في ليلة مظلمة وهادئة (باستثناء ما حدث فيها لاحقاً) من ليالي ستينيات القرن الماضي، كان جدي – الذي عمل كطبيب وطيار خاص – ينقل اثنين من المحامين لحضور جلسة لإدلاء الشهادات. أثناء اجتيازهم لولاية واشنطن، واجهت تلك المجموعة شيئاً خيالياً: طائرة لا تشبه أي شيء سبق لهم أن رأوه من قبل؛ كانت تحلق باتجاههم مباشرة.
وفقاً لما يتذكره جدي، فقد رأى آلة طائرة لها شكل بيضوي مستطيل، مع أضواء وامضة وقدرة غريبة على التحويم، أخذت تتبع حركاته في السماء. وكان الجسم الآخر يلاحق حركات طائرة جدي صعوداً وهبوطاً. وبالرغم من أنه كان بالتأكيد جسماً طائراً مجهول الهوية، إلا أن جدي لم يزعم على الإطلاق بأنه رأى مخلوقات فضائية. فقد اعتقد على ما يبدو أنه يوماً ما سيتم تفسير تلك الزيارة الغريبة التي تلقاها، باستخدام المسميات الأرضية.
هذه الذكرى العائلية هي أول شيء خطر لي عندما قرأت القصة الجديدة التي أوردتها صحيفة نيويورك تيامز عن الطيارين من البحرية الأميركية؛ الذين يقولون إنهم رأوا جسماً طائراً مجهول الهوية بالقرب من ساحل سان دييغو في 2004.
في تلك القصة التي حملت عنوان "اثنان من طياري البحرية وجسم زاد من سرعته بطريقة لم يسبق لي أن رأيت مثلها قط"، وصفت صحيفة تايمز تلك اللحظة، عندما شاهد القائد ديفيد فريفور والملازم جيم سلايت ذلك (الشيء)، بلغة مشوقة للغاية.
خلافاً للطائرات الأكثر شيوعاً، والتي تستخدم قوة الدفع للتحرك عبر السماء، كانت هذه الطائرة تحوم. كانت تتصرف أقرب ما يكون إلى كلب متوتر، "تقفز من مكان إلى آخر بشكل عشوائي"، ولكنها كانت أيضاً تقترب وتبتعد عن طائرة البحرية كما لو كانت تشعر بالفضول بشأن الطائرات الأخرى التي اكتشفت وجودها. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق، فهو أنها كانت تتحرك بسرعة البرق، وبدا أنها على دراية بمعلوماتنا الداخلية. فعندما قرر طيارو البحرية لحظياً بأنه حان وقت العودة إلى موقع الالتقاء، تمكن الجسم الغريب من الوصول قبلهم إلى هناك بطريقة ما.
قد تثير قراءة هذه المعلومات القشعريرة لدى أي شخص عادي. كما أن الفيديو المرافق، والذي يوضح هذه الحادثة –إضافة إلى التوتر الواضح في أصوات الطيارين- يعزز من هذا الإحساس. وكان أول سؤال وجهه الكثير من القراء: هل المحتمل أن هذه الحادثة كانت لقاء مع مخلوقات فضائية؟ يوجد احتمال صغير (بل متناهي الصغر) بأن هذه كانت فعلاً مركبة فضائية لمخلوقات من عالم آخر، غير أن الإجابة المرجحة هي النفي.
كما كتبت نيويورك تايمز في مقالة نشرت مؤخراً، فقد نفذت الحكومة الأميركية عدة عمليات للبحث عن الكائنات الفضائية بشكل متكرر على مدى عقود كاملة. وعلى الرغم من سرية بعض المعلومات، فلا يوجد على حد علمنا أي اكتشاف واعد. أما التفسير المرجح لحادثة سان دييغو في 2004 فهي وجود تقنيات مجهولة فائقة التطور تعمل عليها وكالة حكومية تابعة للجيش الأميركي أو جيش دولة أخرى. قد يبدو هذا التفسير باهتاً بالنسبة لحدث بهذه الغرابة، غير أنها لن تكون المرة الأولى. فقد تبين أن معظم النشاطات والحوادث التي نسبت للكائنات الفضائية على مدى الأعوام الثمانين الماضية كانت في الواقع مشاريع حكومية سرية للغاية وكُشف عنها لاحقاً.
