تعلم البستنة المستدامة من خلال الزراعة المائية المنزلية

5 دقائق
تعلم البستنة المستدامة من خلال الزراعة المائية المنزلية
يمكنك زراعة الخضروات ذات الأوراق الخضراء والأعشاب في منزلك بشكلٍ مستدام. هانك أدامز (شركة رايز غاردنز)

يبدو اقتطاف الطماطم والخيار والخس الطازج من منزلك طوال العام كحلم للأشخاص قليلي النشاط والمهتمين بزراعة النباتات المنزلية. وأصبح ذلك ممكناً اليوم بفضل الزراعة المائية، حتى دون الحاجة لقضاء ساعات في لعب "ستار ديو فالي" و"تيراريوم" حتى تتعلم أساسيات الزراعة.

الزراعة المائية ليست بدعة عابرة، فهي طريقة لزراعة المحاصيل في المياه الغنية بالمغذيات بدلاً من التربة. وفقاً لتقديرات السوق الحديثة، بلغت قيمة هذا القطاع التجاري 9.5 مليار دولار في عام 2020، ويمكن أن تتضاعف بحلول عام 2028.

أصبح بإمكانك شراء عدد متزايد من عُدد الزراعة المائية التي يمكن لأي أحد استخدامها، من العدد الأساسية إلى الطرازات الأنيقة البسيطة. يبدو أن هذه العدد اكتسبت شعبية بين المستهلكين خلال العام الأول لجائحة كوفيد-19. إذ شهدت شركة "أيرو غرو"، التي تصنع أدوات الزراعة المائية التي تحمل علامتها التجارية زيادة في الإيرادات بنسبة 107% خلال الربع الثالث من عام 2020 مقارنة بعام 2019.

زراعة الخضروات المائية

ولكن هل كمية الكهرباء والمياه اللازمة لرعاية الخضروات والفواكه الطازجة وحصادها دون تربة في المطبخ مستدامة مقارنة بالزراعة التقليدية أو التجارية؟ الجواب هو لا على الأرجح بالنسبة لبعض أنواع الخضروات.

تعد بعض المحاصيل مناسبة بطبيعتها للزراعة المائية في المنزل أكثر من غيرها، ما يعني أنه لا يتعين عليك تخصيص كمية كبيرة من الموارد قبل الحصول على النتائج.

اقرأ أيضاً: تعلم كيف تختار النباتات المنزلية الصحية من المشاتل

غالباً ما تكون أول الأسئلة التي يطرحها الناس على "أنجيلو كيلفاكيس"، مدير البحث والتطوير وعالم البستنة الرئيسي في شركة "رايز غاردنز" للزراعة المائية هو ما إذا كان بإمكانهم زراعة شجرة أفوكادو في منازلهم.

يقول كيلفاكيس: "تستغرق زراعة [أشجار الأفوكادو] سنوات، فهي ضخمة وتستهلك الكثير من المياه والموارد الأخرى وتتطلب الكثير من الضوء"، ويضيف: "يصبح الأمر أكثر صعوبة عندما تدخل في مجال زراعة الفواكه".

يفيد كيلفاكيس بأن الخضروات والفواكه الطازجة مثل التوت تتألف في معظمها من الماء، لذلك فهي تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء أثناء نموها. لكن المشكلة الأكبر هي أن النباتات المثمرة تحتاج إلى مساحة واهتمام، لذا فإن الشركات التجارية لديها فرصة أفضل للنجاح في زراعتها لأن لديها مساحة أكبر وأنظمة زراعة خاصة بالنباتات وعدداً كافياً من العمال لمواكبة الزيادة في الطلب.

وفقاً لكيلفاكيس، يعتبر الكرنب مثلاً محصولاً يصعب إنماؤه في بيئة مائية منزلية؛ لأن الأصناف الصالحة للأكل منه يمكن أن تنمو ليصبح طولها نحو متر واحد وعرضها عدة أمتار إذا زُرعت في التربة. لكن يمكن التحايل على هذه المشكلة من خلال زراعة أنواع قزمة من هذه المحاصيل ذات بنى جذريّة يمكن التحكم فيها.

