على مدى السنوات الـ15 الماضية، أدّى تفاقم أزمة المناخ إلى زيادة تواتر وتأثير الكوارث الطبيعية، ولخص التقرير الذي نشره الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ، أن الأنشطة البشرية مسؤولة بنسبة 95% عن تدفئة الكوكب على مدار الـ50 عاماً الماضية، خاصةً في فترة ما بعد الثورة الصناعية وما رافقتها من تغييرات سهّلت الحياة على الإنسان وضيّقت الخناق على البيئة والمناخ. وكانت فترة الخمس سنوات الأخيرة هي الأكثر دفئاً على الكوكب.
كما أكد التقرير أن تغيّر المناخ يسبب اضطراباً خطيراً واسع النطاق على الطبيعة، وهو تهديد وجودي لا يُستهان به على البشرية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحد من المخاطر، فإنه يستمر بالتسارع ويؤثر على حياة وسبل عيش المليارات من الناس، فما هي الأنشطة البشرية التي تسبب تغيّر المناخ؟
هل يساهم الإنسان حقاً في تغيّر المناخ؟
التأثير البشري على تغيّر المناخ هو الجانب الأقل وضوحاً في علم المناخ، وإحدى العقبات أن البعض ما زال يستمر بمقاومة ومناقشة ما إذا كانت هذه الأفكار صحيحة أم لا على الرغم من العلم الراسخ، متعجبين أن أفعالاً صغيرة يقوم بها الإنسان يومياً تؤثر على صورة كبيرة للغاية كمناخ الكوكب.
ترافقت الثورة الصناعية مع زيادة في عدد المصانع والمعامل، كما ازداد عدد السيارات وما يرافقها من انبعاث لغاز ثنائي أوكسيد الكربون الذي يعتبر الغاز الرئيسي المسؤول عن حدوث الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى أوكسيد النيتروز والميثان. تعتبر هذه الغازات الدفيئة الثلاثة جزءاً طبيعياً من الغلاف الجوي للأرض، لكن كمياتها المتزايدة فيه تتسبب في حدوث تغيّر المناخ.
ونتيجة للزيادة الهائلة في عدد السكان واستهلاك الطاقة، أصبح الإنسان قوة من قوى الطبيعة، وأدّى بشكل أو بآخر إلى حدوث مجموعة من النتائج التي أثرت سلباً على المناخ والتي تم إثباتها علمياً، وهي:
- ساهمت الأنشطة البشرية وخاصة تلك التي تترافق مع احتراق الوقود الأحفوري كالصناعات بحدوث تغيير في المناخ.
- عبث الإنسان بالغطاء النباتي الأخضر مثل إزالة الغابات وقطع الأشجار أدّى أيضاً إلى تغيير المناخ، حيث أصبحت مساحة اليابسة الخضراء أقل.
- التسبب بحدوث الحرائق والتي تعتبر مصدراً مهماً وقابلاً للتجنب لانبعاث غاز ثنائي أوكسيد الكربون وأحادي أوكسيد الكربون كما في الاحتراقات غير الكاملة.
- العبث بالجريان الطبيعي للماء، وهدر أهم مواردنا ألا وهو الماء.
كيف يؤثر الإنسان على تغيّر المناخ؟
من أهم الأنشطة البشرية التي تقع ضمن دائرة التسبب بتغيّر المناخ نذكر:
- الغازات الدافئة التي تنبعث من الطائرات والقطارات والسيارات والناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري أو ما يعرف باسم الفحم والنفط والغاز الطبيعي. حيث شكل الوقود الأحفوري أكثر من 70% من إجمالي الطاقة المستخدمة في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2020.
- الطاقة والإضاءة في منازلنا ما هي إلا استهلاك للوقود الأحفوري أيضاً، حتّى الإنترنت التي نستخدمها تساهم في انبعاث غاز ثنائي أوكسيد الكربون، كما يضيف كل بريد إلكتروني يتم إرساله أو فيلم يتم بثه أو سؤال يُطرح على جوجل ثاني أوكسيد الكربون إلى النظام البيئي. وعلى الرغم من أن نسبة الانبعاث الناجمة عن هذه العمليات ضئيلة، فإنها تشكل مجتمعةً 3.7% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
- تساعد الأشجار في تنظيم المناخ بشكل كبير، حيث تمتص الشجرة الناضجة ما يعادل 46 رطلاً من غاز ثنائي أوكسيد الكربون سنوياً. تكمن المشكلة أنه عندما يتم قطع الأشجار فإن الكربون الذي امتصته يتم إطلاقه مرة أخرى في الغلاف الجوي. ولسوء الحظ ومع انتشار سياسة قطع الأشجار، تقلصت الغابة العالمية بنحو 200 مليون فدان آخر 50 عاماً.
