كيف تؤثر التضاريس على المناخ؟

3 دقيقة
كيف تؤثر التضاريس على المناخ؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Siyapath

في يوم صيفي مشمس، إذا انتقلت من منطقة جبلية إلى منطقة ساحلية، ستشعر وكأنك انتقلت من طرفٍ ما على كوكب الأرض إلى طرفٍ آخر، إذ تتحوّل درجة الحرارة المعتدلة اللطيفة ونسمات الهواء الباردة الموجودة على الجبل إلى درجة حرارة مرتفعة تكاد لا تحتمل مع اختفاء الهواء العليل وزيادة الرطوبة النسبية إلى حدٍّ مزعج. فما سبب هذا التغيّر في الطقس على الرغم من أن المسافة بين المنطقتين لا تتعدى 30 كيلومتراً؟ وهل تؤثّر التضاريس في المناخ السائد في منطقة ما؟ وكيف؟

تأثير التضاريس على المناخ

بداية ما هو المناخ؟ المناخ هو شكل الطقس على مدى فترة طويلة من الزمن في مكان ما، أي أنه متوسط الطقس عبر الزمان والمكان، أمّا الطقس فهو تغيّرات قصيرة المدى (من دقائق إلى شهور) في حالة الغلاف الجوي من درجة حرارة ورطوبة وأمطار ورياح وغيوم وغيرها. فالمناخ هو حالة الجوّ التي تتوقعها بناءً على إقامتك في هذا المكان عشرات السنوات، والطقس هو ما تحصل عليه فعلاً.

أما التضاريس فهي السمات الفيزيائية لسطح الأرض، مثل الشكل والارتفاع والانحدار والاتجاه وغيرها، ويؤدّي اختلاف التضاريس في منطقة ما إلى نشوء اختلاف في درجة الحرارة والرطوبة والتعرض للرياح وأشعة الشمس، وتُدعى هذه الاختلافات بالمناخ المحلي Microclimate، التي تؤثّر بدورها على المجتمعات الطبيعية الموجودة في هذه المنطقة. يختلف تأثير التضاريس على المناخ المحلي في منطقة ما حسب نوع واتجاه وشكل التضاريس الموجودة.

اقرأ أيضاً: ما هي العوامل المؤثرة في مناخ الوطن العربي؟

كيف تؤثّر التضاريس على المناخ؟

تؤثّر التضاريس في معظم عناصر المناخ، وتؤدي دوراً رئيسياً في تشكيل المناخ المحليّ لكل منطقة، ويمكن تقسيم هذه التأثيرات إلى ما يلي:

تأثير التضاريس على درجة الحرارة

يؤثّر الارتفاع عن سطح الأرض على درجة حرارة الجوّ بشكل كبير، فغالباً ما تكون المناطق عند مستوى سطح البحر والمناطق قليلة الارتفاع أكثر دفئاً من المناطق عالية الارتفاع، وذلك لأنه كلّما زاد الارتفاع انخفض الضغط الجوي، أي قلّت كثافة جزيئات الهواء، بالتالي تمتصّ حرارة أقل من ضوء الشمس.

في الواقع، تنخفض درجة الحرارة بمقدار 1 درجة مئوية كلما ارتفعنا مسافة 100 متر عن سطح البحر. بالإضافة إلى ذلك، يؤثّر شكل المنحدرات أيضاً على درجة الحرارة السائدة محلياً، فالمنحدرات الجنوبية للجبال تكون أكثر تعرضاً لإشعاع الشمس مقارنة بالمنحدرات الشمالية، ما يخلق مناخاً مختلفاً بشكل كبير من حيث درجة الحرارة والرطوبة والغطاء النباتي، حيث تنمو نباتات تتكيف مع الظروف المشمسة ودرجات الحرارة الأكثر دفئاً على الجهة الجنوبية، بينما تنمو على المنحدر الشمالي نباتات تتكيف مع ظروف الظلّ والرطوبة ودرجات الحرارة الأكثر انخفاضاً.

