاعات في جميع أنحاء القارة الإفريقية من خلال تنفيذ مخطط عملية كيمبرلي لمنح الشهادات. لكن وفقاً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، لا تزال هناك بعض المشكلات الخطيرة المتعلقة بالانتهاكات والعمل القسري ودفع أجور زهيدة في المناطق الغنية بالماس. أدت هذه المخاوف إلى حظر استيراد المجوهرات والذهب من بعض البلدان التي تشتهر بالعمل القسري، وهناك الآن حركة لحظر الماس الروسي أو تصنيفه على أنه ماس "الصراعات" بسبب الحرب في أوكرانيا.

قد يكون من الصعب رؤية الماس كرمز للحب مع سحابة الإمبريالية والدمار البيئي والصراع التي تخيم فوق هذا الحجر الكريم. لكن يقول "كايل سايمون"، خريج معهد علم الجواهر الأميركي" والمؤسس المشارك لشركة المجوهرات "كلير كَت" (Clear Cut) إنه عند التفكير في المجتمعات المحلية، يمكن أن يكون لصناعات التعدين تأثير إيجابي على الاقتصاد المحلي. وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تمثّل دولة بوتسوانا واحدة من هذه الحالات الفريدة. تمتلك هذه الدولة الإفريقية التي كانت فقيرة في يوم من الأيام الآن 15% من شركة دي بيرز للماس و50% من عمليات التعدين الفعلية. يعود جزء من تمويل صناعة الماس إلى التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. ومع ذلك، قد يكون من الصعب معرفة مكان نشأة الماس بالضبط.

بدائل الماس التي ازدادت شيوعاً

أول ما قد يظهر في بحث سريع عن "الماس الأخلاقي" أو "الماس المستدام" هو الماس المصنوع في المختبر. لم يعد يستغرق تشكّل الماس مليارات السنين تحت الأرض. ويمكن صنع هذا الحجر الكريم بكفاءة عالية في المختبرات دون الحاجة للتعدين. كما أن قطع الماس التي يتم صنعها في المختبرات تعتبر ماساً "حقيقياً" من الناحية الفنية، على الأقل كيميائياً وفيزيائياً وبصرياً. وفقاً لشركة "كلين أوريجن" (Clean Origin) لتصنيع الماس، كانت تكنولوجيا صنع الماس في المختبر موجودة منذ خمسينيات القرن الماضي، ولكنها بدأت تصبح أكثر شيوعاً مؤخراً كبديل لتعدين الماس. عادة ما يكون سعر الماسة المصنعة في المختبر أقل بنحو 30% من سعر الماسة المستخرجة.

يتم إنتاج الماس الاصطناعي بإحدى طريقتين، طريقة الضغط ودرجة الحرارة المرتفعين أو طريقة الترسيب الكيميائي للبخار. طريقة الضغط ودرجة الحرارة المرتفعين هي أول طريقة تم استخدامها لصنع الماس في المختبر، ووفقاً لشركة المجوهرات "ريتاني" (Ritani)، تتضمن العملية وضع ماسة صغيرة في الكربون وتسخينها لتتجاوز درجة حرارتها 1093 درجة مئوية وليصبح الضغط المطبق عليها يبلغ نحو 10 آلاف بار. يذوب الكربون المحيط بالماسة الصغيرة ويتحول إلى ألماس، ما ينتج ماسة لامعة أكبر حجماً.

تتضمن طريقة الترسيب الكيميائي للبخار وضع قطعة صغيرة من الماس في غرفة مفرغة من الهواء ومليئة بالغازات الغنية بالكربون ثم تسخين الغرفة لتصل درجة حرارتها إلى نحو 815 درجة مئوية. يتحول الكربون الموجود في الغازات إلى بلازما ويتراكم على شكل طبقات على الماسة الصغيرة، مكوناً ما يسمى "الماس من النوع 2 أيه"، أو الماس النقي كيميائياً للغاية والذي نادراً ما يتم إيجاده في الطبيعة.

تقول رئيسة العلامة التجارية في شركة كلين أوريجن"جاني مارشال": "نظراً لأن الماس المصنوع في المختبر يتم تصنيعه بنفس الطريقة التي يتشكل بها في الطبيعة (أي تحت درجة حرارة عالية بوجود الكربون النقي)، وهو مطابق كيميائياً وبصرياً وفيزيائياً للماس المستخرج، فإننا نقدّر أنه لا يوجد سبب لمواصلة ممارسات التعدين الخطيرة بهدف صناعة خواتم الخطوبة ومجوهرات الماس الفاخرة".