- تعتبر الماشية المنتج الأول لغازات الاحتباس الحراري في صناعة الزراعة العالمية، وأدّت زيادة تربية الماشية إلى زيادة غاز الميثان الذي تنتجه كل من الأبقار والأغنام أثناء هضمها للطعام. تنتج البقرة الواحدة ما يقارب 220 رطلاً من الميثان كل عام. وفي حين أن الميثان له عمر تخزين أقصر من ثاني أوكسيد الكربون، فإن تأثيره السلبي أكبر عندما يتعلق الأمر بتدفئة الكوكب. وبحسب التقديرات، ونظراً لأن الكرة الأرضية بكاملها تستهلك اللحوم الحمراء أكثر من أي وقت مضى، تشير التقديرات إلى أن 60% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ناتجة عن صناعة الغذاء في الأعوام الأخيرة.
- لاستخدام الأسمدة التي تحتوي على النيتروجين لإنتاج المزيد من المحاصيل دور في التسبب بتغير المناخ لا يقل أهمية عن ازدياد تربية الماشية، حيث تنتج هذه الأسمدة انبعاثات أوكسيد النيتروز الذي يتسبب بتدفئة الكوكب بمقدار 300 ضعف أكثر من ثاني أوكسيد الكربون.
- تكتسب الغازات المفلورة شعبية كبيرة حيث تضاعف استخدامها في أوروبا بين عامي 1990 و2014 في صناعة الشاشات المسطحة ومصابيح الإضاءة (LED) نظراً لأنها لا تدمر طبقة الأوزون، إلا أنها غازات دفيئة في النهاية وتساهم في حدوث الاحتباس الحراري وتغيير المناخ بمقدار 23,000 ضعف مقارنة بتأثير ثاني أوكسيد الكربون.
دور التلوث في تغيّر المناخ
تؤثر ملوثات الهواء على مناخ كوكبنا، ولكن ليس كل الملوثات لها نفس التأثير، حيث تتسبب بعض الأنواع في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، بينما يكون للبعض الآخر تأثير تبريد مؤقت يستمر لبضعة أيام أو أسابيع، لكن بشكل عام تدفع النسبة العظمى منها الكرة الأرضية نحو حدوث الاحتباس الحراري، وأكثر ثلاثة غازات متهمة بذلك هي: ثنائي أوكسيد الكربون، وأوكسيد النيتروز، والميثان.
ارتفعت كمية انبعاثات الكربون من أقل من 5 مليارات طن سنوياً في أواخر الخمسينيات إلى أكثر من 36 مليار طن سنوياً اعتباراً من عام 2019. وهو أمر مرعب ويجب التعامل معه عن طريق وضع خطط مدروسة.
هذا التلوث الناجم عن انبعاثات الكربون ساهم في جعل الأرض أكثر عرضة لحدوث تبدلات مناخية أكثر تطرفاً مثل موجات الحر والجفاف والتي بدورها تؤثر سلباً على جودة الهواء. كما تتسبب موجات الحر في زيادة التلوث بالأوزون على مستوى الأرض لأن التفاعلات الكيميائية التي تخلق الأوزون في الغلاف الجوي تحدث غالباً في درجات الحرارة المرتفعة.
من جهة أخرى، تؤدي زيادة تركيز غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى زيادة نمو النباتات المسببة للحساسية، بالإضافة إلى ازدياد كمية المواد الملوثة في الهواء، والتي بدورها تزيد من شدة الحساسية.
يعمل المناخ الدافئ على إطالة موسم وفترة نمو النباتات في بعض المناطق، ما يزيد من عدد الأيام التي يرتفع فيها تركيز حبوب اللقاح، والذي بدوره يزيد من شدة بعض الأمراض التحسسية سوءاً وخاصة الربو.
الأمر المثير للحيرة، أنه عوضاً عن معالجة السبب الجذري لهذه المشكلة، تتم معالجة النتائج من خلال تثبيط التحسس عن طريق صناعة الأدوية المضادة للحساسية، وهي صناعة تُطلق بدورها غازات دفيئة كغيرها من الصناعات، ما يجعلنا ندور في نفس الحلقة مغلقة مراراً، والفرق الوحيد هو أن الاحتباس الحراري يزداد تسارعاً يوماً بعد يوم.