دراسة جديدة تظهر أن الكواكب الخارجية فائقة المياه قد تكون شائعة أكثر مما كان يعتقد في السابق

دراسة جديدة تظهر أن الكواكب الخارجية فائقة المياه قد تكون شائعة أكثر مما كان يعتقد في السابق
قد تكون الكواكب الخارجية أكثر رطوبة من الأرض كما يظهر هذا الكوكب في الصورة أعلاه، ومن المحتمل أن تكون المحيطات محصورة تحت طبقات الصخور. بيلار مونتانيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يصنف علماء الفلك الكواكب في نظامنا الشمسي إلى نوعين: كواكب صخرية وكواكب غازية عملاقة. ولكن وفقاً لدراسة جديدة للكواكب في الأنظمة النجمية الأخرى في مجرتنا، هناك نوع ثالث من الكواكب يتكون من نحو 50% من الماء و50% من الصخور. وتجذب مثل هذه العوالم الغنيّة بالمياه العلماء لاختبار فرضياتهم حول العوامل التي تجعل الكواكب صالحة للسكن

اكتشاف جديد على مستوى الكواكب الصالحة للسكن

يقول باحث ما بعد الدكتوراة في جامعة شيكاغو والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة التي نُشرت يوم الخميس في مجلة “ساينس“، رافائيل لوك: «لأول مرة، يمكننا قول شيء مثبت علمياً حول قابلية السكن على الكواكب الأخرى، وهذه خطوة مهمة وكبيرة جداً».

اقرأ أيضاً: كيف سيكون شكل الحياة إذا تمكّن البشر من العيش في كهوف القمر؟

في السنوات الأخيرة، اكتشف علماء الفلك كواكب جديدة تدور حول نجوم خارج مجموعتنا الشمسية تُسمى الكواكب الخارجية. تم اكتشاف وتأكيد أكثر من 5 آلاف كوكب خارجي حتى الآن، ولكن معرفة ماهية هذه العوالم بالضبط وما إذا كانت صالحة للسكن أم لا من على بعد مئات السنين الضوئية أمر صعب جداً.

تم اكتشاف معظم الكواكب الخارجية اعتماداً على ما يسمى بطريقة العبور الزوالي، والتي تحدد الكوكب الخارجي بشكل غير مباشر من خلال ملاحظة كيفية خفوت ضوء نجمه (شمسه) الذي يمر أمامه. يمكن لعلماء الفلك أيضاً استنتاج نصف قطر الكوكب الخارجي من خلال قياس كمية الضوء التي يحجبها من نجمه. اعتماداً على هذه المعلومات، قارن العلماء هذه العوالم الغريبة بكواكب نظامنا الشمسي لتصور كيف يمكن أن تبدو. على سبيل المثال، يعتقد العلماء أن الكوكب الذي يكون له نفس نصف قطر الأرض هو كوكب صخري تماماً.

ولكن في مدار العديد من النجوم القزمة الحمراء، والتي تعد النجوم الأشيع في مجرتنا، هناك نوع من الكواكب لا مثيل له في نظامنا الشمسي. بناءً على نصف قطرها، يتراوح حجم هذه الكواكب بين حجم الأرض وحجم كوكب نبتون.

اقرأ أيضاً: لماذا لا يعيش أحد على القمر حتى الآن؟

فجوة نصف القطر

كان الاعتقاد السائد بين علماء الفلك لفترة طويلة من الزمن أن هذه الكواكب تندرج في فئتين، بعضها ينتمي إلى فئة “الكواكب الأرضية الفائقة” والبعض الآخر كان يُصنف على أنه من فئة “نبتون الصغير”. يقول عالم الكواكب في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا وغير المشارك في الدراسة الجديدة، رافي كوبارابو، إن هذا الاعتقاد ترسّخ من خلال ملاحظة ندرة الكواكب الخارجية التي يبلغ نصف قطرها نحو 1.6 مرة نصف قطر الأرض، الأمر الذي يُعرف باسم “فجوة نصف القطر”. ويضيف كوبارابو: «كان يُعتقد سابقاً أن الطريقة التي يتسبب بها إشعاع النجم في تآكل الغلاف الجوي للكوكب هي ما يفسر فجوة نصف القطر هذه».

وفقاً لهذا المنطق، فإن الكواكب التي تُصنف على أنها “أرض فائقة”، والتي كانت ستقع على الجانب الأقل من فجوة نصف القطر، ستكون ذات أغلفة جوية رقيقة جداً وسطح صخري مكشوف إلى حد كبير. بالمقابل، ستحتفظ كواكب “نبتون الصغير” بأغلفة جوية سميكة ومنتفخة، وبالتالي فإن نصف قطر هذه الكواكب الغازية سيكون أكبر.

ولكن هناك طرقاً أخرى يمكن من خلالها أن تمتلك الكواكب الخارجية مثل أنصاف الأقطار هذه. نظراً لعدم وجود مثيل لها في نظامنا الشمسي، يمكن أن تكون هذه العوالم غريبة حقاً، لذلك سعى لوك ومساعده، إنريك بالي، إلى تحديد كثافتها لمعرفة المواد التي يمكن أن تتكون منها هذه الكواكب البعيدة.

