من المرجح أن يرتفع متوسط درجات الحرارة العالمية ويزداد تواتر موجات الحر في المستقبل بسبب تغير المناخ. إذ يقدر أن نحو 20% من سكان الولايات المتحدة سيشهدون درجات حرارة أعلى من 37 درجة مئوية خلال الأسبوع الرابع من شهر يونيو/حزيران 2022. وفي الوقت نفسه، تسببت موجات الحر الأخيرة في الهند وباكستان بـ 90 حالة وفاة على الأقل وانخفاض بنسبة 10-35% في غلة المحاصيل في بعض المناطق.
نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالمية، يمكن أن يزداد الإجهاد الحراري الذي تعاني منه المواشي، والذي ينشأ من درجة حرارة الهواء والرطوبة والإشعاع الشمسي وسرعة الرياح. يجعل هذا الإجهاد الإضافي من الصعب على الحيوانات مثل الأبقار والخنازير التحكم في درجة حرارة أجسامها. إذا كانت المواشي غير قادرة على تبديد الحرارة بشكل فعال، ستزداد درجة حرارة أجسامها ما قد يقلل من إنتاجيتها ويؤثّر على الإمدادات الغذائية.
وفقاً لـ "أماندا ستون"، الأستاذة المساعدة وأخصائية الإرشاد في مجال منتجات الحليب في جامعة ولاية ميسيسيبي، يُقدر أن قطاع منتجات الحليب هو الأكثر عرضة للخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإجهاد الحراري من بين القطاعات التي تعتمد على الثروة الحيوانية في الولايات المتحدة. وتعتبر المخاطر التي سيعاني منها هذا القطاع أكبر من تلك التي سيعاني منها قطاع إنتاج لحوم المواشي، وهو ثاني أكثر قطاع معرّض للخطر. للحفاظ على استمرارية قطاع منتجات الحليب العالمي الذي تبلغ قيمته 827 مليار دولار مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، يجب فهم مدى تأثير تغير المناخ على إنتاج المواشي والتخفيف من آثاره.
اقرأ أيضاً: تضر القلب: إليك تأثير ارتفاع درجات الحرارة مع تلوث الهواء
زيادة درجات الحرارة العالمية ستؤثر على إنتاج الماشية
وفقاً لـ "فيليب ثورنتون"، العالم الرئيسي في المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية والقائد الرئيسي في المجموعة الاستشارية للبحوث الزراعية الدولية حول التغير المناخي والزراعة والأمن الغذائي، لا يؤثر الإجهاد الحراري على سلوك المواشي ورفاهها فحسب، بل يقلل أيضاً من كمية العلف التي تتناولها وإنتاجيتها وخصوبتها.
يقول ثورنتون: "تأكل الحيوانات كميات أقل ويزيد معدل تنفسها، لذلك فهي ستستهلك المزيد من الطاقة في محاولة الحفاظ على البرودة، ما يقلل من الطاقة التي تستهلكها في إنتاج اللحوم والحليب". علاوة على ذلك، يزيد الإجهاد الحراري من قابلية المواشي للإصابة بالأمراض ويؤدي أيضاً إلى موتها في الحالات التي يكون شديداً فيها. تسبب الارتفاع الشديد من درجات الحرارة في الآونة الأخيرة في موت آلاف المواشي في ولاية كانساس الأميركية، وهي إحدى أكبر الولايات المنتجة للمواشي في البلاد.
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت بلانيتاري هيلث" (The Lancet Planetary (Health في مارس/آذار 2022، قد يؤدي تأثير الإجهاد الحراري المرتبط بالتغير المناخي على إنتاج منتجات الحليب ولحوم الماشية إلى خسائر في الإنتاج العالمي من اللحوم والحليب تصل إلى نحو 40 مليار دولار سنوياً بحلول نهاية القرن إذا حدث السيناريو الذي تكون فيه انبعاثات الغازات الدفيئة عالية. قد يعاني المنتجون من خسارات تبلغ نحو 15 مليون دولار حتى في أفضل السيناريوهات التي تكون الانبعاثات فيها منخفضة.
تنبأ مؤلفو الدراسة الأخيرة لحساب هذه الخسائر بمدخول الأعلاف الذي ستستهلكه المواشي استجابةً للطقس الحار والرطب في سيناريوهات مختلفة لانبعاثات الغازات الدفيئة. ووفقاً لثورنتون، أحد مؤلفي الدراسة، قام المؤلفون بتحويل هذه التغييرات في مدخول الأعلاف إلى تغييرات في إنتاج الحليب واللحوم وقاموا بحساب قيمتها باستخدام الأسعار التي كانت سائدة في عام 2005.
بناءً على الدراسة، يقدّر أن تكون الخسائر في المناطق الاستوائية أعلى من الخسائر في المناطق المعتدلة ضمن سناريوهي الانبعاثات المرتفعة والمنخفضة. يقول ثورنتون: "قد تشهد بعض أجزاء المناطق المعتدلة الشمالية من العالم زيادة في الإنتاج مع انخفاض موجات البرد"، ويضيف: "بتعبير آخر، يمكن أن يتم استهلاك المزيد من الطاقة الموجودة في العلف الذي تأكله الحيوانات في إنتاج اللحوم والألبان بدلاً من استهلاكها في الحفاظ على دفء هذه الحيوانات".