يقول كيلفاكيس: "تبدأ المشكلات عندما يرغب الناس في زراعة أصناف غير قزمة"، ويضيف: "تصبح هذه النباتات أكبر من أن تتسع في الأماكن الداخلية بسرعة ويمكن أن تتسبب بمشكلات في أنابيب السباكة وأن تنمو تجاه مصادر الضوء، كما يمكن أن تتسبب الأوراق الميتة باتساخ المساحة المخصصة للزراعة في المنزل". وبالطبع، لا يمكن زراعة أي نبات ينمو عادة في التربة مثل الجزر واللفت في بيئة خالية من التربة.

لكن يقول الخبراء إن المحاصيل مثل الطماطم ومعظم الخضروات ذات الأوراق الخضراء صغيرة الحجم وبعض أنواع الأعشاب المزروعة في المنزل بتطبيق طرق الزراعة المائية تستهلك كمية أقل من المياه من المحاصيل التي تتم زراعتها في البساتين.

يقول "مورات كاسيرا"، مدير مركز الزراعة البيئية المتحكّم بها التابع لجامعة أريزونا: "يمكن أن تكون الخضروات والفواكه الطازجة المزروعة في الدفيئات أكثر كفاءة في استهلاك المياه بـ10-15 مرة مقارنة بنظيراتها المزروعة في البساتين"، ويضيف: "على سبيل المثال، قد يتطلب إنماء رأس واحد من الخس 3.7 لتر من الماء أو أقل في نظام دفيئة [تجاري أو منزلي]، بينما يتطلب إنماء نفس الكمية 37.8-56.7 لتر من الماء [في البساتين]".

وفقاً لدراسة نُشرت في عام 2021 في مجلة "ساينشا هورتيكلتشوري" (Scientia Horticulturae)، يبدو أن الطماطم المزروعة بتطبيق طرق الزراعة المائية أكثر كفاءة وفعالية في استهلاك المياه من الطماطم المزروعة في التربة. كان معدل التبخر في أوراق الطماطم المزروعة في أنظمة الزراعة المائية أقل. ويفيد مؤلفو الدراسة بأن المحاصيل التي تتم زرعها في أنظمة الزراعة المائية تستهلك المياه بشكل أكثر كفاءة من تلك التي تتم زراعتها في التربة ولكنها تنمو بنفس القدر وتكون ثمارها بنفس الجودة.

زراعة مستدامة

ولكن ماذا عن كمية الطاقة الكهربائية التي يجب استهلاكها لتشغيل مصابيح الإنماء ومضخات المياه؟ يجب عليك أن تبدأ بتسخير أكثر مصدر للضوء بداهة، وهو الشمس. يشير خبراء قطاع الزراعة المائية إلى أن هذا المجال لا يتطلب بالضرورة استخدام مصابيح الإنماء، ويمكن أن تتم الاستفادة من ضوء الشمس الطبيعي. يمكن أن تنمو الخضروات الصغريّة أو الميكروجرين (microgreens)على سبيل المثال على ضوء المصابيح في المنزل.

يقول كيلفاكيس: "الشمس هي المصدر الأفضل للضوء؛ لأن جميع النباتات تطوّرت على ضوئها". لكن ستتطلب زراعة النباتات التي لها فترة ضوئية أطول (الفترة الضوئية هي كمية الضوء التي يتلقاها النبات خلال نهار كامل) أو تلك التي تتطلب التعرض لضوء الشمس الأكثر شدة غير المتوفر في منطقتك استخدام مصادر إضافية للضوء.

هناك عامل آخر متعلق باستهلاك الكهرباء يجب عليك أن تأخذه بعين الاعتبار إذا كنت تريد ممارسة الزراعة المائية في المنزل. يقول المؤسس المشارك لشركة أنظمة الزراعة المائية المنزلية "ليتيس غرو (Lettuce Grow)"، جيكوب بيتشينيك، إنه حتى المزارعين التجاريين "لم يحلوا جميع المشكلات" فيما يتعلق بتكاليف الطاقة.