اقرأ أيضاً: لماذا تخطط ناسا لبعثة مأهولة إلى الزهرة؟

في الواقع، لا يمكن قياس الكثافة مباشرةً من مكان بعيد عن جسم ما، ولكن من خلال معرفة كتلة الكوكب ونصف قطره، يمكن حسابها بسهولة (تساوي كثافة الكتلة مقسومة على الحجم). أخذ الباحثون قياسات نصف القطر والكتلة لـ34 كوكباً اكتشفها حديثاً القمر الصناعي “تيس” (TESS)، المصمم لاستكشاف الكواكب الخارجية والذي تم إطلاقه عام 2018 لجمع عينة من الكثافات لهذه الكواكب الخارجية الصغيرة الغامضة.

بناءً على حساباتهما، فإن فجوة نصف القطر ليست هي ما تفصل بين الأنواع المختلفة من الكواكب التي تدور حول النجوم القزمة الحمراء، بل الكثافة. وقد استنتجوا أن هذه الكواكب الخارجية يمكن أن تندرج تحت ثلاثة أنواع من العوالم: صخرية أو غازية، أو من النوع الجديد، الغنية بالماء.

يقول لوك: «قد ننظر إلى الأرض على أنها كوكب غني بالمياه، لكن الماء لا يمثل سوى 0.02% من إجمالي وزن الأرض. بينما تشير كثافة هذه العوالم المائية البعيدة هذه إلى أن نحو نصف كتلتها عبارة عن ماء».

لكن لوك يقول إنه لا يجب أن نتصور أن هذه العوالم عبارة عن نواة صخرية تعلوها محيطات من المياه ومكشوفة للفضاء. يقول لوك موضحاً: «ما رأيناه في عينة الكثافات التي جمعناها هو أن هذه المياه لا يمكن أن تكون على السطح. قد تكون محصورة تحت السطح أو ربما مختلطة مع الصهارة، لكنها لن تكون على شكل محيطات عميقة من المياه، على الأقل لن تكون على السطح».

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: اصطدامات النيازك ربما جعلت المريخ غير صالح للحياة

أقرب نظائر الكواكب الخارجية الغنية بالمياه في نظامنا الشمسي هي أقمار المشتري وزحل. على سبيل المثال، يتمتع القمر يوروبا، أحد أقمار المشتري، بمحيط عميق موجود تحت غلاف جليدي يسود القمر كله.

ويقول لوك إنه من غير المرجّح أن تحتوي هذه الكواكب الخارجية على غلاف مائي جليدي نظراً لقربها من نجمها كثيراً، أي أن أي مياه موجودة عليها ستتبخر، على الأقل على الجانب المواجه لنجم الكوكب. في الواقع، لا تدور هذه الكواكب حول محورها مثل كوكب الأرض، لذلك سيكون هناك جانب مظلم وآخر مظلم بشكلٍ دائم. ولكن لوك يقول إنه ربما توجد هناك منطقة يتداخل فيها الجانب المظلم والمضيء يسود فيها الشفق دائماً إلى حد ما، تكون فيها درجة الحرارة السطحية ملائمة لاستقرار الماء السائل.

أهمية الماء السائل في البحث عن صلاحية الكواكب للسكن

يبحث علماء الفلك عادةً عن احتمال وجود الماء السائل عند بحثهم عن عوالم صالحة للسكن، لأنه ضروري للحياة كما نعرفها (أي الحياة على الأرض، والتي تلائم الإنسان تماماً).

يقول كوبارابو: «ليس لدينا سوى نموذج واحد للحياة في هذا الكون، لذلك نعتمد عليه للبحث عن الحياة في أماكن أخرى. لكن الماء السائل المستقر ليس الشرط الوحيد اللازم كي تكون العوالم الأخرى صالحة للحياة بهذا المعنى، ولا تعني حقيقة أن المكان يدعم الحياة أن هناك أشكالاً للحياة عليها».

لاستكشاف إمكانية الحياة في هذه العوالم البعيدة، سيعتمد علماء الفلك على أدوات مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي تم إطلاقه مؤخراً، والذي يمكنه دراسة كيمياء الغلاف الجوي للكواكب الخارجية لاكتشاف المزيد من التفاصيل الدقيقة حول تكوينها. اعتماداً على التلسكوبات المتطورة مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي، سيكون بوسع علماء الفلك التحقق من وجود بخار الماء بالإضافة إلى غازات مثل الميثان والأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين وغير ذلك من الغازات الموجودة في غلافها الجوي.

يقول كوبارابو: «هناك أدلة متزايدة على وجود الكثير من العوالم الصالحة للسكن. أرضنا ليست فريدة من نوعها». ويضيف مشبهاً الأمر على هذا النحو: «إذا انتقلت إلى حيّ جديد وأردت تقديم نفسك إلى جيرانك الجدد، فقد ترى الكثير من المنازل، ولكن لن تقابل الكثير من الناس. بالنسبة لنا، نكتشف الكثير من المنازل، ولكننا يجب علينا الآن اكتشاف ساكنين لها».