هل فكرت سابقاً أين تذهب مياه الاستحمام أو تنظيف المرحاض أو حتى مخلفات المستشفيات السائلة وماذا يحدث لها؟ إن هذه المخلفات وغيرها من النفايات السائلة تشكل ما يُعرف بمياه الصرف الصحي. تستمر مياه الصرف الصحي في التأثير على حياتك حتى بعد أن تختفي في البالوعة، إذ تشكل الملوثات التي تدخل البيئة تهديداً كبيراً ليس فقط على صحة الإنسان، وإنما أيضاً على النظام البيئي بأكمله. فما أضرار الصرف الصحي على البيئة وما طرق معالجتها؟
ما هو الصرف الصحي؟
هو المياه الملوثة التي تنتج عن المنازل والمعامل والمنشآت بجميع أنواعها، وتدخل نظام الصرف الصحي. يتكون الصرف الصحي من أكثر من 99% من الماء، بينما تحتوي النسبة المتبقية على ملوثات قابلة للتحلل وجزيئات صلبة صغيرة.
تُصنّف مياه الصرف الصحي وفقاً لمصدرها إلى ثلاثة أنواع وهي:
- مياه الصرف الصحي المنزلي: تأتي من الشقق والمنازل، وتنتج عن مياه الاستحمام والمراحيض وغسل الأطباق، وما إلى ذلك، وتضم ملوثات كالبراز وبقايا الصابون والمنظفات وجزيئات الطعام والشعر والملابس والورق وأي شيء يمكن أن يجد طريقه إلى أنابيب نظام الصرف الصحي. ينتج كل فرد يومياً ما بين 28-47 لتراً من مياه الصرف الصحي.
- مياه الصرف الصحي الصناعية: هي المياه الناتجة عن عمليات الإنتاج والتصنيع، ويمكن تحديد نوعية الملوثات الناتجة عنها بسهولة بتحديد العملية الصناعية.
- مياه الصرف الصحي للعواصف أو مياه الأمطار: هي ما يتم تجميعه من أمطار في أنابيب الصرف الصحي.
اقرأ أيضاً: المياه النظيفة مهمة للحفاظ على الصحة: فما المشكلات التي تواجهها؟
الملوثات الرئيسية في مياه الصرف الصحي
تتحدد مراحل معالجة مياه الصرف الصحي وفقاً لنوع الملوثات، ويمكن تقسيمها بشكل عام إلى:
- المواد العضوية: هي بقايا النباتات والحيوانات، أو المركبات العضوية الصناعية مثل المنتجات الورقية ومستحضرات التجميل والأطعمة والمبيدات، أي هي المركبات المكونة من بروتينات أو كربوهيدرات أو دهون وقابلة للتحلل البيولوجي.
- المواد الصلبة العالقة: المواد الصلبة العالقة أو ما يُعرف بالحمأة، وتنتج بشكل أساسي عن مياه الصرف الصناعي ومياه الأمطار أكثر من الصرف المنزلي.
- المغذيات النباتية: قد تحتوي مياه الصرف المنزلي على وجه الخصوص على مركبات يحتاجها النبات لنموه مثل النيتروجين والفوسفور.
- الميكروبات: قد تحتوي مياه الصرف الصحي على أعداد كبيرة من الميكروبات، بعضها قد يكون ممرضاً مثل البكتيريا القولونية، والتي تعد مؤشراً لتلوث مياه الصرف الصحي.