لنأخذ، على سبيل المثال، التاريخ السري للأطباق الطائرة. ففي أواخر الخمسينيات، كان سلاح الجو الأميركي على ما يبدو يعمل على المشروع 1794 لبناء طبق طائر أسرع من الصوت. وقد أجري أول اختبار لمركبة في زد 9 أفروكار في 12 نوفمبر 1959. وقد كانت الآمال معقودة على إمكانية صنع آلة طائرة قتالية رشيقة الحركة، غير أن النماذج الأولية لم ترقَ إلى مستوى المعايير العسكرية. فبدلاً من الصعود إلى ارتفاع 30.48 كيلومتر، اقتربت فقط من 1.524 كيلومتر. ولم تصل إلى السرعة المطلوبة أيضاً، وذلك بسبب شكلها الذي تبين أنه يفتقر للاستقرار. وبحلول العام 1961، أُلغي المشروع السري، ولكن بقيت فكرة صنع الصحون الطائرة.
لا يمكن أيضاً أن ننسى مخزون القصص المخيفة حول المنطقة 51 الشهيرة. وهي موقع سري في جنوب غرب صحراء نيفادا، ويُعتقد منذ زمن أنه الموقع الذي تخزن فيه الحكومة الأميركية الكائنات الفضائية التائهة التي عثرت عليها مع مركباتها. وعلى الرغم من أننا لا نعرف الكثير عن هذا المكان حتى اليوم، فإن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أقرت بوجوده فعلاً، وبأنه استخدم على مدى فترة طويلة من الزمن لاختبار طائرات التجسس، مثل الطائرة الاستطلاعية يو 2.
غير أن الحدث الأقوى صلة بموضوعنا هو "حادثة روزويل" في 1947. ففي صيف ذلك العام، هبط جسم طائر مجهول الهوية وتحطم في مزرعة في روزويل في نيو مكسيكو. وعندما حاول الجيش الأميركي التستر على الحادثة، انتشرت نظريات المؤامرة بشكل سريع، حيث لم يتقبل أحد التفسير الرسمي للحادثة، وهي أن القطع المعدنية الغامضة كانت مجرد منطاد عادي للطقس. أما اليوم، فنعرف من الوثائق التي كُشف عنها أن هذه الآلة الغامضة كانت منطاد مراقبة نووي في المرحلة التجريبية، وتم تصنيعه في إطار مشروع موجول، وهو رمز لعمليات الاستطلاع في حقبة الحرب الباردة.
اكتسبت بعض تلك العمليات الخاصة السرية شهرة واسعة، مثل المنطقة 51، ولكن تم أيضاً تحقيق الكثير من التطورات الأصغر والتي لا تقل عنها أهمية. فقد هبطنا على القمر، وهو شيء كان يبدو مستحيلاً (وما زال مستحيلاً بالنسبة للكثيرين من أنصار نظرية المؤامرة حول الهبوط القمري). ولدينا طائرات هاريير النفاثة القادرة على الإقلاع العمودي، وهو أمر ارتبط بتقنيات الكائنات الفضائية منذ زمن. كما أعلن قسم فانتوم ووركس (وهو اسم مرعب) في شركة بوينج مؤخراً عن أنهم كانوا يطورون بشكل سري طائرة للتزويد بالوقود أشبه بسيارة باتمان. ولن نستغرب إذا رأيت هذه الطائرة في رحلة تجريبية واعتقدت أنها من مجرة أخرى.
انتظر جدي بفارغ الصبر حتى يُكشف عن طائرة عسكرية ما لتفسير هذه الحادثة التي وقعت له منذ كل هذه السنوات. غير أنه توفي في 2014 بدون أن يحصل على تفسير مقنع لما حدث تلك الليلة. غير أن هذا لا يعني خطأ وجهة نظره في أن هذه المركبة التي رآها، ومركبات أخرى، هي نتيجة الإبداع أو الخطأ البشري. وحتى لو لم تكن أي من هذه التطورات التكنولوجية سبباً، فما زال هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي يمكن أن نعزو لها هذه الحوادث بدون علاقة بالكائنات الفضائية، مثل الظواهر الطبيعية، والطائرات بدون طيار. قد تكون الكائنات الفضائية تفسيراً مسلياً لما يستعصي تفسيره بطريقة أخرى، ولكن في بعض الأحيان، فإن الجسم الطائر مجهول الهوية هو فعلاً ما يدل عليه اسمه وحسب: شيء سري لا نعرفه حتى الآن.