اقرأ أيضاً:

تأثير التضاريس على هطول الأمطار

تُعرَف الطريقة التي تؤثّر بها الجبال على المناخ بالتأثير الأوروجرافي، وهو يصف كيفية تغيّر الكتل الهوائية أثناء صعودها وهبوطها على جوانب الجبل، التي تؤثّر بدورها على الهطول المطري على جانبي الجبل والمناطق المحيطة. فكما هو معلوم، للجبل جانبان، جانب مواجه للريح Windward وجانب مدابر للريح Leeward. غالباً ما يتلقى الجانب المواجه للريح هواءً دافئاً ورطباً قادماً من المحيط، وعندما يصطدم هذا الهواء بالحاجز الجبلي فإنه يرتفع إلى الأعلى، فتنخفض درجة حرارته بسرعة، ويصبح أقل قدرة على احتجاز بخار الماء، ما يؤدي إلى تكاثفه وتحوله إلى أمطار أو ثلوج.

إذاً، يسبب هذا الحاجز الطبيعي تشكل مناخ معتدل في المناطق الأكثر مطراً وهي قمم الجبال والمنحدرات المواجهة للرياح المحملة بالرطوبة. من جهةٍ أخرى، وفي حالة الجبال المرتفعة شديدة الانحدار، وعندما يصل الهواء الذي فقد الكثير من رطوبته النسبية (حمولتها من بخار الماء) إلى قمة الجبل، وينزل نحو الجهة المواربة لاتجاه الرياح، يسخن بشكل كبير وسريع، ما يقلل من رطوبته النسبية أكثر، فتصبح هذه المنطقة جافة قليلة الأمطار وقد تتحول إلى صحارٍ. تسمى هذه الظاهرة بظلّ المطر (Rain Shadow)، وهي منطقة أصبحت جافة أو صحراوية لأن الجبال منعت وصول الهواء الرطب إليها.

اقرأ أيضاً: كيف تحدث الفيضانات المفاجئة وكيف يمكن درء مخاطرها؟

تأثير التضاريس على الرياح

الرياح هي جزء من الطقس الذي نشعر به طوال الوقت، وتحدث الرياح بسبب الاختلاف في الضغط الجوي بين المناطق، وهذا يعود أساساً إلى اختلاف درجة الحرارة، إذ إن الشمس تُسخِّن الهواء لكنها تفعل ذلك بشكل غير متساوٍ، لأنها تضرب التضاريس المختلفة بزوايا مختلفة، بالتالي تكون بعض المناطق أكثر دفئاً من بعضها الآخر، ما يؤدي إلى تشكل جيوب هوائية دافئة وباردة.

ونظراً لاختلاف سلوك الغازات باختلاف درجات الحرارة، فهذا يعني أن نحصل على جيوب ذات ضغط مرتفع وجيوب ذات ضغط منخفض. في المناطق ذات الضغط المرتفع تكون جزيئات الغازات في الهواء مزدحمة بشكل أكبر، أما في المناطق ذات الضغط المنخفض تكون جزيئات الغازات متباعدة أكثر نوعاً ما، بالتالي تنتقل الغازات من مناطق الضغط المرتفع إلى مناطق الضغط المنخفض. وكلما زاد الاختلاف بين الضغوط زادت سرعة تحرك الهواء، أي الريح. لذلك، وبما أن الأماكن المرتفعة ذات ضغط جوي منخفض فغالباً ما تحدث الرياح فيها باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الانحدار الشديد إلى زيادة سرعة الرياح باتجاه أسفل المنحدر، بينما تؤدي التلال المنخفضة الانحدار إلى إبطاء حركتها.

ختاماً، وعلى الرغم من وجود منطقة ما ضمن مساحة جغرافية صغيرة، فإن التضاريس الموجودة فيها تحدد إلى حدٍّ كبير المناخ السائد فيها.

اقرأ أيضا:

المحتوى محمي