يمكن أن تؤثر تبعات الإجهاد الحراري على المواشي على الأمن الغذائي وتنوع النظم الغذائية لكل من المنتجين الذين يعتمدون على الثروات الحيوانية والمستهلكين. ويقول ثورنتون إن المنتجين قد يعانون من انخفاض في الدخل وفقدان للأصول وتراجع في قدرتهم على إعالة أنفسهم، بينما قد يعاني المستهلكون من ارتفاع في أسعار اللحوم ومنتجات الحليب.
وفقاً لستون، يعتمد الإمداد الغذائي على المنتجات القادمة من المزارع، لذلك ستعاني سلسلة الإمداد الغذائي بأكملها عندما يحدث أي خلل في هذه الأنظمة. إذ تقول: "قد نشهد تغيّراً في مكان وجود هذه المزارع بالنسبة للمستهلكين. على سبيل المثال، قد تصبح المزارع ’المحليّة‘ على بعد 160 كيلومتراً بدلاً من 10 كيلومترات، وسيكون هناك عدد أقل من المزارع تحتوي على عدد أكبر من الأبقار التي توفر جميع احتياجاتنا". لذلك، يعتبر التقليل من آثار الإجهاد الحراري المتزايد على إنتاج المواشي أمراً بالغ الأهمية.
المزارعون قد يتّبعون آليات تكيّف متنوعة
مع ذلك، هناك الكثير من طرق التكيف التي يمكن للمزارعين تطبيقها لمحاولة الحفاظ على برودة أبقارهم حتى في درجات الحرارة القياسية.
تقول ستون إن الأبقار لا تستطيع أن تتعرق كما يفعل البشر، لذلك يمكن استخدام المراوح والرشاشات لإنشاء نظام تبريد بالتبخير في المنشآت المغلقة حيث تعيش الأبقار داخل الحظائر. وتضيف أن هناك أيضاً تقنيات استشعار تراقب سلوك الأبقار بالإضافة إلى التغيرات الفيزيولوجية والإنتاجية والتي يمكنها ضبط درجات حرارة الحظائر بناءً على حالة الأبقار.
كما يمكن في أنظمة الإنتاج الخارجية استخدام العديد من الإضافات على الأعلاف مثل البيتين والكروم والتي تساهم في تخفيف آثار الإجهاد الحراري بدرجة ما بسبب آثارها المضادة للأكسدة. يقول ثورنتون إن أنظمة رعي المواشي التي تحتوي على الأشجار يمكن أن تكون فعالة أيضاً في توفير الظل للحيوانات في أثناء موجات الحر والرطوبة. ويضيف أن بعض المزارعين في أجزاء من إفريقيا يغيرون أنواع المواشي التي يقومون بتربيتها تماماً. إذ أنهم أصبحوا يقومون بتربية الماعز الأكثر مقاومة للحرارة أو حتى الجمال بدلاً من الأبقار.
يقول ثورنتون: "على المدى الطويل، هناك إمكانية لتربية حيوانات ذات قدرة أكبر على تحمل الإجهاد الحراري، وربما أيضاً من خلال برامج التهجين"، ويضيف: "لكن قد تكون مثل هذه المقاربات مكلفة للغاية وتستغرق عدة سنوات حتى تؤتي ثمارها".
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تخفض بدائل اللحوم معدلات إزالة الغابات؟
صناع القرار يجب أن يدعموا قطاع المواشي
وفقاً لستون، سيحتاج المنتجون إلى تلقي المزيد من المال لكل وحدة من الحليب المُنتج للحفاظ على استمرارية أعمالهم مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الإنتاج بسبب زيادة الحمل الحراري.
إذ تقول: "السياسات التي تتحكم في تقلبات سوق الحليب مهمة للغاية بالنسبة للمزارعين الذين ينتجون الحليب ومشتقاته"، وتضيف: "نواصل تحسين كفاءتنا في إنتاج المزيد من الحليب باستخدام عدد [أقل] من الأبقار ومساحات أقل من الأراضي وكميات أقل من الموارد، ولكن لم يستفد المنتجون كثيراً من هذه التحسينات من ناحية صافي الأرباح. سيصل المزارعون إلى مرحلة لن يتمكّنوا فيها من الاستمرار في إنجاز المزيد من التحسينات باستخدام كميات أقل من الموارد، وأعتقد أننا نقترب من هذه المرحلة".
اقرأ أيضاً: لا تُضحّي بمأكولاتك المفضّلة: هكذا يمكنك تناول الطعام الصحي بشكل مستدام
مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يصبح الإجهاد الحراري مشكلة يزداد حلها صعوبة بالنسبة للمواشي والبشر الذين يعملون في الهواء الطلق على حد سواء. ستصبح درجات الحرارة في بعض الأماكن أكثر شدّة من أن تسمح بازدهار الحيوانات وخصوصاً في البلدان ذات السكان منخفضي الدخول. يقول ثورنتون إن نقل الإنتاج الحيواني إلى بيئات أكثر ملاءمة ضمن الدولة نفسها قد يكون أحد الخيارات المتاحة، على الرغم من أن هذا سيعتمد بشدة على أسواق الدولة واقتصادها والاعتبارات الاجتماعية والثقافية.
مع ذلك، يجب أن تقترن جميع تدابير معالجة تبعات الإجهاد الحراري بخفض كبير في كمية الانبعاثات للتخفيف من آثار التغير المناخي والاحترار العالمي. يقول ثورنتون: "على المدى الطويل، تتمثل الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة الإجهاد الحراري في مضاعفة جهودنا الجماعية لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بأسرع ما يمكن وبصورة شاملة قدر الإمكان".