اقرأ أيضاً: مياه الشرب قد تكون مليئة بالمفاجآت
آثار الصرف الصحي على البيئة
مع كل ما يتم صرفه في المسطحات المائية من مياه صرف صحي، فإننا حقيقة نجعل المياه غير صالحة للاستخدام، ما يعني أننا نستنزف إمدادات مياه. إلا أن هذا ليس الضرر الوحيد الذي تسببه مياه الصرف الصحي على البيئة، بل يمكنها أيضاً أن تلحق بها الآثار التالية:
التخثث: تأثير المغذيات النباتية
التخثث هو عملية شيخوخة المسطح المائي وتدهور متسلسل للنظام البيئي فيه. عادة ما يحدث التخثث بشكل طبيعي في البحيرات مع تقدم عمر البحيرات وامتلائها بالرواسب. ومع ذلك فقد أدى النشاط البشري إلى تسريع عملية التخثث من خلال تصريف المشتقات النفطية وغير النفطية وما تحتويه من عناصر مغذية للنباتات في النظم البيئية المائية. يؤدي التخثث إلى انهيار سريع للبيئة المائية من خلال:
- نمو الطحالب والعوالق النباتية نتيجة لوفرة المغذيات النباتية كالفوسفور والنيتروجين، ما يُفقد المياه صفاءها ونقاءها.
- يحد النمو الكثيف للطحالب من اختراق الضوء، ما يقلل من نمو النباتات المائية ويعيق الكائنات المائية المفترسة من ملاحقة فرائسها.
- استنفاد الكربون العضوي وغير العضوي وارتفاع درجة الحموضة ما يعيق الكائنات الحية من إدراك الإشارات الكيميائية ويضعف قدراتها الحسية التي تحتاجها لبقائها.
- قد تنتج بعض الطحالب سموماً ضارة لكل من الحيوان والإنسان، مثل الميكروسيستين (microcystin) وأناتوكسن أ (anatoxin-a)
- لدى نفاد المغذيات تموت الطحالب الكثيفة وتنشط الميكروبات المحللة مستنفدة الأوكسجين المذاب الكافي لدعم معظم الكائنات الحية، ما يخلق منطقة ميتة .
اقرأ أيضاً: لماذا تعتبر الطحالب خياراً طبيعياً مفضلاً لاستبدال بعض أنواع البلاستيك؟
تأثير المواد العضوية
تتميز النفايات العضوية بقابليتها للتحلل، ما يشكل خطراً مدمراً للمياه المستقبلة لها، من جداول ومحيطات وأنهار. تنشط المواد العضوية الكائنات الحية المحللة، والتي تستخدم الأوكسجين المذاب لتفكيك النفايات، يقلل هذا بدوره من توفر الأوكسجين، ويؤدي إلى نفوق الأسماك وانطلاق الروائح الكريهة والغازات الضارة، وتدهور جودة المياه.
بالإضافة إلى ذلك، بعض المواد العضوية الاصطناعية شديدة السمية للإنسان والأسماك والنباتات المائية، مثل مبيدات الآفات. إذ عادة ما يتم التخلص منها بشكل غير صحيح في الصرف الصحي أو تحملها مياه الأمطار معها، فتقتل الأسماك أو تلوثها وتصبح غير صالحة للاستهلاك.
تُقاس كمية المواد العضوية من خلال مؤشر البي أو دي (BOD) وهي طلب الأوكسجين الحيوي، أي كمية الأوكسجين التي تحتاجها الكائنات الحية الدقيقة لتحليل المادة العضوية، فكلما زادت كمية المواد العضوية في مياه الصرف الصحي زاد مقياس طلب الأوكسجين الحيوي.
اقرأ أيضاً: أشجار الصفصاف قد تساعدنا في معالجة مياه الصرف الصحي
الزيوت والشحوم
تتسرب الزيوت والشحوم من أنظمة التصريف إلى المسطحات المائية، إلا أنها لا تتحلل بسرعة بواسطة البكتيريا. تلوث الشحوم والزيوت الأنظمة البيئية المائية، وتزيد من الـ (BOD)، وقد تطفو على السطح وتتصلب، ما يعيق اختراق الضوء، ويمنع وصول الأوكسجين من الغلاف الجوي إلى الماء.
كما يمكن للشحوم والزيوت أن تلتقط النفايات والنباتات وغيرها من المواد الصلبة، مشكّلةً مصدراً للروائح الكريهة وجذب البعوض وناقلات الأمراض، أو قد تتراكم الشحوم والزيوت في أنابيب الصرف الصحي، ما يزيد من مخاطر تعطل نظام الصرف الصحي وتسرب المياه منه إلى التربة المحيطة.