مع ذلك، لا يعتبر مجال صناعة الماس في المختبر صديقاً للبيئة بسبب المخاوف بشأن كمية الطاقة التي يتم استهلاكها في هذه المختبرات بالإضافة إلى كفاءة طريقتي تصنيع الماس وما ينتج عنهما من مخلفات. يحاجج البعض بأن طريقة الترسيب الكيميائي للبخار هي الخيار الأقل ضرراً بيئياً، إلا أنه يتم إنتاج 50-60% من الماس المصنوع مخبرياً باستخدام طريقة الضغط ودرجة الحرارة المرتفعين. يقول سايمون: "تستهلك هذه المختبرات كميات هائلة من الطاقة"، ويضيف: "إذ تتم فيها محاكاة عملية استغرقت مليارات السنين".

قال "بول زيمنسكي"، محلل الماس المستقل لصحيفة "فوغ بيزنس" في عام 2021 إن التنظيم القانوني الحالي لقطاع الماس الاصطناعي "رديء للغاية"، وأضاف: "لا تعرف الوكالات التنظيمية بالضرورة كيفية التعامل مع هذا القطاع حتى الآن، وهناك الكثير من المعلومات الخاطئة إذ أن بعض الشركات تسوق الماس الاصطناعي على أنه الأقل ضرراً بالبيئة".

بالإضافة إلى ذلك، هناك مشكلة إعادة بيع الماس الاصطناعي. ببساطة، إن سوق المجوهرات المستعملة والمصنوعة في المختبرات أضيق من سوق الماس المستخرج.

يقول سايمون: "يبحث بعض الأشخاص عن الماس الكلاسيكي، والذي ستتم إعادة تداوله في السوق مراراً وتكراراً"، ويضيف: "أما بالنسبة للماس الاصطناعي، فلا يوجد سوق لإعادة البيع لأن القطع تفقد قيمتها. وهذا يحفز الشركات نوعاً ما على الاستمرار في إنتاج المزيد من الماس".

بالطبع هناك أحجار كريمة أخرى غير الماس مثل المواسانيت والياقوت الأبيض والزركونيا المكعّب. المواسانيت أيضاً مصنوع في المختبرات وتقارب صلابته صلابة الماس (9.25 على مقياس صلابة "موس" للمواسانيت مقابل 10 للماس)، كما تعتبر أسعار هذه الأحجار الكريمة معقولة إلى حد كبير. قال "دون أوكونيل"، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "تشارلز آند كولفارد" (Charles & Colvard) لصناعة المواسانيت لمجلة "برايدز" (Brides Magazine) إن حجر المواسانيت يكلّف نحو عُشر تكلفة حجر الماس. مع ذلك، تعاني صناعة المواسانيت تقريباً من نفس المشكلات التي تعاني منها صناعة الماس لأنها تتم أيضاً في المختبرات.

تعتبر المجوهرات الرائعة الأخرى مثل الياقوت الأبيض معقولة التكلفة أكثر، كما أن الطلب عليها أقل وتعتبر صناعتها أقل إثارة للجدل. لكنها لا تلمع مثل الماس الاصطناعي أو الطبيعي. الياقوت الأبيض أقل تكلفة بقليل من المواسانيت، لذا فهو أقل تكلفة من الماس. كما يمكن أن يتم تصنيعه في المختبرات أو استخراجه من الأرض مثل الماس. يعتبر الزركونيا المكعب الخيار الأكثر تكلفة (إذ يصل سعر قيراط واحد منه إلى نحو 20 دولاراً) ولكنه سهل التآكل أو الخدش ويجب استبداله بانتظام.

الحكم النهائي

الخيار الأكثر استدامة عند التعامل مع أي منتج تقريباً هو استخدام ما لديك بالفعل أو شراء المنتجات المستعملة. لذا إذا كنت تبحث عن أحجار كريمة أو مجوهرات من أي نوع، سواءً كانت اصطناعية أم طبيعية، تأكد من أن تطّلع على بعض الخيارات المستعملة. يمكنك أيضاً أن تضع جوهرة قديمة على طوق جديد لتجعلها تبدو أحدث. غالباً ما يكون لدى التجار الذين يبيعون المنتجات المستعملة بالتجزئة مجموعة متنوعة من خواتم الخطبة والأطواق والأحجار الكريمة المستعملة. إذا كنت تريد اقتناء المجوهرات الكلاسيكية، يمكن أن يكون البحث في متاجر المجوهرات العتيقة أو متاجر شركة "إتسي" (Etsy) خياراً جيداً.

لكن إذا كنت تريد شراء الماس الجديد، يجب عليك التأكد من مصدره سواء كان طبيعياً أم اصطناعياً. لا يمكنك تجاهل عامل الاستدامة أو المشكلات الأخلاقية التاريخية المتعلقة بتعدين الماس، لكننا لا نزال نجهل الكثير عن الماس الذي يتم صنعه في المختبرات.

المحتوى محمي