أنثى قرد الميمون تقوم بتفلية ولدها
حتى لو كنتَ ذا مشاعر فياضة تجاه أصدقائك فإن شعورك بضرورة حماية نفسك سيمنعك من التلامس الشديد مع شخص مصاب بالبرد، ولا يعني هذا التجنب التام للتواصل معه، ولكن بالتأكيد لن تأخذ رشفة من الكأس التي يشرب منها. وقد تبين أن قرود الميمون ذات السلوك الاجتماعي الواضح تتبع نفس الأسلوب، فلكي تتجنب نشر الطفيليات بين رفاقها تتفادى القيام بتفلية جسم أي فرد - وهو نوع من النشاط الاجتماعي- إذا ظهر لبرازه رائحة غريبة.
وقد نشرت نتائج جديدة تعود لمشروع بحثي مخصص لاكتشاف الحياة السرية لهذه الرئيسيات في مجلة تقدم العلوم في نيسان 2017 حيث تتبع الباحثون مجموعة من حوالي 140 من قرود الميمون تعيش معاً في جنوب الغابون. ويسعى المشروع بشكل عام إلى دراسة تطور السلوك، ولكن يحدث أن تكون الإصابة بالطفيليات من الآثار الجانبية السيئة في البنى الاجتماعية المتماسكة.
ومن المعروف أن الطفيليات تحتاج أن تنتقل من مضيف إلى مضيف لتحافظ على بقائها، ولذلك فمن المنطقي أنه كلما كانت الحيوانات أقل عزلة فإنها ستكون أكثر عرضة للأمراض الطفيلية. وقد طورت الحيوانات الاجتماعية وسائل للتغلب على هذه الظروف، ولكن تفاصيل العلاقة بين البنى الاجتماعية والتطفل ما تزال غامضة.
ونشر واضع هذه الدراسة على موقع المشروع: "ما نعرفه الآن هو العلاقة القوية بين مخاطر العدوى والكثافة العددية للحيوان المضيف، أما ما لا نعرفه عند البشر وكذلك عند بقية الأنواع، فهو عواقب التطفل على التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد". وتمثل قرود الميمون فرصة مثالية لمعرفة المزيد عن ظروف انتقال العدوى، فهي تعيش في تجمعات كبيرة قد تشمل مئات الأفراد (أو لنقلْ الإناث وصغارها، لأن الذكور تعيش منعزلة ما لم يكن هناك موسم للتزاوج)، وكغيرها من القرود تقوم بتفلية أجسام بعضها كنشاط اجتماعي. وبالتأكيد سيكون هذا التلامس خبراً ساراً للطفيلي. ولذلك تتبع الباحثون ولمدة سنتين ونصف 25 قرداً لمراقبة سلوكها، وقاموا بجمع عينات من برازها.
وبمقارنة الملاحظات السلوكية مع بيانات تحليل البراز استطاع الباحثون اكتشاف استراتيجية ذكية تتبعها القرود، فهي لا تقوم بعمل حجر على التجمع المصاب بطفيلي ما، ولكنها تقلل من تفلية أجسام أفراده. وقد وجد العلماء أن معدلات التفلية تنخفض كلما أصيب الأفراد بعدد أكبر من الطفيليات، ولكن حالما قام الباحثون بمعالجة القرد المريض عاد رفاقه إلى تفليته مجدداً. والامتناع عن تفلية القرود المصابة يساعد في الحفاظ على صحة التجمع دون إزعاج البنية الاجتماعية. والقرود الذكية يكفيها أن تعرف حالة البراز لتتخذ القرار الصحيح. فقد أظهرت التحاليل أن عينات البراز الغنية بالكائنات الأولية كان لها خصائص كيميائية مختلفة عن تلك المأخوذة من قرود سليمة، وقد اشتبه العلماء في أن البراز المرَضي يعطي رائحة مميزة، ومن المؤكد أنه عندما تجد القرود عينات من البراز تحوي مستويات مختلفة من الطفيليات فمن المرجح أنها ستتجنب البراز المريض
تقول كليمنس بواروت المؤلف الرئيسي للدراسة وأخصائية علم الأحياء التطوري: "لقد أكدت النتائج فرضياتنا، ولكن هذه الدراسة كانت مثيرة لأننا أظهرنا وبنهج تجريبي ومترابط أن القرود تستخدم أسلوباً بارعاً للتقليل من مخاطر العدوى ببعض الطفيليات المَعِدية المعوية. وهي ببساطة لا تقوم بحجر القرود المصابة ولكنها تتفادى التلامس معها خاصة حول المنطقة الشرجية الأمر الذي ينطوي على خطر كبير في نقل الطفيلي. وهذا يشير إلى أن القدرة على تحديد الأفراد المصابين وتكييف السلوك الاجتماعي وفقاً لذلك قد يساعد الأنواع الاجتماعية على التعامل مع الخطر المتزايد للطفيليات المرتبط بالحياة الاجتماعية"
قد تساعدنا هذه القرود يوماً ما في فهم أشكال التكيف الأخرى المشابهة عند الإنسان، وربما لسنا بحاجة لنقوم بتصرف مماثل لتصرفها في اكتشاف المرض، ولكننا تعلمنا كيف نكون حذرين من إفرازات الآخرين.