يتضّمن تقرير جديد أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وشاركت في تأليفه عدة وكالات، تحذيراً صارخاً وخطيراً لجميع دول العالم. حكومات العالم لم تتخذ الإجراءات الملائمة للتعامل مع التغيّر المناخي. ينص التقرير على أن "الأدلة العلمية واضحة، وهناك حاجة ملحة لتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة والتكيّف مع المناخ المتغيّر".
مضمون تقرير "متحدون في العلم"
يركّز التقرير الجديد بعنوان "متّحدون في العلم"، والذي نُشر في 13 سبتمبر/ أيلول 2022، على التفاوت بين تطلّعات دول العالم ووعودها وما يحدث على أرض الواقع. كما أنه يحذّر من أن التبعات الاجتماعية الاقتصادية والمادية لتغير المناخ الذي يتسبب به البشر ستصبح مدمّرة بشكل متزايد إذا لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر جديّة. تتضمن هذه الإجراءات الاستثمارات المدنية مثل تخطيط المدن المبني على المناخ في المناطق الحضرية وتحسين كفاءة أنظمة الإنذار المبكر التي تتحسس عدداً كبيراً من المخاطر، والتي تتيح للحكومات والمجتمعات الاستعداد بشكل أفضل للأحداث الجوية. أكثر الإجراءات المطروحة طموحاً هو الوصول لما يدعى بصافي انبعاثات الكربون السالب بحلول عام 2050، ويعني ذلك أن تتمكن الشركات ومختلف الجهات من إزالة كمية من ثنائي أوكسيد الكربون تتجاوز تلك التي تتسبب بإنتاجها.
ينص التقرير أيضاً على أن العدد الحالي للكوارث المتعلقة بالطقس يساوي 5 أضعاف عدد الكوارث التي كانت تقع قبل 50 عاماً، كما أن هذه الحوادث تتسبب بوفاة 115 شخصاً يومياً كوسطي. من المتوقّع أن تزداد هذه الأرقام بمرور الزمن.
تطلعات خفض الانبعاثات يجب أن تتضاعف لتتوافق الأهداف
وجد مؤلفو التقرير أن تراكيز الغازات الدفيئة تستمر بالارتفاع لتسجل أرقاماً قياسية جديدة، وأن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري تجاوزت مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19 بعد انخفاضها مؤقتاً نتيجة إجراءات الحجر. ينص التقرير أيضاً على أن الأهداف والتطلّعات المتعلقة بخفض الانبعاث بحلول عام 2030 يجب أن تتضاعف 7 مرات لتتوافق مع أهداف اتفاقية باريس التي أُبرمت في عام 2015، والتي تنص على أن الارتفاع في درجة الحرارة العالمية يجب أن يكون أقل من 1.5 درجة مئوية.
قال أنطونيو غوتيريس (António Guterres)، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في بيان: "تزداد شدة كل من الفيضانات وفترات الجفاف وموجات الحر والعواصف المتطرفة وحرائق الغابات مع مرور الزمن، محطّمة الأرقام القياسية بتواترات تنذر بالخطر. ضربت موجات الحر دول أوروبا، وحدثت فيضانات هائلة في باكستان، وشهدت الصين ودول القرن الإفريقي والولايات المتحدة الأميركية فترات مطولة من الجفاف الشديد"، وأضاف: "أن حجم هذه الكوارث ليس عادياً على الإطلاق. وهي الثمن الذي تدفعه البشرية مقابل الاستهلاك المفرط للوقود الأحفوري".
ذكر مؤلفو التقرير أن احتمال تجاوز متوسّط درجة الحرارة العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة 1.5 درجات مئوية فوق درجات الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية هو 48%. كما أن احتمال ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في عام واحد على الأقل خلال الأعوام الخمسة المقبلة يساوي 93%. يحذّر المؤلفون أيضاً من أنه لا يمكن استبعاد وصول النظام المناخي العالمي إلى "نقاط التحول". تتمثّل نقاط التحول هذه بذوبان الصفائح القطبية الجليدية في كل من جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر، وجفاف غابات الأمازون المطيرة.
يمكن الحد من هذه "الخسائر والأضرار" في المستقبل من خلال اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب لإيقاف احترار الكوكب وتخفيض معدلاته، وتطبيق آليات التكيّف الرئيسية مع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة.
التغير المناخي وظواهر الطقس المتطرفة
قال بيتيري تالاس (Petteri Taalas)، الأستاذ الجامعي والأمين العام للمنظّمة العالمية للأرصاد الجوية في بيان: "يبيّن لنا علم المناخ بشكل متكرر أن العديد من الظواهر الجوية المتطرفة التي نشهدها أصبحت مرّجحة أكثر وذات شدّة أكبر بسبب التغير المناخي الذي يتسبب به البشر. شهدنا هذه الظواهر المتطرفة بشكل متكرر في عام 2022، وكانت لها آثار مأساوية"، وأضاف: "أصبح من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى توسيع نطاق العمل على أنظمة الإنذار المبكر لتحضير المجتمعات المعرّضة للخطر للمخاطر المناخية الحالية والمستقبلية بشكل جيد. ولهذا السبب، تقود المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الجهود التي تهدف إلى توفير هذه الأنظمة للجميع خلال السنوات الخمس المقبلة".
تسببت الفيضانات المرتبطة بالتغير المناخي في غمر ثلث مساحة باكستان خلال صيف عام 2022. ومع ذلك، تبلغ مساهمة البلاد في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية أقل من 1%. ستتم مناقشة القضايا المتعلقة بالتعويض عن الخسائر الجسيمة التي تعاني منها بعض الدول كنتيجة عن الانبعاثات التي تنتجها الدول الأكثر ثراءً في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (والمعروف بشكل أوسع باسم سي أو بي-27) الذي سيُعقد في مصر خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
اقرأ أيضاً: التغير المناخي يؤثر بشكلٍ كبير على أنماط الطقس المتطرفة
يوفّر التقرير الجديد نظرة عامة على أحدث الأبحاث العلمية المتعلقة بالتغير المناخي وآثاره والإجراءات التي يجب اتخاذها تجاهه. كما أنه يتضمّن المساهمات والبيانات التي قدّمتها عدة وكالات، بما في ذلك المنظّمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث والبرنامج العالمي لأبحاث المناخ ومشروع الكربون العالمي ومكتب المملكة المتحدة للأرصاد الجوية وشبكة أبحاث التغير المناخي الحضريّ. يحتوي التقرير أيضاً على عدد من التصريحات المتعلقة بمسألة التغير المناخي من تقرير التقييم السادس الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي.