تمكن الباحثون في هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من صنع روبوت لين مزود بعضلات مستوحاة من أشكال الأوريجامي (الفن الياباني لطي الورق بأشكال فنية) قادر على رفع أحمال ثقيلة للغاية.
يوجد الكثير من الأسباب التي تدعو لصنع روبوت لين. حيث أن هذا النوع من الروبوتات مناسب تماماً للمساحات الضيقة في عمليات البحث والإنقاذ بعد الكوارث. كما أنها أقل عرضة للضرر من الروبوتات التقليدية المصنوعة من مواد صلبة، والتي قد تتحطم إذا تعرضت لقوى كبيرة. أما السبب الأهم فهو على الأرجح أنها مثالية للتعامل مع البشر. فلن يتسبب روبوت مصنوع من مادة لينة وطيعة بإحداث ثقب في القلب بالخطأ أثناء عملية جراحية، ولن يصيب ضحية بالأذى أثناء البحث ضمن كومة من الحطام.
غير أنه يوجد على الأقل سبب واحد وجيه يدفع بنا إلى صنع الروبوتات من المواد الصلبة. وهو أنه من الصعب صنع روبوت ذي قوة إمساك كبيرة من المواد اللينة. تخيل يداً تحاول التقاط شيء بدون وجود أية عظام داخلها. إنه أمر صعب للغاية، ناهيك عن أن المنظر مقرف بعض الشيء.
غير أن العظام ليست ضرورية فعلياً للإمساك بالأشياء. يكفي أن ننظر إلى الكائنات اللافقارية مثل الأخطبوط، والذي لا توجد عظمة واحدة في ملامسه الثمانية، ولكن العضلات فيها قادرة على تحريك هذه الملامس بدون وجود دعم من العظام. وحتى في الكائنات الفقارية المزودة بهيكل عظمي، يوجد بعض البنى القادرة على العمل بدون هيكل صلب، مثل اللسان، أو خرطوم الفيل. أي أن الحل الهندسي المناسب موجود.
نُشرت دراسة حديثة في دورية "Proceedings of the natural academy of sciences" تقدم حلاً ممكناً. وذلك بتصنيع بنية مرنة تشبه الهيكل العظمي (لا تقلقوا، فهي ما زالت تعتبر لينة نسبياً) مستوحاة من الأوريجامي. وتمكن الباحثون بهذا من صنع روبوتات قادرة على رفع ألف ضعف من وزنها. إضافة إلى هذا، فلم يحتج الباحثون إلى التضحية بميزات الروبوتات اللينة أيضاً. حيث يمكن لعضلة بوزن 2.6 غرام رفع جسم بوزن 3 كيلوغرام، والإمساك بزهرة بدون إحداث ضرر ببنيتها الحساسة.
يمكن تصنيع الهيكل الداخلي من مجموعة من المواد الرخيصة. فقد طبق المهندسون عمليات الطي على قطع من مطاط السيليكون اللين، وشرائح من البوليستر الشفاف. بل إنهم أجروا بعض التجارب الناجحة باستخدام مواد تنحل في الماء، والتي يمكن استخدامها لصنع روبوتات طبية أو بيئية قادرة على التحلل والتفكك في مكانها بعد الانتهاء من عملها. وإذا لم تكن الليونة عاملاً هاماً للغاية، يمكن زيادة القوة باستخدام ملفات معدنية، أو يمكن تصنيع الهيكل من لوحات إلكترونية لإتاحة إمكانية تركيب شاشات أو تغيير اللون. ويلحظ الباحثون أنه يمكن استخدام أية تقنية للتصنيع وفقاً للمادة المعتمدة: الطباعة المجسمة، آلات التشغيل (المخرطة والفارزة مثلاً)، الصب، التشكيل، وحتى الطي اليدوي.
يوضع الهيكل ضمن مستوعب مرن مليء بالهواء أو بالسائل (يمكن صنع هذه الطبقة أيضاً من مواد متعددة)، وذلك للحصول على عضلة واحدة. ويمكن التحكم بالطبقة الخارجية عن طريق الضغط، الذي يجعلها تتقلص أو تتمدد، ويترافق هذا مع فتح أو انطواء الهيكل بناء على (برمجته)، أو طريقة الطي التي اعتمدها المهندسون. يمكن لطريقة الطي المعتمدة في آلة الأوكورديون الموسيقية أن تسمح بالحركات الخطية صعوداً وهبوطاً، ولكن يمكن لأنماط طي أخرى أن تجعل العضلات تلتف عند الضغط، أو تنفتل بحركة إمساك دائرية. أطلق الفريق على هذه البنية اسم العضلة الاصطناعية المستوحاة من الأوريجامي والمحركة بضغط الموائع، أو اختصاراً: فوم FOAM.
يقول المؤلف شوجوانج لي، زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد ويس ومختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في تصريح صحفي: "من أهم ميزات هذه العضلات أنها قابلة للبرمجة، أي أن تصميم كيفية انطواء الهيكل يحدد كيفية حركة البنية بالكامل. وبشكل أساسي، يمكنك أن تحصل على هذه الحركة بشكل مباشر بدون الحاجة إلى نظام تحكم". وبهذه البساطة، يمكن للبرمجة الفيزيائية بهذه الطريقة أن تخفف من الذكاء المطلوب لعمل الروبوت بتحديد الحركات المختلفة بناء على تدفق الهواء فقط.
تقول دانييلا روس، بروفسورة الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب في كلية آندرو وإيرنا فيتربي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في تصريح صحفي: "الاحتمالات هنا كثيرة للغاية. غير أن المشروع التالي الذي أرغب ببنائه بهذه العضلات هو فيل روبوتي مزود بخرطوم يمكنه التعامل مع البيئة المحيطة بنفس المرونة والقوة في خرطوم الفيل الحقيقي".