معالجة الصرف الصحي
معالجة الصرف الصحي هي المعاملات المستخدمة لإزالة نحو 99% من الملوثات في الصرف الصحي قبل تصريفها في المسطحات المائية، لتدخل من جديد في دورة المياه، أو لإعادة استخدامها لأغراض مختلفة.
معالجة مياه الصرف الصحي
هناك أربعة مستويات لمعالجة مياه الصرف الصحي:
المعالجة الأولية: يتم تجميع مياه الصرف الصحي في خزانات حتى تترسب المواد الصلبة وتتجمع الزيوت على سطحها. يتم كشط الزيوت عن سطح الخزانات وإرسالها للمرحلة الثانوية من المعالجة، بينما يتم تجميع الحمأة المترسبة في قاع الخزان لاستخدامها في أغراض تجارية. تزيل المعالجة الأولية نحو 60% من إجمالي المواد الصلبة العالقة، إلا أنه لا تتم إزالة الملوثات المذابة.
المعالجة الثانوية: تزيد هذه المرحلة من نقاء مياه الصرف الصحي، حيث يتم فيها:
- إزالة المواد القابلة للذوبان من خلال عمليات الأكسدة.
- استخدام مواد التخثر والكيماويات لإزالة المزيد من المواد الصلبة.
- تليين الجير وتثخين الحمأة.
المرحلة الثالثة: تُعالج فيها النفايات السائلة الناتجة عن المرحلتين السابقتين، وتنطوي على عمليات ترشيح لحبيبات الرمل ونزع النترجة. تتضمن عملية نزع النترجة تحويل نيتروجين الأمونيا إلى نترات بواسطة نوع من البكتيريا، ثم استقلاب النترات بواسطة نوع آخر من البكتيريا، فينتج غاز النيتروجين الذي يتسرب إلى الهواء.
مرحلة التطهير: هي مرحلة التخلص من الميكروبات الممرضة والروائح الكريهة. يمكن التطهير باستخدام الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية أو ثاني أوكسيد الكلور، حيث تصبح صالحة لإعادة استخدامها في عدة تطبيقات صناعية وزراعية.
اقرأ أيضاً: مخلفات الصرف الصحّي قد تمدّ بيوتنا بالطاقة
معالجة الحمأة
تعد الحمأة أحد المنتجات الثانوية لمعالجة الصرف الصحي، والغنية بالمواد العضوية واللاعضوية ومسببات الأمراض، لذا من المهم معالجتها باتباع الخطوات التالية:
- تثخين الحماة: أي تكثيف الحمأة في مثخن بالجاذبية، ما يقلل من حجمها الكلي ويسهّل التعامل معها.
- هضم الحمأة: هي عملية تحليل المواد الصلبة العضوية في الحمأة، وتتم على مرحلتين: الأولى هي تسخين الحمأة الصلبة والجافة وخلطها ضمن خزان مغلق، ما يسمح للبكتيريا اللاهوائية بهضم الحمأة. والثانية هي تحلل البكتيريا البروتينات والدهون إلى مكونات أصغر ثم تخمرها إلى أحماض دهنية.
- نقل الحمأة إلى خزان آخر حيث تحللها بكتيريا أخرى إلى ثاني أوكسيد الكربون (CO2) والميثان.
- نزح المياه: على الرغم من الحالة الصلبة للحماة إلا أنها تحتوي على نحو 70% منها ماء، لذا من المهم تجفيف الحمأة وإزالتها. يمكن تجفيف الحمأة باستخدام أحواض التجفيف، إلا أنها قد تستغرق أسابيع، أو يمكن تقصير المدة باتباع الطرد المركزي.
- التخلص من الحمأة: بعد تجفيف الحمأة يتم التخلص منها بإحدى الطرائق التالية:
- دفنها تحت الأرض في مكب نفايات.
- استخدامها مباشرة في الزراعة كسماد وفقاً لتركيبها.
- حرق الحمأة وتحويلها إلى رماد.