يضيف بيتشينيك قائلاً: "يجب على هؤلاء أن يشغّلوا جميع الأضواء وأن يبردوا المساحة الحارة التي يزرعون فيها من خلال تمرير تيار من الهواء، ولهذا فإن متطلبات الطاقة تصبح عالية للغاية".

لكن يقول كيلفاكيس إنه ضمن نظام الزراعة المائية في المنزل، لن تحتاج على الأرجح إلى أي طاقة تبريد إضافية إذا كانت لديك وحدة تكييف تعمل بشكل جيد لتلبية احتياجاتك الشخصية.

يقول "دين فالكون"، كبير المسؤولين العلميين في شركة "كروب ون" (Crop One)، وهي شركة زراعة عمودية، إنه يجب أيضاً الموازنة بين أهمية العوامل البيئية الأخرى واحتياجات الطاقة المتزايدة الخاصة بالزراعة الداخلية.

أوضح فالكون أيضاً أن الظروف المناخية المرتبطة بتغيّر المناخ والتي تصبح أكثر شدة بشكل متزايد، مثل موجات الحر الطويلة أو العواصف المطيرة والفيضانات، لا تؤثر بشكل مباشر على زراعة المحاصيل الداخلية كما هو الحال في المحاصيل المزروعة تقليدياً.

يقول فالكون: "يجب أن تتم موازنة عواقب هذا التقلب في الطقس وعدم قدرتنا على التنبؤ به على الزراعة التقليدية بالموثوقية التي نحصل عليها من الزراعة في الأماكن الداخلية، ومنها المنازل"، ويضيف: "لذلك من المرجح أنك لن توفّر كل ما تحتاجه عائلتك من نظام الزراعة الخاص بك، ولكن ستكون لديك دائماً منتجات ذات جودة لا بأس بها".

تقي زراعة المحاصيل في الداخل النباتات من التعرض للآفات أو الأمراض أو التربة الملوثة. ما يجعل زراعة المحاصيل في الأماكن المفتوحة أقل كفاءة بشكل عام.

أضاف فالكون أن التعرض للآفات والأمراض يقلل من صلاحية النباتات للاستهلاك البشري ومن رغبة المستهلكين في شرائها، وهما عاملان رئيسيان يجب أخذهما بعين الاعتبار عند محاولة التقليل من نفايات الطعام. على سبيل المثال، يوضح فالكون أن انخفاض تركيز البكتيريا أو انعدامه على أوراق الخس المزروعة في الداخل "يزيد من فترة صلاحيتها بمقدار أسبوعين إلى 3 أسابيع، ما يمنح المستهلكين [المزيد من الوقت] لاستهلاكها كلها".

يقول كاسيرا: "يتم إنتاج المحاصيل التي تُزرع في أنظمة الدفيئات [المائية] أو أنظمة الزراعة العمودية [المائية] في ظل ظروف مثالية حالياً"، ويضيف: "يتم تعظيم النتائج كمياً ومن ناحية سمات الجودة، ما يلبي توقعات المستهلكين من ناحية الحجم واللون والقوام والنكهة والمحتوي الغذائي".

مع ذلك، يقول كاسيرا إنه في حين أن استهلاك الطاقة الكهربائية لكل نبتة قد يكون متقارباً بين المنشآت المنزلية والتجارية، "إلا أن كمية وجودة الخضروات والفاكهة الطازجة التي تأتي من مصادر تجارية قد تكون مختلفة قليلاً". كما سيؤدي كل من حرض المزارع المنزلي وخبرته دوراً كبيراً. لذلك، إذا كنت عازماً على إنشاء حديقة منزلية للزراعة المائية، يجب عليك أن تلتزم بتخفيض البصمة الكربونية لهذا النشاط.

المحتوى محمي